2024-05-11 12:34 م

ما تبعات خطة الضم الإسرائيلية في ظل تنافس القوى العظمى؟

2020-06-17
عقدت إسرائيل العزم على ضم نحو 30% من مساحة الضفة الغربية المحتلة لسيادتها، خلال شهر يوليو (تموز) المقبل، ولن تشمل هذه العملية المصادقة على إقامة دولة فلسطينية، بحسب تصريحات سابقة لرئيس وزراء دولة الاحتلال، بنيامين نتنياهو.

وخطة الضم الإسرائيلية لمنطقة غور الأردن والمستوطنات في الضفة الغربية المحتلة، إنما تشكل تحديًا فريدًا للتحالفات الجيوسياسية. وبينما تتبنى واشنطن استراتيجية أكثر حزمًا تجاه الصين، أصبح الضم لغزًا سياسيًّا ينطوي على مخاطر مرتفعة.

هذا ما خلُصَ إليه خبيرٌ إسرائيليٌّ ظل طيلة مسيرته المهنية يركز على قضايا الأمن والاستخبارات، وصياغة السياسات والاستراتيجيات المتعلقة بالإرهاب العالمي، هو: إيال تسير كوهين، الذي عمل لمدة 30 عامًا في مناصب عليا مختلفة داخل الحكومة الإسرائيلية، من بينها مكتب رئيس الوزراء.

يقول كوهين في تحليلٍ نشره مركز بروكنجز: لسنوات، ظلت الحكومة الأمريكية تنصح إسرائيل وحلفاءها الآخرين باتخاذ موقف أكثر صرامة بشأن الاستثمارات الصينية. وكانت هذه هي القضية الرئيسية التي أثيرت خلال زيارة وزير الخارجية مايك بومبيو إلى القدس في خضم أزمة كوفيد-19 في شهر مايو (أيار).

وحذر بومبيو من تعزيز العلاقات الاقتصادية مع الصين، خاصة فيما يتعلق بالعرض الصيني التنافسيّ لبناء أكبر محطة تحلية في العالم بالقرب من قاعدة عسكرية إسرائيلية.

وبينما كانت وزارة الدفاع (الإسرائيلية) حذرة للغاية عند التعامل مع الصين، كانت الوكالات الحكومية الإسرائيلية الأخرى، بما في ذلك وزارات الاقتصاد والزراعة والنقل والطاقة – التي تشرف على مشروعات ذات صلة، مثل: تحلية المياه – أقل حساسية حيال التهديدات المحتملة التي قد تأتي مع الشركات الصينية.

الخلافات الأمريكية – الصينية تضعف ورقة النفوذ الإسرائيلية

في نهاية المطاف، رفضت إسرائيل العرض، ولكن كوهين يشدد على استمرار ضرورة الابتعاد الوطني عن بكين، على الرغم من أن العلاقات الثنائية مع الصين صيغت بدقة لمواجهة تحديات على غرار خطة الضم.

عمل رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بجد لبناء علاقات دبلوماسية واقتصادية مع لاعبين عالميين رئيسيين آخرين؛ حتى يتوفَّر لإسرائيل من التأثير ما يُمَكِّنها من تخفيف الضغوط السياسية غير المرغوب فيها، أو التغلُّب عليها، سواء صدرت من الولايات المتحدة و/ أو أوروبا.

ولكن الآن، بعد أن جعل الرئيس ترامب الصين قضية رئيسية في العلاقات الثنائية الأمريكية، ضعُفَ هذا التأثير، بحسب كوهين، وهو حاليًا زميل زائر في مركز سياسة الشرق الأوسط التابع لمركز بروكنجز.
موقع الصين على خريطة استراتيجية نتنياهو الكبرى

يلفت التحليل إلى أن الصين أصبحت الآن ثاني أكبر شريك تجاري لإسرائيل – بعد الولايات المتحدة –  إذ بلغ حجم التجارة الثنائية بين البلدين 14 مليار دولار سنويًّا، وهو ما يمثل حوالي 10 إلى 15% من الاقتصاد الإسرائيلي.

ووفقًا لبيانات إدارة التجارة الخارجية الإسرائيلية، ارتفعت الصادرات الإسرائيلية إلى الصين بنسبة 402% على مدى السنوات العشر الماضية، فيما تتجه 22% من إجمالي الصادرات الإسرائيلية حاليًا إلى آسيا.

وكانت تنمية العلاقات مع الصين أحد العناصر المهمة في استراتيجية نتنياهو الكبرى؛ لاكتساب المرونة الوطنية من خلال القوة الاقتصادية والسياسية والعسكرية.

ويستشهد الباحث بأحداث عام 2013، حين تدخل نتنياهو في قضية تمويل إرهاب رفيعة المستوى ضد الصين؛ لتجنب تعريض العلاقات المزدهرة للخطر، وبادر بزيارته التاريخية إلى الصين في ذلك العام.

علاقات دبلوماسية واقتصادية متعددة الجوانب

بالنسبة لإسرائيل، كانت جاذبية العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية المتنامية مع ثاني أكبر اقتصاد في العالم متعددة الجوانب. فبينما شهدت إسرائيل الركود النسبي يضرب الاقتصادات الأوروبية في السنوات الأخيرة، كانت تتطلع إلى الشرق لتنويع أسواقها. وقدمت الصين فرصة رئيسية لتوسيع صادرات هذه الدولة الصغيرة، والتنمية القائمة على الاستثمار.

وفي مقابل الوصول إلى سوق الاستيراد الصيني الذي تبلغ قيمته تريليونَيْ دولار، فإن الصين تصل وتستثمر مليارات الدولارات فيما يسمى بالتقنيات المدنية «للدولة الناشئة».

كما تحمي العلاقات التجارية الصينية الاقتصاد الإسرائيلي من التحديات الدبلوماسية التي قد تُحدق بها من ناحية الغرب.

وتوسعت العلاقات الثنائية الإسرائيلية- الصينية إلى حد كبير في عامَيْ 2013 و2014 مع تدشين اللجنة الإسرائيلية- الصينية المشتركة للتعاون في مجال الابتكار، بقيادة رئيس الوزراء نتنياهو شخصيًّا.

التهديد المحدق بإسرائيل من ناحية الغرب أصبح أكثر واقعية

في ذلك الوقت، كانت العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل فاترة، بسبب سعي الرئيس أوباما لإبرام الاتفاق النووي الإيراني.

وفي أوروبا، كان الدبلوماسيون يحمِّلون إسرائيل وحدها المسؤولية عن ركود عملية السلام في الشرق الأوسط.

وأصبحت بروكسل، تحت ضغط من حملة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، ساحة دبلوماسية صعبة مع وجود تهديد بالمقاطعة السياسية.

يقول التحليل: هذا التهديد أصبح الآن أكثر واقعية من أي وقت مضى. وبينما تفكر الحكومة الإسرائيلية الجديدة في إحداث تحوُّل تاريخي في نهجها تجاه الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، من خلال ضم أراضٍ في الضفة الغربية رسميًّا، فإنها تواجه أيضًا احتمالية التعرض لضغوط شديدة أو عقوبة من الحكومات الأوروبية التي تعارض هذه الخطوة.

وحذر مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل، من أن الخطوات التي تتخذها إسرائيل لبسط سيادتها على أجزاء من الضفة الغربية «إذا نُفِّذَت، لا يمكن أن تمُرّ دون اعتراض».

في الواقع، سافر وزير الخارجية الألماني هايكو ماس إلى إسرائيل هذا الأسبوع للتحذير مرة أخرى من مثل هذه العواقب.

الدول الأوروبية المعترضة على خطة الضم.. كيف يمكن أن تعاقب إسرائيل؟

ولردع إسرائيل عن الإقدام على خطوة الضم؛ هدد أعضاء بارزون في الاتحاد الأوروبي – بما في ذلك فرنسا وبلجيكا وإسبانيا والسويد ولوكسمبورج وأيرلندا – في الآونة الأخيرة بفرض عقوبات على إسرائيل، وحتى تعليق العلاقات الدبلوماسية معها.

وتتضمن الإجراءات التي ناقشتها الكتلة: الاستبعاد من الصفقات التجارية، والمنح، وبرنامج إراسموس بلس Erasmus Plus للتبادل الطلابي، وغيرها من المشروعات البحثية والأكاديمية المهمة مثل مبادرة «أفق أوروبا Horizon Europe» للبحث العلمي، وهي خطة طموحة طرحها الاتحاد الأوروبي بقيمة 100 مليار يورو.

وتدعو السويد وأيرلندا ولوكسمبورج إلى اتخاذ الإجراء الأكثر صرامة: تعليق اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل. ويمكن للاتحاد الأوروبي أيضًا رفض اتفاقية الأجواء المفتوحة مع إسرائيل، التي لم يصدق عليها بعد.

مخاطر وجود البنية التحتية الحيوية الإسرائيلية في يد الصين

واستبعاد إسرائيل من هذه المبادرات لا يتطلب إجماعًا بين الأعضاء. ولا تستطيع الدول التي تدعم إسرائيل عادة في جلسات التصويت، مثل المجر وجمهورية التشيك والنمسا، عرقلة مثل هذه الإجراءات. وستكون هذه الإجراءات ضربة قوية لإسرائيل، خاصة وأن كتلة الاتحاد الأوروبي هي أكبر شريك تجاري لإسرائيل.

في هذه الأثناء، وبعد سنوات من مغازلة بكين، استيقظت إسرائيل أخيرًا على المخاطر المحتملة لوجود بنيتها التحتية الحيوية – مثل الموانئ والسكك الحديدية- في أيدي الصين.

وتدرك إسرائيل أنه لا توجد علاقات تجارية بحتة مع الشركات الصينية؛ لأن الحزب الشيوعي الصيني يسيطر في النهاية على الشركات. شاهدت إسرائيل بعيون مشدوهة كيف ساعد مشروع البنية التحتية الصيني في ميناء جيبوتي في الوصول إلى قاعدة بحرية، على الرغم من أن وجود قوات برية صينية على أرض تلك البقعة الاستراتيجية من المنطقة، لم يكن من الممكن التفكير فيه قبل 10 سنوات.

ما الثمن الذي ستدفعه إسرائيل برفضها للمشروعات الصينية؟

تراجعت إسرائيل عن عرض الصين لتحلية المياه، والمبادرات الصينية المفترضة الأخرى؛ بسبب هذه الصحوة إلى جانب الضغوط الأمريكية. لكن سيكون لذلك ثمن، بحسب الباحث.

ذلك أن رفض المشروعات الصينية لن يعني فقط اختيار شركات أخرى أكثر تكلفة، ولكنه سيجهد أيضًا العلاقات الإسرائيلية- الصينية. ويمكن أن تخفض الصين الاستثمارات في قطاع التكنولوجيا الفائقة في إسرائيل، أو تعطل مشروعاتها القائمة هناك.

ويمكن أن تَجْبُر إسرائيل هذا الضعف بتعزيز تجارتها مع الولايات المتحدة، من خلال جهود على غرار  مجموعة عمل تكنولوجيا العمليات الأمريكية– الإسرائيلية. لكن هذا وحده لن يعوضها عن الأعمال التجارية الضائعة مع الصين والاتحاد الأوروبي.

إسرائيل ليست هي التي فتحت الباب للصين.. بل أمريكا

ولم يكن نتنياهو بالطبع هو الزعيم الوحيد الذي وقَّع على صفقات تجارية مع الصين. بل كان الرئيس كلينتون هو الذي قَبِل انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2001.

وكما كتب المؤرخ الأمريكي ميخائيل ليند، فإن الشركات الأمريكية ظلت لسنوات «تسعى إلى إثراء نفسها عن طريق بيع أو تأجير أغلى ما تملكه أمريكا – الملكية الفكرية، والقدرة على التصنيع، والعقارات الراقية، وحتى الموارد الجامعية- لنخبة دولة أخرى (الصين).

بعبارةٍ أخرى، حتى وقت قريب نسبيًّا، كان القادة الأمريكيون من كلا الحزبين يؤمنون بأن الولايات المتحدة يمكنها استخدام الهيمنة الأمريكية العالمية لتشجيع الصين على الاندماج السلمي في إطار المعايير والمؤسسات التي تقودها الولايات المتحدة.

السياسة العالمية تجاوزت عصر الهيمنة الأمريكية

لكن السياسة العالمية تجاوزت عصر الهيمنة الأمريكية، وها نحن اليوم نرى عودة المنافسة العالمية بين القوى العظمى. كما اتخذت الصين نهجًا أكثر عدوانية على الصعيد الدولي، بما في ذلك تجاه الولايات المتحدة.

والآن بعد أن تغيَّر الإجماع، تغيرت بالتبعية حسابات إسرائيل حول مجموعة من القضايا الأمنية والاقتصادية. والضم أولها. وإذا استمرت إسرائيل في خطة الضم الآن، فقد يعاني اقتصادها في ظل العلاقات السياسية والاقتصادية الضعيفة بالفعل مع الاتحاد الأوروبي.

يزيد الطين بلة أن ذلك سيحدث بموازاة نأي إسرائيل بنفسها عن شبكة الأمان الاقتصادي التي توفرها بكين. وبهذه الطريقة، يمكن أن يؤدي الضم إلى تعريض قوة إسرائيل الاقتصادية للخطر في عصر العدوان الصيني، والجائحة، والأزمة الاقتصادية، والتحالفات المتصدعة.

يختم كوهين تحليله المنشور في مركز بروكنجز بالقول: يجب على الإسرائيليين الآن مناقشة ما إذا كانت الفوائد المترتبة على هذه الخطوة تستحق المخاطر التي ستجلبها.
(المصدر: ساسة بوست)