2024-11-30 06:46 م

العدو في حديقتنا الخلفية.. إسرائيل وأفريقيا!!

2017-09-23
كتب: رفعت سيد أحمد
اليوم (2017) ونحن في العام الـ69 من عمر دولة الكيان الصهيوني، ينبغي أن نتوقف وبانتباه، لهذه النجاحات الخطرة التي أحزرتها ولاتزال (إسرائيل) في اختراقها لغالب دول القارة الإفريقية، وهي نجاحات بدأت منذ العام 1948 وانطلقت من قناعة إستراتيجية راسخة لدى مؤسسي الكيان الصهيوني (وبخاصة بن جوريون) بنظريتين الأولى (شد الأطراف) والثانية (الأحزمة)، الأولى تعني محاصرة الدول العربية المعادية لهذا الكيان ولنشأته في قلب فلسطين، ومحاولة شغل تلك البلاد وبخاصة دولة رئيسية معادية مثل مصر من خلال شد أطرافها وإشغالها المستمر، والنظرية الثانية تعنى تحزيم الدول العربية بتعاون وتحالف استراتيجي مع أقليات ودول معادية مثل دولة أثيوبيا وجنوب السودان في أفريقيا، والأكراد في العراق وغيرهم، وهو ما جرى خلال الـ69 عاماً الماضية بأشكال وآليات متنوعة، والتي كان محصلتها نجاح الاختراق الإسرائيلي للقارة الإفريقية، وهو اختراق يحتاج إلى إستراتيجية عربية جادة لمواجهته، ونحسب أن بناء هكذا إستراتيجية، يتطلب أولاً معرفة الأسباب الحقيقية لنجاح دولة الكيان الصهيوني في اختراق هذه القارة التي تمثل جزءاً رئيسياً من أمننا العربي القومي أو لنقل هى الحديقة الخلفية الغنية والعزيزة لهذا الأمن القومي.. ما الأسباب.. وما الدلالات؟.
للإجابة دعونا نؤكد ما يلي:
أولاً: يحدثنا التاريخ ووثائقه المتوفرة، أن مراحل الاختراق الصهيوني للقارة السمراء يمكن حصره في الآتي:
المرحلة الأولى: (من عام 1948 إلى عام 1972): أطلق عليها مرحلة الاستقلال والتغلغل والدعم واشتملت علي ثلاث فترات فرعية وهي:
فترة الاستطلاع والبحث عن الطريق : (1948 – 1956): واقتصرت علي علاقة إسرائيل مع ليبيريا وأثيوبيا وفقاً لإستراتيجية إسرائيلية خططت لبناء علاقاتها مع دولتين ساحلتين إحداهما في شرق أفريقيا والأخرى في غربها لتكون قاعدة وثوب لتوسيع شبكة العلاقات مع باقي الدول الأفريقية .فترة التغلغل والتوسع: (1957 – 1962): استغلت إسرائيل استقلال دول أفريقيا عام 1960 فاعترفت بها وتبادلت معها التمثيل الدبلوماسي – واتخذت هذه المرحلة شكل زيارات متبادلة بين إسرائيل والجابون ، ومدغشقر، وبنين ، وأفريقيا الوسطي، وليبيريا ، وأوغندا ، وجامبيا ، بما حقق لإسرائيل مناطق ارتكاز لتنمية علاقاتها مع دول مجاورة لتلك الدول.
فترة الانتشار والدعم: (1962 – 1973): أقامت خلالها علاقات دبلوماسية مع 33 دولة أفريقية ووقعت على 20 اتفاقية للتعاون مع دول أفريقية.
المرحلة الثانية: (من عام 1973 – إلى عام 1983): وهى التي أطلق عليها مرحلة التدهور والانهيار ثم العودة وقد مرت بفترتين فرعيتين:
فترة التدهور والانهيار الإسرائيلي في أفريقيا: (1973 – 1979): جاءت نتيجة لقيام حرب أكتوبر عام 1973 حيث تم خلالها قطع علاقات دول أفريقيا لعلاقاتها مع إسرائيل .
فترة العودة مرة أخري: (1979 – 1983): وقد اتسمت بإعادة بعض الدول الأفريقية علاقاتها مع إسرائيل نتيجة لتوقيع معاهدة السلام مع مصر حيث بدأت بزائير ثم ليبيريا ، ساحل العاج، توجو ، مالاوي ، سوازيلاند ، ليسوتو ، بتسوانا ، وقد بذلت إسرائيل جهوداً مكثفة لإعادة علاقاتها مع دول أخرى مستغلة علاقاتها مع الدول الغربية لمساندة مساعيها الدبلوماسية .
المرحلة الثالثة: (ما بعد عام 1983 – وحتى اليوم 2017): هدفت إسرائيل خلالها إلي تطوير علاقاتها مع دول أفريقيا وقد تمت أول زيارة من رئيس أفريقي ” رئيس ليبيريا ” الي إسرائيل في آب/ أغسطس عام 1983، ثم تلتها زيارة إسحاق شامير إلى توجو، كما أوفدت إسرائيل عدداً من خبرائها في المجال الاقتصادي خاصة الزراعة ، وقدمت مساعداتها المالية بهدف إغراء باقي الدول الأفريقية لإعادة علاقاتها معها، وتوالت زيارات شركات وقادة الكيان الصهيوني إلى الدول الإفريقية وآخرها كانت زيارات نتنياهو (2016)، وكانت قاعدة الانطلاق والعودة هي العلاقة مع أثيوبيا والمشاركة الجادة في بناء (سد النهضة) بها، لإخضاع مصر وترويضها.
ثانياً: تؤكد وثائق العلاقات الإسرائيلية الإفريقية التاريخية أن إسرائيل استخدمت منذ 1948 الوسائل التالية للاختراق:
1 – إنشاء شركات الملاحة البحرية المشتركة.
2 – إمداد أفريقيا بالخبراء والفنيين المدنيين والعسكريين.
3 – إعطاء الدول الأفريقية قروضاً طويلة الأجل، والقيام ببعض المشروعات الاقتصادية لتلك الدولة.
4 – منح الدول الأفريقية منحاً دراسية مجانية في المجالين العسكري والمدني ، وتنفيذاً لهذه (المخططات) ، قامت إسرائيل بعمل الآتي:
أ – العناية بتحسين وسائل المواصلات الداخلية والخارجية لزيادة النقل البحري والجوي ، تحقيقاً للأهداف التوسعية في التسلل إلى دول أفريقيا حديثة الاستقلال.
ب – اضطرت إسرائيل نتيجة للحصار الاقتصادي العربي إلى زيادة عدد سفنها وطائراتها. فأمكن للأسطول الإسرائيلي البحري في عام 1959 أن ينقل حوالي 35% من مجموع النقليات الإسرائيلية المختلفة.
ج – تحسين الموانئ والمطارات وإنشاء خطوط ملاحية جديدة في حيفا واللد بهدف الربط الجيد مع أفريقيا.
أما عن أجهزة التغلغل الإسرائيلي في أفريقيا تاريخياً فلقد تمثلت فيما يلى:
1 – المنظمة الصهيونية العالمية، المنبثقة عن المؤتمر الصهيوني الأول الذي عقد في بال في سويسرا عام 1897.
2 – المؤتمر الصهيوني العالمي ، وهو الجمعية العامة للمنظمة ، ويقوم بانتخاب لجنة العمل والوكالة اليهودية.
3 – الوكالة اليهودية ، وقد أنشئت رسمياً عام 1926.
4 – المؤتمر اليهودي العالمي، وقد تأسس عام 1936 ويضم المنظمات اليهودية المنتشرة في العالم.
5 – اتحاد نقابات العمال الإسرائيلي “الهستدروت” ، وهو أقوي تنظيم داخل إسرائيل سياسياً وذو نشاط تعليمي وزراعي واقتصادي.
6 – حزب “الماباي” ، وتنبع أهميته في عضويته في اتحاد الأحزاب الاشتراكية الأوروبية ابتداء من عام 1929.
7 – المعهد الأفروآسيوي ، وهو معهد يقوم بنشاط كبير في ميدان التدريب للدارسين من أفريقيا.
8 – معهد “وايزمان ” للعلوم.
ثالثاً: هذا ويحدثنا التاريخ أن العلاقات الإسرائيلية – الأفريقية خلال الفترة التالية للعام 1948 وحتي اليوم ، شهدت تأسيساً مبرمجاً عبر وسائل عديدة، ومنها وسائل الاقتصاد والإمداد بالسلاح والزيارات السياحية والسياسية، ووفقاً لدراسات متخصصة بلغ عدد الزوار الأفارقة لـ(إسرائيل) 1500 زائر سنوياً خلال حقبتي الخمسينات والستينات ثم تضاعف العدد لاحقاً، وكان من بينهم عدد كبير من الرؤساء والوزراء والصحفيين والقياديين من أكثر من 30 دولة، ومن أبرز القادة الأفارقة الذين ارتبطوا بعلاقات خاصة مع إسرائيل نذكر منهم ما يلي :
(جومو كينياتا : أول رئيس لكينيا – وليام تيبمان “الرئيس الليبيرى الأسبق” – جوزيف موبوتو رئيس زائير – هيلاسلاسى إمبراطور الحبشة الأسبق – جون قرنق رئيس جنوب السودان السابق – أنور السادات وحسنى مبارك رئيسي مصر السابقين وغيرهم).
وبعد.. تلك بعض مظاهر وآليات الاختراق الصهيوني للقارة السمراء تاريخياً، والتي تنوعت الآن وتوسعت، وأضحت إسرائيل دولة صديقة!! وحليفة!! سياسياً واقتصادياً وعسكرياً لعشرات الدول الإفريقية، وغاب الوعي الرسمي بل والشعبي العربي بخطر دورها ومراميها في القارة الإفريقية، تماماً مثلما غاب هذا الوعي عن دورها في بلادنا العربية بل وداخل فلسطين الجريحة.
إن الأمر في مجمله، بات يحتاج إلى إعادة نقد للدور العربي في مواجهة التغلغل الصهيوني في القارة السمراء وإلى حتمية بناء إستراتيجية عربية للمواجهة قبل فوات الأوان .. فالعدو، لم يعد فحسب في حديقتنا الأفريقية، بل صار يحتل البيت ذاته ويسخر منا .. نحن ساكنيه .. وأصحابه!!.