ذوالفقار ضاهر
لم يكن أحد يتوقع أن تهدد المملكة السعودية بوقف تمويل “الأونروا” باعتبار أن المملكة هي الطرف العربي الوحيد الموجود في لائحة أبرز الداعمين لهذه الوكالة الإنسانية التي تُعنى بشؤون اللاجئين الفلسطينيين في دول الشتات المحيطة بفلسطين المحتلة، فالمملكة هي رابع أكبر مانح لـ”أونروا” بعد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا وهي قدمت قرابة مئة مليون دولار للوكالة في العام 2015.
كان لافتا تهديد السعودية بوقف تمويل وكالة “الاونروا” لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، وذلك في معرض ضغطها على الامم المتحدة لرفع اسم تحالف العدوان على اليمن الذي تقوده عن اللائحة السوداء لانتهاك حقوق الطفل.
فالموقف السعودي جاء من خارج السياق بشكل واضح فلا شي يربط بين دعم “الاونروا” وبين العدوان على اليمن وانتهاك حقوق الطفل هناك، فالاونروا كما هو معروف هي وكالة تابعة للامم المتحدة ولكنها تقدم الدعم للاجئين الفلسطنيين في مجالات التعليم والصحة في في الأردن ولبنان وسورية والأراضي الفلسطينية المحتلة، فلماذا ترد السعودية على الامم المتحدة بالتهديد بقطع الدعم عن اللاجئين الفلسطينيين؟ وما الرابط بين هؤلاء اللاجئين الذي اخرجهم العدو الاسرائيلي من ديارهم وشردهم وارتكب بحقهم جريمة العصر وبين وضع اسم السعودية وتحالف العدوان على اليمن على لائحة انتهاك حقوق الطفل؟
لماذا تهدد الرياض يوقف دعم “الاونروا”؟
ولماذا تريد السعودية تحميل الفلسطينيين وزر وضع اسمها على لائحة انتهاك حقوق الطفل في اليمن؟ رغم ان حقوق الطفل وحقوق الانسان انتهكت بشكل فاضح في اليمن دون اي رادع قانوني او اخلاقي او ديني لدى السعودية ومن معها من الدول المنضوية تحت لواء تحالف العدوان على الشعب اليمني، ولكن أليس الاجدر بالسعودية الحفاظ على حقوق الشعب الفلسطيني وعلى استمرار دعم المنظمات والوكالة والهيئات التي تقدم لهذا الشعب الدعم سواء في غزة المحاضرة او الضفة الغربية المحتلة او في دول الشتات؟ أليس الاجدر بالسعودية التي تعتبر نفسها من أبرز الدول الاسلامية والعربية ان تحافظ على دعم الفلسطينيين وعلى تقديم الخدمات للاجئين الفلسطينيين عبر الاونروا وغيرها بدل العمل والتهديد بإيقافها عبر وقف الدعم؟
علما ان السعودية كان يمكن ان تحل أمورها مع الامم المتحدة وامينها العام بان كي مون عبر الضغط بوسائل اخرى مالية وغير مالية من دون التطرق لمسائل لها علاقة بالشعب الفلسطيني، اللهم إلا إذا كان هناك من الاسباب غير المعلنة ما يدفع الرياض للخوض في هذا الغمار لإنهاء عمل “الاونروا” تمهيدا لغايات في نفس “يعقوب”، فهل هناك شيء في الخفاء تريد السعودية تمريره فيما يخص الشعب الفلسطيني وقضيته عبر بوابة “الاونروا”؟ وهل تتذرع السعودية بملف اليمن والاحتجاج الامم المتحدة لتصل في النهاية لضرب أحد الشواهد الحية على بقاء واستمرار القضية الفلسطينية تمهيدا لتصفيتها؟
وهنا لا بدَّ من الاشارة الى ان “الاونروا” طالما تعرضت لحرب شعواء من قبل الحركة الصهيونية في العالم التي تعمل وتضغط على الجهات المانحة كي توقف او تخفض تقديماتها للوكالة، كما ان سلطات الاحتلال الإسرائيلي تحاول دائما إعاقة عمل “الاونروا” في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فهذه الوكالة التابعة للأمم المتحدة تعتبر بنظر الصهاينة أحد الشواهد التاريخية على القضية الفلسطينية ونضال الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، فالخطوة السعودية عن قصد او غير قصد التي أثارت علامات استفهام كبيرة تتوافق مع نشاط اللوبيات الاسرائيلية في هذا المجال.
إغلاق “الاونروا” مطلب اسرائيلي..
والمتتبع في السنوات الأخيرة لعمل “الأونروا” يلاحظ المشاكل الكثيرة التي نتجت عن تقديماتها للفلسطينيين في أكثر من دولة نتيجة تخفيض الدعم من الجهات المانحة بغية إثارة البلبلة في العلاقة مع اللاجئين في دول الشتات، كما ان الاوساط الاسرائيلية تطالب باستمرار بإغلاق “الأونروا” لانها تقوي الشعور الفلسطيني بضرورة التمسك بحق العودة الى ارضهم، فالصهاينة يعتبرون ان إنهاء هذه “الوكالة” هو مقدمة أساسية لوقف كل أشكال الدعم وبالتالي تصفية الحقوق والقضية الفلسطينية في لاحق الايام.
حول كل ذلك قال عضو المكتب السياسي في “الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين” علي فيصل “نحن دائما نأمل ونحث كل الداعمين بمن فيهم السعودية الى القيام بكل التزامتهم اتجاه الاونروا واتجاه الشعب الفلسطيني”، وطالب “بزيادة الدعم في مختلف المجالات”، وتابع “ما زلنا نعوّل على الدول المانحة بأن لا تجفف مصادر دعم الاونروا بل ندعوها لزيادة الدعم وذلك بهدف تعزيز صمود اللاجئ الفلسطيني وعدم الضغط عليه تحت وطأة اي مشروع كي يهجر الى الدول البعيد”، وأكد ان “الدعم للاونروا هو دعم للاجئ الفلسطيني للتمسك بحق العودة”.
واعتبر فيصل في حديث لموقع “قناة المنار” ان “التهديد السعودي بوقف دعم الاونروا هو فقط في إطار الضغط ولن يصل لحد التوقف الفعلي عن الدعم”، ولفت الى ان “السعودية أوفت السنة الماضية بالتزامتها اتجاه الاونروا”، وأوضح ان “السلطة الفلسطينية تواصلت مع السلطات المعنية في السعودية التي اكدت التزام المملكة بتعهداتها بخصوص الاونروا وان لا تقليص او وقف للدعم”، ودعا “لتشديد الضغط على الولايات المتحدة الاميركية والاتحاد الاوروربي باعتبار ان هذه الجهات تضغط على اللاجئ الفلسطيني كي يتخلى عن حق العودة”، ولفت الى ان “كل القوى الفلسطينية على موقف واحد موحد حول رفض تقليل التقديمات التي تقدمها الاونروا وباقي مؤسسات المجتمع الدولي”.
تقليل خدمات “الاونروا”.. عمل سياسي بمظهر اجتماعي
واعتبر فيصل ان “الدعم السعودي والعربي بشكل عام في دعم موازنة وكالة الغوث او غيرها من قضايا دعم الشعب الفلسطيني هو امر مطلوب دائما”، وحذّر “مما تسعى الادارة الامركية والاسرائيلية الى تمريره من بوابة الدعم العربي لميزانية وكالة الغوث لجهة تنصل الدول الغربية من مسؤولياتها تجاه تمويل الموازنة العامة للاونروا وتحويلها بشكل تدريجي الى منظمة اقليمية وعربية بوظائف مختلفة عن الوظيفة المحددة لها من قبل الجمعية العامة للامم المتحدة وربطا بالقرار رقم 194 المعني بحق عودة جميع اللاجئين الفلسطينيين”، مشيرا الى ان “الاونروا الى جانب دورها الإغاثي هي في الوقت نفسه اعتراف من المجتمع الدولي عن مسؤوليته عن النكبة التي لحقت باللاجئين الفلسطينيين”.
وأشار فيصل الى ان “هناك العديد من المحاولات الاسرائيلية لالغاء الاونروا وتحويلها الى مؤسسة تنمية للتعويض على اللاجئين بهدف تضييع حق العودة”، ولفت الى انه “جرت محاولات اسرائيلية للوصول الى تقليص الخدمات التي تقدمها الاونروا للاجئين”، ورأى ان “اي تقليص للخدمات له بُعد سياسي بهف التضييق على اللاجئين والمس بحقوقهم الوطنية وبالاخص حق العودة”، واضاف “لذلك نحن نشدد على ضرورة دعم الاونروا لحين عودة اللاجئين الى ديارهم”، وأكد ان “كل تقليل للخدمات هو عمل سياسي بمظهر اجتماعي ولكن الخلفية التي تحركه هي خلفية سياسية”.
من جهة ثانية، شدد فيصل على “ضرورة ايفاء الدول العربية بما سبق وتعهدت به في مؤتمر فيينا لجهة تمويل اعمار مخيم نهر البارد(في لبنان) الذي ما زال ينتظر منذ نحو عشرة اعوام نتيجة عدم وفاء الدول المانحة بما فيها السعودية والدول العربية بما عليها من التزامات”، وتابع “مثال آخر النازحون الفلسطينيون من سوريا وضرورة تقديم دعم عربي لهم وإعمار غزة كذلك والحاجات المتزايدة للفلسطينيين في سوريا بفعل الازمة هناك .. وغيرها الكثير من القضايا التي تحتاج الى دعم عربي مباشر”.
مروان عبد العال - الجبهة الشعبية لتحرير فلسطينبدوره، اعتبر مسؤول “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين” في لبنان مروان عبد العال ان “ما تم تسريبه حول التهديد السعودي بوقف دعم الاونروا هو إشارة فظيعة تكشف حجم الخطر الذي يحيق بالقضية الفلسطينية وسابقة سلبية مهينة تظهر مدى الاستهتار بمسألة اللجوء الفلسطيني الممتد منذ 67 عاما والذي يعتبر موضوعيا هو جوهر الصراع مع العدو الاسرائيلي”، ولفت الى ان “حق العودة يُمثّل معيار العدالة لأي عملية سياسية لحل للصراع مع الصهاينة”، واكد ان “أية سياسة تنتقص من الحقوق الثابتة لشعبنا تخدم اعداء الامة لا محالة “.
ورأى عبد العال في حديث لموقع “قناة المنار” ان “الانحدار السياسي الذي يسعى الى تحويل الصراع عن اهدافه الاساسية يتقاطع مع اهداف العدو الصهيوني لتدمير المنطقة كالذي يجري على أكثر من ساحة في المنطقة العربية واليمن في مقدمتها”، ولفت الى ان “التلويح الأخير بالضغط المالي على الاونروا ليس صدفة فهو عملية ابتزاز تطال قيم الامم المتحدة من حساب الشعب الفلسطيني نظرا لمكانة الاورنوا ودورها في حماية ورعاية اللاجئين الى حين العودة”.
وفيما اكد عبد العال ان “أزمة تمويل الأونروا الاخيرة هي مسألة سياسية بامتياز وليست مجرد أزمة مالية عابرة وهي عملية تصب في مجمل السياق السياسي الذي يسعى لانهاء الصراع مع العدو الصهيوني”، اشار الى ان “محاولة تفليس الاونروا هدفه تحقيق اهدافا سياسية تخدم العدو الصهيوني الساعي تاريخيا الى إنهاء الشاهد الدولي على جريمة القرن في اقتلاع الشعب الفلسطيني”، داعيا “لاستنفار النخوة العربية في حفظ كرامة اللاجئين الفلسطينيين دوليا ودعم واسناد كفاحهم العادل من أجل نيل الحرية والملاحقة القانونية لمجرمي الاحتلال وإحقاق حقهم المشروع بالعودة الى ديارهم”.
المصدر: موقع المنار