2024-05-19 10:44 م

الأردن والمرحلة.. والهوية والمصير

بقلم: فؤاد البطاينة
لمن لا يعلم في هذا النظام، ولكل وطني أو منتمي لتراب الأردن ولعروبته وكيانه السياسي، أن يعلم بأن التغني بالأردن الدولة والوطن، وضجيج الإنتماء، وصداع الحديث بهوية الدولة وهوية مواطنها، والتنازع على حمل جنسيتها، كله كلام خواء وهراء موجه بعيدا عن قراءة الواقع والتاريخ وما يجري في هذا البلد. فالصهيونية وأدواتها يقفون خلف هذا المشهد المنطوي على خداع سياسي كبير يرقى للخيانة والتآمر. مشهد يتكرر للفتنة وحرف الأنظار عن دولة يجري استهلاكها بالإستخدام وقضمها وهضمها بصمت وسلاسة أمام أعين ترفض أن ترى.
لن تكون صحوة أردنية رسمية أو شعبية أو نخبوية على هذا الحاضر الهزء والملغم، ولا صحوة على اللّا مستقبل لأحد على هذه الأرض (بعرفهم ) من أردني أو فلسطيني أو عربي، ولا بداية أو اتجاه صحيح لأي عمل سياسي وطني شعبي أو إصلاحي على المستوى الرسمي، ما لم يتشكل وعينا على حقيقة أن الأردن يتعرض لهجمة صهيونية – أمريكية مباشرة منذ عقدين، نالت وتنال من سيادته ومن قراره الوطني، ووصلت لكل مرفق أردني رسمي وشعبي ونخرته، وأعادت الأردن لمستعمرة غير معلنة ووديعة بلفورية تحت الوصاية. وهذا بعد أن اعتقدنا بأن الملك الحسين الراحل قد أخرج الأردن من ذاك الوحل والمصير.
وهذا يعني أن كل المشاكل التي يعاني منها الأردن والأردنيين على اختلافها، والاختلالات في أجهزة الدولة وفشل إدارتها، والصعوبات التي تستعصي على الحل في كل القطاعات، والفساد الرسمي المرعي الذي لم يسمح لمستثمر أردني أو غير اردني بالبقاء في الأردن، وتراكم الديون والتغول على موجودات الضمان، ومبيعات أصول الدولة، واختلال العلاقة ما بين الشعب والنظام أو رأس النظام، كله مرده سياسي ويأتي في إطار متعمد ومخطط له أمريكيا وصهيونياً.
والدلائل فاضحة على أن علاقة النظام الأردني مع الغرب الحليف الاستراتيجي للكيان، لا هي ليست علاقة تحالف ولا صداقة البتة. فعطاء النظام بلا حدود لأمريكا والكيان، ومواقفه واتفاقياته وقراراته في السياستين الخارجية والداخلية تصب في خدمتهم وتتعارض بنفس الوقت مع مصالح الأردن والأردنيين الوطنية والقومية الإستراتيجية. وهذا التعارض ليس من مقتضيات مفهوم الصداقة والتحالف بين دول حرة وذات سيادة، بل هي مقتضى لعلاقة مستعمر لا يرحم بمستعمرته، أو سيد بمسوده. وإلا فكيف نفسر هذا
وكيف لدولة كالأردن تنعم بالأمن والاستقرار في الحكم والسلطة وبسلاسة الحكومات واكتمالية المؤسسات، ومن صادراتها الخبراء والخبرات الفنية، وتنعم بالمساعدات الغربية وبمال الديون والضرائب الظالمة، ومع كل هذا تشهد تراجعا مستمراً على كل الاصعدة والقطاعات. وكيف لأمريكا والغرب والصهيونية أن يسمحوا بفشل دولة كالأردن تقدم لهم وللكيان وبالمجان خدمات استراتيجية مقننة وغير مقننة لا يُقدر ثمنها بمال مهما علا لو كانوا يريدون الخير والبقاء لهذه الدولة بكيانها وشعبها. بل ولماذا لا تسلك أمريكا مع الأردن سلوكاً مختلفاً تحافظ فيه على استقرار البلد وسلامة العلاقة بين الشعب والنظام من خلال مساعدته بحل ولو مشكلة واحدة من مشاكله المستعصية ومشاكل شعبه الغارق في البطالة والفقر وضياع البوصلة. وفي كل هذا دلالات على طبيعة العلاقة بين الاردن وحلفائه.
ولا يمكن أن نرد هذه الطبيعة لغير الحقيقة السياسية والتاريخية التي قامت عليها الدولة، وحكمت بموجبها القيادة الهاشمية. لتؤدي هذه الدولة دوراً في خدمة الغرب والمشروع والصهيوني في فلسطين والمنطقة ومن ثم تُدفع دفعاً للفشل والإرتماء في حضن الكيان كوديعة لوعد بلفور يسوسها بطريقته عن بعد أو قرب. فالدولة يجب أن تكون في المحصلة فاشلة ومفككة ويجري شلها وتغريب شعبها عنها ليمكن أن تلحق بفلسطين ببنية تحتية جديدة من مادية وانسانية على المقاس الصهيو- استعماري وبشعب مدجن على مفهوم أن الأرض ليست له وأن بقاءه عليها لا يكون إلّا قيد العبودية أو الرحيل.
ونأتي للمهم ونقول، لذلك فإن أي مسعى رسمي أو شعبي أو تنظيمي أو حزبي باتجاه حماية هذا البلد بالإصلاح العام الحقيقي أو حتى الاصلاح الجزئي التدريجي لأي مؤسسة أو قطاع من تعليمي وصحي واقتصادي واجتماعي وإلى أخره هو بالعقل والمنطق عمل عبثي وغير جاد أو خداعي يؤدي لتمتين النهج القائم وحماية الخراب والتخريب، ما لم يبدأ هذا العمل الوطني أو ذاك الإصلاح باتجاه التحرير السياسي لهذا البلد، فلا عربة تسير والحصان خلفها. فهناك ارادة سياسية طاغية في الدولة وهي إرادة المستعمر من خلال نهج سياسي مفروض على النظام يتحكم بإدارة وتوجيه كل النهوج في الدولة وقطاعاتها، ليفشلها ويوجهها لتفدي نفسها في خدمة المشروع الصهيوني ومصالح الغرب.
وختاما، نحن على أبواب مرحلة سياسية جديدة وخطيرة على نفس النهج والتموضع السياسي ونفس القاعدة التي تُسَخّرُ فيها السياسة الداخلية وتطوع لخدمة السياسة الخارجية المنبثقة عن ذات النهج، ولكنها مرحلة تقوم لعبتها على استخدام الأحزاب هذه المرة لشرعنة المخرجات السياسية القادمة. والمخاطبة لذلك تكون لكل حزب يدعي الوطنية أو المعارضة وأقول.
أن الأحزاب هي من سمات ومتطلبات الأنظمة الديمقراطية، بينما النظام الأردني هو دكتاتوري اوتوقراطي وصاحب نهج سياسي ثابت، ولا يؤمن بتبادل السلطة. وتعلم أحزابنا بهذا وباستحالة تحقيقها للفكرة الحزبية / وتعلم باستحالة قدرتها على فعل شي تراه صحيحا ولا يروق للنظام، وتعلم بأن وجود الحزب أو حله مرتبط بإرادة النظام أو جهازه، ورهن بالفائدة الديكورية أو الخدمية التي يستفيدها النظام منه، وبمردود وجود الحزب على سياساته. ولذلك لا يوجد أي مبرر أو مصلحة وطنية لبقاء الأحزاب في الأردن لمجرد استخدامها سوى المصالح الشخصية، أو أن للحزب أجندة أيدولوجية أو غير أردنية. وعليه فإن الصدق والشرافة الوطنية تقتضي من أمناء أحزابنا التوقف عن خدمة الدكتاتورية ونهجها بحل أنفسها جماعياً. فبهذا تخلي ذمتها وتعري النظام وتنتصر للديمقراطية وللفكرة الحزبية وللقضية وتنسحب من خدمة الدكتاتورية ومن شرعنة مجلس نواب أقسى من سابقيه.
كاتب عربي اردني