2024-11-23 02:13 م

اليوم الأول الذي يلي رحيل عباس ... اجتهادات وسيناريوهات اسرائيلية!!

2016-06-08
القدس/المنـار/ في اسرائيل ندوات ودراسات ونقاشات حول موضوع "اليوم الأول الذي يلي رحيل الرئيس محمود عباس"، وكل يدلي بدلوه، عسكريين وسياسيين وباحثين، وباتت المرحلة التي تلي رحيل عباس الشغل الشاغل في الساحة الاسرائيلية، نقاشات، تكشف الكثير من الأبعاد، وبالتالي، من الضروري الاطلاع عليها وسبر أغوارها لكشف ما بين السطور.
(المنـار) تنشر ما دار في ندوة حول الموضوع نفسه، عقدت في جامعة بار ايلان في تل ابيب، شارك فيها مسؤولون سياسيون وضباط سابقون، وحشرها دبلوماسيون عرب وأجانب، وفيما يلي، ما ناقشه وطرحه المتحدثون في الندوة المذكورة، ننشرها، كما هي دون تحريف أو تعليق، مع التحفظ عل بعض الأقوال لحساسيتها.
     نظم مركز "بيجين ـ سادات للأبحاث الإستراتيجية" في جامعة بار ايلان بتاريخ 1 حزيران  2016، ندوة بعنوان "اليوم الذي سيلي رحيل أبو مازن" ، وشارك في اللقاء العديد من الخبراء والمختصين بالشأن الفلسطيني وضباط سابقين في الأجهزة الأمنية الإسرائيلية بالإضافة الى شخصيات سياسية إسرائيلية على رأسها وزير شؤون القدس، الليكودي "زئيف الكين"، وعن المعسكر الصهيوني، عضو الكنيست ووزير الدفاع السابق "عمير بيرتس"، بحضور ما يقارب الـ 300 شخص، وكان من اللافت حضور عدد من الدبلوماسيين الأجانب، الذين حرصوا على توثيق وتسجيل كل ما صدر عن المشاركين في الندوة من سيناريوهات، حول مرحلة ما بعد الرئيس محمود عباس.
     الجلسة الأولى في الندوة، كانت بعنوان: "صراع الوراثة"، وكان أول المتحدثين فيها البروفيسور هلل فريش (مركز بيجين سادات)، الذي أكد في بداية كلمته على أهمية وضرورة أن تلتفت الحكومة الإسرائيلية الى مسألة "اليوم الذي يلي رحيل أبو مازن"، وأهمية وضع الخطط المناسبة والاستعداد لمواجهة هذا الحدث الذي يمكن أن يقع في أية لحظة، خاصة وأن هناك تساؤلات تثار بشأن حركة فتح، وإذا ما كانت ستلتف حول "وريث توافقي" في اليوم الذي يلي أبو مازن لمواجهة حركة حماس، أو أنها ستقع مرة أخرى في أخطاء سابقة كتلك التي وقعت فيها الحركة في قطاع غزة. وأضاف البروفيسور فريش: ".. لقد تراجعت قوة حماس في الضفة الغربية بصورة كبيرة ولم تتمكن الحركة من استغلال موجة العنف الأخيرة لتفجير الأوضاع بشكل تصل فيه الأحوال الى ما كانت عليه في الانتفاضة الثانية، وما أحبط مخططات حماس، هو التنسيق الأمني وحملات الاعتقال التي قامت بها إسرائيل وأجهزة الأمن الفلسطينية". وتحدث البروفيسور فريش عن مجموعة من السيناريوهات بشأن المرحلة التي تلي الرئيس عباس، من بينها سيناريو الانتقال السلس للسلطة، وأشار الى أن محمد دحلان هو احد الخيارات الممكنة، داعيا في نفس الوقت الى الأخذ بعين الاعتبار، أن الدحلان هو "غريب عن الضفة الغربية" أو بمعنى آخر من قطاع غزة، ومن غير الممكن أن يتسلم السلطة بشكل منفرد. ومن بين السيناريوهات الأخرى التي تطرق اليها "فريش"، سيناريو انقسام السيطرة بين شمال الضفة وجنوبها، بحيث تسيطر حركة فتح وما يتبقى من الهيكل الأمني الفلسطيني على مناطق وسط وشمال الضفة الغربية، وبالمقابل تسيطر حركة حماس على جنوب الضفة الغربية وبشكل خاص منطقة الخليل، ليس على شاكلة الحكم في قطاع غزة وانما بصورة غير مباشرة، بحيث تدعم بشكل خفي "حكما قائما على العائلات الكبيرة" في تلك المنطقة. ويقول "فريش" أن السيطرة الأمنية الفلسطينية وسيطرة حركة فتح في شمال الضفة الغربية، أثبتت نفسها، في موجة العنف الراهنة، حيث تظهر الأرقام والمعطيات ذلك بوضوح ، فالعدد الأكبر من منفذي العمليات ضد أهداف إسرائيلية انطلقوا من جنوب الضفة وليس من شمالها.
     ويرى "فريش" أن قيادات السلطة ستواجه صعوبة كبيرة في توحيد صفوفها، في مرحلة ما بعد أبو مازن، فالمتصارعون على الحكم بعد عباس يؤمنون بأن اسرائيل ستقوم بمهمة محاربة حماس بدلا منهم، ولذلك، ليس هناك ما يدفعهم الى توحيد صفوفهم ضد خطر وخصم مشترك. لكن في نفس الوقت، هناك بعض العوامل التي قد تفرض على الشخصيات المتصارعة التوحد عبر تشكيل المحاور، فالامور اليوم تختلف عما كان عليه الوضع في العام 2004، حيث كان هناك بقايا لقيادة تاريخية (المؤسسين)، لكن اليوم القيادات التاريخية غير موجودة في معظمها، وهالة القيادات المؤسسة وما يعرف بـ "الأبوات" ، التي كانت قائمة وموجودة في العام 2004 لم تعد اليوم موجودة في حرب وراثة عباس، ومن بين العوامل التي تمنع تحقق التفاف وتوحد بين قيادات السلطة، حقيقة الانقسام الذي يعاني منه العالم العربي، حيث هناك العديد من الأطراف والدول المتورطة في ما يجري داخل الساحة الفلسطينية، وتختلف تلك الأطراف فيما بينها على من سيخلف عباس في المرحلة القادمة، وهذا يعني أن غياب الإجماع العربي سينعكس سلبا على أية جهود قد تبذل لتحقيق انتقال سلس للسلطة في مرحلة ما بعد عباس.
     وهناك أيضا عوامل يمكن أن تساهم في انتقال سلس للحكم، من هذه العوامل العامل الاقتصادي، فالسلطة الفلسطينية ومؤسساتها تنفق ما يقارب الـ 3.4 مليار سنويا، وهذا رقم ضخم، وسيكون هناك ضغط من الأسفل، من الشارع، للحفاظ على هذه الماكينة، التي تمول رواتب حوالي 160.000 من المواطنين الذين يعملون في القطاع العام، فهذه الشريحة الواسعة من الشارع الفلسطيني ستتمسك باستمرار بقاء السلطة، كما أنه بدون الإسهام الاقتصادي لمؤسسات السلطة، ستكون هناك كارثة اقتصادية. 
     وحسب فريش فان هناك عوامل وجهات خارجية ستساهم هي الأخرى بالعمل من أجل ضمان بقاء السلطة واستمرارية مؤسساتها، ومن هذه الجهات اسرائيل، التي تعيش حالة من الانقسام وتضارب المواقف فيما يتعلق بمستقبل السلطة الفلسطينية بعد عباس، ومن أبرز التيارات داخل الحكومة الإسرائيلية التي تتبنى مواقف متضاربة بشأن السلطة ومصيرها، الخلاف والتضارب بين زئيف الكين وزير شؤون القدس، وبين الوزير عن حزب "كلنا" يوئاف جلنت، وهو خلاف يعتقد البروفيسور فريش، أنه سيحسم في النهاية لصالح "جلنت" الذي يعارض التوجه الذي يدعو اليه "الكين"، بأهمية السماح للفوضى للقيام بدورها، وعدم اعتراضها، غير أن غالبية الشركاء في الحكومة يدعمون أهمية انتقال منظم للحكم في السلطة الفلسطينية، ويعود هذا الموقف شبه الجماعي داخل الحكومة الاسرائيلية، لما حدث في موجة العنف الاخيرة، فعدد الضحايا الاسرائيليين نتيجة الموجة الاخيرة من أعمال العنف، كان اقل بكثير من عدد الضحايا خلال الانتفاضة الثانية، وهذا يعود بالأساس الى التعاون الأمني بين الاجهزة الامنية الاسرائيلية والفلسطينية، وهذا الامر يدفع باتجاه الحفاظ على جسم السلطة الفلسطينية، كما أن الجانب الأمريكي هو الآخر يدفع باتجاه انتقال سلس ومنظم للحكم في السلطة الفلسطينية. لكن على الرغم من هذه الرغبة الأمريكية، سيكون هناك "فيتو امريكي" ضد صعود أي شخصية أمنية فلسطينية الى سدة الحكم، لكن، قد ينشأ ائتلاف أمني جماعي داعم يضم ماجد فرج، نضال أبو الدخان وحازم عطاالله، لكن على أي شخص من هؤلاء قبل أن يفكر في الانتقال الى العمل السياسي الحقيقي، أن يغادر منصبه الأمني، خاصة وأن الدستور الأمريكي واضح في مثل هذه الحالات، فهناك معارضة لوجود العسكريين على رأس السلطة والحكم، وسيعمل الأمريكان على منع ذلك. ويعتقد فريش، أن أن هناك فرصة كبيرة بعد عباس لنقل السلطة بهدوء دون فوضى حقيقية، مع احتمال أن تكون هناك حوادث عنف محدودة، من جانب دحلان وبعض المحسوبين عليه، لكن بالتأكيد الجهات الخارجية هي التي ستحسم حرب الوراثة في السلطة الفلسطينية ما بعد عباس.

يهودا يعاري، مختص في الشأن العربي والشرق أوسطي وصحفي في القناة الثانية
     يقول يعاري أن الصراع على وراثة عباس قد بدأ بالفعل، ويضيف: "يبلغ عباس من العمر (81 عاما)، والسلطة باتت اليوم عبارة عن قناة لتوزيع الأموال للمسؤولين وأصحاب المناصب، وهي "جهة الاتصال" بين الدول المانحة والمواطن الفلسطيني، وبين إسرائيل والمواطن الفلسطيني، ويعترف أبو مازن بذلك، ويقول بين الفينة والاخرى، أن منسق أعمال الحكومة الإسرائيلي في المناطق الفلسطينية هو المسؤول الاعلى في السلطة". ويتابع يعاري: ".. صراع الوراثة بدأ منذ فترة وهو في أغلبه يتم وراء الكواليس وأسفل الطاولة، لكن في بعض الأحيان يخرج الى العلن، والسبب وراء هذا الصراع عدم وجود آلية واضحة لتوريث السلطة، علما ان من غير الممكن تطبيق ما ينص عليه القانون الفلسطيني بهذا الشأن من تسليم السلطة الى رئيس المجلس التشريعي، لأن الأخير من حركة حماس، كما أن عباس والمجلس التشريعي تجاوزا المدة القانونية منذ سنوات". ويدعي يعاري أن الرئيس محمود عباس يعتقد أن أمامه الكثير من الوقت، ويرفض المطالبات التي تدعوه الى الاستقالة والانسحاب من الحياة السياسية، أو تعيين نائب للرئيس، وهو يدرك ماذا يعني الاستجابة لتلك المطالب.
ويقول يعاري: ".. أبو مازن شخص مزاجي، من السهل استفزازه، وهو شخص اعتاد الانتقام من الأشخاص الذين يحيطون به ويحاولون معارضته أو انتقاده، وهذا ما حصل مع سلام فياض، فهو لم يكتف بإخراجه من رئاسة الحكومة بل استمر في ملاحقته والتضييق عليه، وعلى المؤسسة غير الحكومية التي أقامها، وأيضا تخلى عن ياسر عبد ربه وأخرجه من الحياة السياسية الفلسطينية، ولم يعد أحد يأتي على ذكره، ويخطط أبو مازن اليوم لإجراء تغيير داخل حركة فتح من خلال ضم عناصر جديدة الى المركزية والثوري، يكون نصفهم على الأقل من الموالين للتخلص من القيادات القديمة، لكن حتى الآن لم ينجح في تمرير ما يرغب، وذلك ما يؤجل عقد المؤتمر العام الجديد لحركة فتح.
     وتحدث يعاري عن عقد لقاءات بتمويل أوروبي، كان اخرها لقاء بتمويل هولندي ـ نرويجي، بتنظيم من مركز خليل الشقاقي في مدينة رام الله، شارك فيه العديد من المفكرين والشخصيات الفلسطينية للتفكير في الخطوات المستقبلية الواجب اتخاذها، وفي خلاصة ما خلصوا إليه، كان ضرورة الانفصال عن الخط الذي يمثله عباس، وإنهاء العشرية التي بدأت بعد رحيل عرفات، والتي تقوم على شعار (لا حرب ولا سلم)، وطالبوا في وثيقتهم الى ضرورة اللجوء الى المقاومة الشعبية القائمة على مهاجمة الحواجز، وطالبوا بضرورة وقف التنسيق الامني بصورة تدريجية، وركزوا على ضرورة الالتفات الى حقوق المواطن... فالسلطة لا تسير الى أي مكان، وأبو مازن لا يقود الحالة الفلسطينية نحو تحقيق أي هدف يذكر، بما فيه هدف السلام مع إسرائيل.
ويرى يعاري أن هناك محور لا ينتظر رحيل أبو مازن، وأنه بدأ تحضيراته لمعركة الوراثة، وهذا المحور هو محور مروان البرغوثي، الذي يسعى الى الإمساك بالحكم بعد أبو مازن، ويؤمن بأن المستقبل له، ومحوره في الخارج الذي يضم قدورة فارس وآخرين، يعمل من أجل ذلك. كما أن البرغوثي ومن زنزانته يحاول إرسال الرسائل الى بعض الجهات، كما فعل عندما نشر في شهر نيسان الماضي مقالا دعا فيه الى شكل جديد من أشكال الانتفاضة، مشيرا الى أن أي تحرك شعبي لا يمكن أن ينجح دون توافق بين فتح وحماس، داعيا الى إلغاء دور السلطة كوسيط بين المواطن الفلسطيني وسلطة الاحتلال، ومحذرا من إضاعة طاقة الشبان الفلسطينيين، كما هو الحال في موجة العنف الراهنة، كما دعا البرغوثي في مقاله، الى تحضير الشبان للمواجهة المقبلة مع اسرائيل. ويستبعد يعاري أن يتمكن محور البرغوثي من تحقيق ما يسعى اليه ويتمناه، خاصة وأن الحكومات الاسرائيلية وبشكل خاص الحكومة الراهنة برئاسة نتنياهو ترفض بشدة أي تلميح عن إمكانية الإفراج عن البرغوثي. ويرى يعاري، أن البرغوثي ليس لديه شعبية كبيرة في أوساط الفلسطينيين، خاصة وأن البعض يربطه بأحداث الانتفاضة الثانية التي يعتبرها عدد كبير من الفلسطينيين، بانها خطأ فادح، وانها تسببت في اعادة الجيش الاسرائيلي الى مراكز المدن الفلسطينية، وهنا بالامكان الاشارة الى المعطيات التي تحدثت بأن معظم المشاركين في موجة العنف الاخيرة، كانوا من الجيل الذي لا يذكر الانتفاضة الثانية.
     وحسب يعاري، فان من بين المرشحين لخلافة عباس في المرحلة القادمة، القيادي الفتحاوي محمد دحلان، الذي يرى يعاري بأن لديه بعض الحضور في المخيمات الفلسطينية في الضفة الغربية، ويقوم بضخ المال لمناصريه في الضفة وغزة، ونشاط دحلان في الساحة الفلسطينية يتم برعاية وتمويل من ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد. ويقول يعاري: "من المستبعد أن يكون دحلان الوريث لحكم عباس في الضفة، لكن بإمكانه أن يكون شريكا في الحكم القادم، وهو يعمل على الاتصال مع المسؤولين في الدول العربية، وبشكل خاص في مصر، الاردن، المغرب والدول العربية المعتدلة، ويقوم بتسويق نفسه، لكنه لم ينجح حتى اللحظة في تحقيق ما يسعى اليه، وهناك أيضا تحالفات ومحاور اخرى، على سبيل المثال محور الرجوب ومحور الطيراوي.
     ويتفق يعاري مع الرأي الذي يقول، بأن الحكم القادم في الساحة الفلسطينية، هو حكم جماعي، لكن "حجر الزاوية" في الحكم القادم في السلطة الفلسطينية، هو ماجد فرج، مدير المخابرات الفلسطينية، الذي يعتبر من أبرز الشخصيات في المنظومة الأمنية الفلسطينية، كما ينشط فرج في القنوات السياسية، ويقوم بنقل الرسائل من عباس الى الأمريكان والإسرائيليين، وبأن شهية فرج باتت مفتوحة للتأثير في مسألة من سيخلف أبو مازن، كما ينظر من حوله ويقول: لماذا لا أتولى أنا الرئاسة بعد عباس؟!!. ويرى يعاري أن الأجهزة الأمنية الفلسطينية سيكون لها دور مهم في رسم شكل الحكم القادم في الضفة، كما أن جهود تطوير هذه الأجهزة مازال يتواصل وبشكل يومي من قبل الولايات المتحدة. لكن يبقى الرهان ــ حسب يعاري ــ في مرحلة ما بعد عباس، على محور جماعي يقود السلطة الفلسطينية بشكل مؤقت.

     البروفيسور أسعد غانم، الباحث في المجتمع الفلسطيني، والمحاضر في جامعة حيفا، يرى أن الأطراف المستفيدة من استمرار الوضع القائم الذي كرسه عباس طوال السنوات الماضية منذ تسلمه الحكم، وذلك للمجيء بشخص مشابه له. فالسلطة وإستمراريتها تعتبر مصلحة اسرائيلية من الدرجة الأولى، ولذلك لن تنهار السلطة أو تسقط، وهي أيضا مصلحة لكبار الشخصيات الفلسطينية، كما أن السلطة الفلسطينية باتت اليوم مصلحة وحليف مركزي وأساسي لحكم اليمين في اسرائيل، وسيحرص اليمين على بقاء هذا الكيان الفلسطيني، بالضبط كما كانت السلطة حليفا لليسار في إسرائيل. ويضيف غانم، أن السلطة ستبقى قائمة ما دام نتنياهو ومن يتبع خطاه موجودا في الحكم، ويتوقع غانم، أن يستمر حكم اليمين وحكم نتنياهو لسنوات طويلة. وحول اتفاقية أوسلو، يرى غانم أن السلطة الفلسطينية باتت اليوم مصلحة إسرائيلية.
     ولا يتوقع غانم أن تكون هناك مصالحة بين فتح وحماس، أو تنازل حمساوي عن الحكم في القطاع، ويرى غانم أن غياب "نقطة التقاء" بين الحركتين لتقاسم "كعكة" الحكم، هو ما يمنع المصالحة في الساحة الفلسطينية. ويضيف: ".. لن يكون هناك حكم فلسطيني موحد وصوت فلسطيني واحد، على الأقل للعشر سنوات القادمة، وأعتقد أن نتنياهو على حق عندما يقول بأنه لا يوجد شخص يمثل غالبية الفلسطينيين يمكن أن يدير مفاوضات معه". 
     وحول مستقبل حل الدولتين، يرى غانم أن لا مستقبل لهذه الرؤية، لأن الواقع على الأرض يمنع تحقيق هذا الحل، كما أن سيطرة اليمين على الحكم ستتواصل ومن المستبعد أن نرى حكومة يسارية في الحكم على الاقل لعشرين عاما قادمة، فالتغيرات الحاصلة في المجتمع الإسرائيلي هي لصالح الليكود، الذي بات الحزب الذي يمثل أغلبية المجتمع الإسرائيلي. وتطرق غانم الى تصريحات نتنياهو ويعلون بشأن حل الدولتين، قائلا بأن هذه التصريحات ليست صادقة، فالإجراءات التي تقوم بها حكومته على الأرض تهدف بالأساس للوصول الى واقع يستحيل معه تطبيق حل الدولتين.
     ويتهم غانم الرئيس عباس بالفشل في تحقيق حلم الدولة الفلسطينية، ويعتبر جولاته الخارجية في دول العالم، هروبا من مواجهة هذه الحقيقة، مشيرا الى وجود تحول داخل الحركة الوطنية الفلسطينية، وحالة من الجدل الواسع داخل أوساط مهمة في المجتمع الفلسطيني، حول كيفية تأسيس حياة مشتركة مع اليهود بعد أن وصل حل الدولتين الى طريق مسدود.
    الجنرال ايتان دانجوت، المنسق السابق لأعمال الحكومة الاسرائيلية في المناطق الفلسطينية يدعي الجنرال دانجوت أن الصراع على وراثة وخلافة أبو مازن، قد بدأ بالفعل حتى قبل رحيل عباس فعليا، مؤكدا على أهمية استغلال وجود عباس في المشهد الفلسطيني، من أجل انتقال باقل الخسائر والمخاطر للسلطة في اليوم الذي يغيب فيه ابو مازن عن الساحة. ويعترف دانجوت باستحالة ضمان عدم حدوث مفاجآت في حال غياب ابو مازن، داعيا الى الأخذ بالحسبان موقف الشارع الفلسطيني، مشيرا الى وجود 2.5 مليون شخص في الضفة الغربية، سيكون لهم تأثير كبير على موضوع خلافة عباس، وأن الشارع الفلسطيني يمكنه أن يتحرك وبأعداد كبيرة كما حصل في احتجاجات المعلمين. ويحذر دانجوت من أن أي تحرك شعبي ضد السلطة قد ينقلب أيضا ضد اسرائيل، خاصة وأن الجيش الإسرائيلي موجود في المناطق الفلسطينية، ويعمل يوميا على توفير الأمن للمستوطنين، مشيرا الى أن قوة الردع التي حققتها اسرائيل في أعقاب الانتفاضة الثانية، ليست فعالة على الجيل الفلسطيني الجديد الذي لا يذكر الانتفاضة الثانية، والذي يعتبر المشارك الأبرز في موجة العنف الأخيرة، داعيا الى أهمية الأخذ بموقف الشارع الفلسطيني وعدم الاستهتار بقدرته، سواء من جانب اسرائيل أو من جانب قيادة السلطة وعلى رأسها محمود عباس.
     ويرى دانجوت بالعامل الاقتصادي، عامل مهم لدعم الأمن ولجم أي انزلاق نحو العنف، داعيا الجهات المسؤولة في اسرائيل الى مراقبة ما يحدث في المناطق الفلسطينية بهدوء وصمت، وعدم الظهور في واجهة صراع الوراثة، لأن ذلك سيكون له ارتدادات سلبية خطيرة، ويمكن التأثير على هذا الصراع من خلال الاستعانة بمصر، الأردن والدول العربية المعتدلة، التي بإمكانها أن تلعب دورا مهما في تقوية الشارع الفلسطيني والتأثير على شكل الحكم بعد أبو مازن، وطريقة توزيع صلاحيات عباس، خاصة وان الأخير يستمع لهم ويطيعهم، وبالطبع سيكون هناك دور للولايات المتحدة في رسم مرحلة ما بعد أبو مازن. ويضيف دانجوت: ".. هناك أهمية كبيرة للحفاظ على العلاقات الشخصية بين المؤسسة الاسرائيلية والشخصيات الفلسطينية المرشحة لخلافة عباس، كما يجب العمل على تقوية بعض العناصر داخل المناطق الفلسطينية، بالإضافة الى دعم الاقتصاد الفلسطيني، وفتح الباب أمام تطور ونمو هذا الاقتصاد، وهناك أهمية أيضا للقطاع الخاص، الذي يمتلك تأثيرا كبيرا على الوضع الفلسطيني الداخلي، سواء في الضفة أو في القطاع.
     ويتابع دانجوت: ".. هناك العديد من الأسماء في بورصة الأسماء المرشحة لما بعد أبو مازن، والحكم القادم سيكون حكما انتقاليا مؤقتا، والبرغوثي من الأسماء المطروحة ولديه رمزية في الشارع الفلسطيني كونه معتقلا في السجون الإسرائيلية، والبرغوثي من الأشخاص الذين يمكنهم المساهمة في التقارب بين حماس وفتح، لكن هناك من يعتقد في الجانب الفلسطيني أن قوة البرغوثي تنبع من رمزيته كمعتقل داخل السجون، وأن مكانته ستتراجع في حال تم الإفراج عنه، في ضوء الصراعات الداخلية والتصادمات بين الفرقاء داخل فتح. ومن الأسماء المرشحة أيضا صائب عريقات، الذي اعتقد أنه سيرافقنا في الفترة المقبلة، كونه يمتلك كما هائلا من المعلومات والمعرفة، وسيحافظ على مكانة له في المشهد الفلسطيني المقبل، ويسعى عريقات الى الانضمام لأحد المحاور حتى يضمن له موقعا في الخارطة السياسية القادمة..". ويضيف دانجوت: ".. هناك أيضا اللواء ماجد فرج، الذي عقدت معه لقاءات عمل لساعات طويلة، وهو شخص لديه القدرة على تمثيل المصالح الفلسطينية، وسيكون له دور مهم في مرحلة ما بعد أبو مازن. أما الدحلان فسيضطر للجوء الى أحد المحاور التي ستتصارع للفوز بحرب الوراثة، لكن يجب الإشارة الى حقيقة مهمة، وهي أن محمد دحلان فشل في إثبات نفسه وقدرته على الصمود في وجه حماس في قطاع غزة، ولم ينجح في إثبات نفسه أمام إسرائيل أو أمام الشارع الفلسطيني، علما أن لديه اليوم بؤر سيطرة وتاثير في الضفة الغربية، وكونه من قطاع غزة، سيجعله عامل مضاف وليس عامل أساس. وقد يكون هناك دور ما للقادة القدامى، كأحمد قريع "أبو علاء"، وأيضا هناك سلام فياض الذي يعتبر شخص عملي ومهني، كان له هدف سعى الى تحقيقه، لكنه لم يستكمله، وهو شخصية "توازنية" يمكن أن تضيف الكثير لأي من المحاور التي ستسعى للسيطرة على المشهد الفلسطيني بعد أبو مازن، وسيكون مقبولا على العديد من الأطراف.
     واختتم دانجوت: ".. الحرب على الوراثة بدأت بالفعل، ويجب على اسرائيل مراقبة الأمور عن كثب عبر متابعة استخباراتية دقيقة حتى لا نفاجئ بسيناريو غير مفضل بالنسبة لنا، ويجب العمل على تقوية الأمن الداخلي في السلطة وأيضا تقوية المؤسسات الفلسطينية والاستعانة بالتطورات والتحالفات في الاقليم للحيلولة دون وقوع الفوضى، ويجب ترتيب الأوضاع بعد أبو مازن في ظل وجود أبو مازن، ويجب التوضيح له بأنه ليس لاعبا وحيدا في الساحة، وأن هناك ضرورة لتعاونه لضمان استقرار المشهد الفلسطيني من بعده".

     أما البرافيسور أفرايم عنبر، رئيس مركز "بيجين سادات"، فيرى بدوره أن الفلسطينيين رفضوا الأخذ بالعديد من العروض والمقترحات السخية التي عرضتها عليهم اسرائيل، وأضاف: ".. في ربيع 2014 اختار الجانب الفلسطيني الهروب من عملية السلام التي أدارها جون كيري، ورفضوا قبول ورقة العروض التي تقدم بها وزير الخارجية الامريكي والتي قبلت بها اسرائيل مع بعض التحفظات، واعتقد أن من غير الممكن التوصل الى اتفاق سلام مع الفلسطينيين، ولا توجد فرصة للحركتين الوطنيتين الاسرائيلية والفلسطينية التوصل الى تفاهمات بينهما، وهذا يعني أن الصراع سيتواصل لعشرين عاما قادمة على الأقل، ولن تقام دولة فلسطينية لأن الفلسطينيين غير قادرين على اقامة دولة لهم، كما لا يوجد خط فلسطيني موحد ومتجانس، كما أن الحركتين الوطنيتين الإسرائيلية والفلسطينية لديهما مبادئ وقضايا أكثر أهمية من السلام، كقضية القدس، الأمن واللاجئين، لذلك لا يوجد فرصة في الفترة القريبة على الأقل للتوصل الى تفاهم وتوافق بين الجانبين، والجمهور في اسرائيل يدرك حقيقة عدم وجود شريك فلسطيني".
     ويوصف البروفيسور عنبر العلاقة الحالية بين اسرائيل والفلسطينيين على انها : ".. مسعى لإدارة الصراع وتقليص المخاطر وكسب الوقت، على أمل أن تنجح اسرائيل في فرض حقائق على الأرض وأن يخفض الفلسطينيون من مستوى مطالبهم". وعن السياسة الاسرائيلية اتجاه الفلسطينيين، يضيف البروفيسور عنبر: ".. تقوم السياسة الاسرائيلية اتجاه الفلسطينيين على سياسة العصا والجزرة، وقد تحدث الجنرال دانجوت عن (الجزرة)، عندما تحدث عن أهمية دعم الاقتصاد الفلسطيني،  فنتنياهو وفي أكثر من مناسبة دعا الى سلام اقتصادي، فاسرائيل ليست بحاجة الى (جيران جوعى) ، أما (العصا) فهي مواصلة الحرب دون هوادة ضد المخربين، في الضفة الغربية وقطاع غزة..". ويطرح البروفيسور عنبر تساؤلا بشان السلطة الفلسطينية ومصيرها، فيقول: ".. هل نحن بحاجة الى الحفاظ على السلطة الفلسطينية، أم العمل على تفكيكها؟!! موقف الجيش الاسرائيلي والأجهزة الأمنية واضح، وهو ضرورة الحفاظ على تماسك السلطة ومنع انهيارها، لكن من غير المستبعد أن تتسبب حرب وراثة عباس في انهيار السلطة الفلسطينية"..
الجنرال جرشون هكوهين، الباحث في مركز بيجين ـ سادات، دعا الى ضرورة التخلي عن رؤية حل الدولتين، مشيرا الى أنه من الناحية العسكرية والأمنية، تشكل رؤية حل الدولتين خطرا على أمن اسرائيل، وأن نتنياهو وليبرمان يدركان هذه الحقيقة، مستبعدا أن يكون حديث نتنياهو وليبرمان عن حل الدولتين، نابع من قناعات حقيقية للرجلين. ويضيف هكوهين: ".. كذبة حل الدولتين باتت من الماضي ويجب أن يتم استبدالها بكذبة وفقاعة أخرى، لانها استنفذت، ويجب التأكيد هنا أن على اسرائيل عدم ايهام نفسها بأنها قادرة على تكرار انتصاراتها التي حققتها في الماضي، فانتصار 1967، على سبيل المثال، لا يمكن أن يعود على نفسه، كما أن هناك أهمية كبيرة لوجود المستوطنين في يهودا والسامرة، لأن السيطرة على التلال الاستراتيجية وعلى المناطق المهمة من الناحية الأمنية، لا يمكن أن تتحقق دون وجود المستوطنات التي تشكل أيضا نقاط وقواعد انطلاق للجيش". كما يدعو الجنرال هكوهين الى ضرورة ضمان استمرار الانقسام بين الضفة الغربية وقطاع غزة، لما يحققه ذلك من مصالح مهمة لاسرائيل.
أما الجلسة الختامية فتضمنت كلمتين لوزير شؤون القدس في حكومة نتنياهو، زئيف الكين، وعضو الكنيست عن المعسكر الصهيوني، عمير بيرتس.
     الوزير الكين استهل حديثه بالتأكيد على أهمية وخطورة موضوع النقاش، مشيرا الى أنه يعتبر تحد حقيقي للحكومة الاسرائيلية، التي ستضطر للتعامل معه في القريب العاجل، مما يفرض على الجهات المعنية الاستعداد والتحضير لذلك، معربا عن انزعاجه من عدم منح هذا الموضوع الأهمية التي تستحقه في النقاشات التي تجريها الحكومة والجهات المعنية في اسرائيل، سواء في الغرف المغلقة أو حتى بشكل علني أو على المستوى البحثي والأكاديمي.
     ويقول الكين أن هناك العديد من الجهات تدعم الانتقال الهادئ للسلطة بعد رحيل عباس، ومن بين تلك الجهات اسرائيل والولايات المتحدة، فالبعض في اسرائيل يعتبر بقاء السلطة مصلحة اسرائيلية ـ وهو ما يعارضه الكين ـ وأن إسرائيل بإمكانها ترتيب الأوضاع بعد عباس، لكن تجربة اسرائيل في رسم المستقبل في الساحات المجاورة، هي تجارب غير مشرقة، مما يستدعي التعامل بحذر مع هذا الامر.  ويرى الكين أن بعض القوى ستحاول أن تضمن انتقال سلس للحكم في السلطة، لكن لا أحد يستطيع ضمان هذا الانتقال الهادىء. ويضيف الكين: ".. لقد حرص عباس على التخلص من أي بديل ممكن من حوله، وهو ما تحدث عنه بوضوح ايهود يعاري، والبعض يتحدث عن اقامة حكم ثلاثي بعد رحيل عباس، يتضمن رئيسا للسلطة وآخر لفتح وثالث للمنظمة، لكن السؤال المطروح، هل يمكن لهذه القيادات أن تعمل معا بسلام وكم من الوقت ستصمد هذه القيادة الثلاثية، وماذا سيمنع حدوث تصادم بينهم، لكن الكين لا يستبعد،  حدوث تعاون بين محاور وشخصيات مختلفة للفوز بالحكم بعد عباس. ويشير الكين الى أن موضوع مستقبل السلطة بعد عباس، يتم طرحه في الاتصالات واللقاءات مع الزائرين الاجانب، أما عباس فيرفض أي حديث في هذا الموضوع ويرفض تعيين نائب له، لأنه يدرك أن ذلك يعني انهيار حكمه. ويعتبر الكين ان الاختبار الحقيقي في مرحلة ما بعد عباس، هو من سيتولى قيادة حركة فتح، التي يعتبرها حصان ثائر من الصعب ترويضه والسيطرة عليه. ويقول الكين من بين الامور المطروحة أن يكون هناك رئيس وزراء قوي يعمل في ظل محمود عباس، غير أن الاخير رفض ذلك، كما لا يمكن أن يكون رئيس الوزراء الحالي رامي الحمد الله، هو الخيار. ويدرك عباس ان تعيين رئيس وزراء قوي يعني أن يتحول بعد فترة قصيرة الى نائب للرئيس، وعندها ستكون الطريق قصيرة ومفتوحة لاستبداله. 
     الوزير الكين على قناعة بأن الأمور في الساحة الفلسطينية أكثر تعقيدا مما يعتقد البعض، وأن بعض الأسماء التي تطرح بين الحين والاخر، ليس لديها قوة حقيقية على الارض, ولا يستبعد الكين أن يتم توزيع السلطة على اساس مناطقي. وتحدث الكين عن وجود العديد من التحديات في المرحلة القادمة، من بينها، التحدي الامني بالنسبة للمستوطنين، في حال اندلاع فوضى، مما يستوجب الاستعداد أمنيا لمثل هذا السيناريو، وحقيقة أن العديد من الدول والاطراف ستقدم رعايتها لهذا الطرف أو ذاك مما سيزيد من حدة التصادم بين القوى المتصارعة. ولا يستبعد أن تضطر اسرائيل للعمل مع اطراف عديدة وشخصيات مناطقية مسيطرة، ومن غير المعروف أيضا ماذا سيكون مصير أموال الدول المانحة واذا ما كانت ستقيم آلية خاصة لتوزيع الاموال، وتحدي آخر هو من سيتحدث باسم الشعب الفلسطيني في حال انهارت الأوضاع وانهارت منظمة التحرير، وهل ستدعي حماس بأنها الجهة التي ستمثل الفلسطينيين. والتحدي الاخر الذي تحدث عنه الكين، هو موقف الشارع الفلسطيني وبالتحديد الشبان من كل ما يحدث بالنسبة لموضوع الوراثة. واختتم الكين كلمته بالتأكيد على عدم امتلاكه أية اجابات بشأن شكل السيناريو القادم بعد عباس، مؤكدا أن هذا الموضوع يعتبر من من بين أهم التحديات التي تواجه اسرائيل في المرحلة القادمة.
     واختتمت الندوة، بكلمة القاها عضو الكنيست عن المعسكر الصهيوني، عضو الكنيست عمير بيرتس، الذي أكد أهمية التشاور بشأن مستقبل السلطة بعد عباس، مشددا على ضرورة عدم التدخل في تحديد هوية من سيحل مكان أبو مازن. ويقول بيرتس أن غياب ابو مازن سيتسبب في هزات ارضية، غير أن ارتدادتها وقوتها لن تكون واضحة.