2024-04-26 06:40 م

أسباب التدخل الروسي في سوريا وتداعياته

2015-10-03
معتز حيسو
ثمة أسبابٌ متعددة تكمن وراء التدخل الروسي المباشر في سوريا، بعضها يتعلق بمصالح روسيا الإستراتيجية، وأخرى بأوضاع سوريا والإقليم، نذكر من تلك الأسباب ما يلي:
أولاً: تمكين وجود روسيا العسكري في حوض المتوسط لضمان مصالحها الاقتصادية المتعلقة بالاستثمارات النفطية وأنابيب النفط والغاز، وللحد من هيمنة الولايات المتحدة وحلفائها الدوليين والإقليميين على منطقة الشرق الأوسط. وتحقيق ذلك من الوجهة الروسية يفترض المحافظة على ما تبقى من مؤسسات الدولة الســورية، وإحكام قبضتها على مداخل ومخــارج التحولات الراهنة والمحتــملة، ووضع حــد لتراجع الجيش السوري أمــام المجموعــات الجهــادية. ومن المعلــوم أن خــروج الأوضــاع الميدانية عن الســيطرة، ســوف يســاهم بسقوط سوريا في قبضة مجــموعات مسلحة متناقضة، وبالتالي انسداد آفاق الحل السياسي، ومن الممكن أن يقود ذلك إلى تصفيات جماعية لفئات كبيرة من السوريين.
ثانياً: تخوّف القيادة الروسية من تدخل تركي مباشر لإقامة منطقة عازلة لتدريب الفصائل المقاتلة، وتجميع اللاجئين. وقد أفادت مصادر صحافية أن تركيا قررت التقدم إلى قمة الاتحاد الأوروبي بطلب إنشاء «منطقة أمنية» في شمال سوريا من أجل تدارك الهجرة الكثيفة. وقد أبدت دول الاتحاد استعدادها لبحث تلك الفكرة. ويؤكد ذلك تصريح وزير خارجية بلغاريا الذي أكد ان بلاده تدرس الأمر مع رئيس الوزراء التركي.
ثالثاً: توجُّس القيــادة الروســية من حصول مفاجآت ميدانية يمكــن أن تُعِّجل في إسقاط النظام، فكان تدخّلــها للحيلولة دون ذلك، ولتلافي خسارات كبرى، فيما يرى البعض أن موسكو تريد تقوية النظام في سوريا ليكون ورقة قوية في أي مفاوضات مقبلة.
رابعاً: تسعى روسيا للتوصُّل إلى تسوية سياسية قبل انهيار المؤسسات الهيكلية للدولة السورية. ويرتبط ذلك بتأمين مشاركة الحكومة في المرحلة الانتقالية مع هيئات المجتمع المدني، وقوى سياسية معارضة يتم توضيبها بما يتناسب مع الآفاق السياسية التي تشتغل القيادة الروسية بالتعاون مع أطراف إقليمية ودولية على تحضيرها. لهذا، فإن التدخل الروسي العسكري سيكون للضغط على أطراف الصراع والدول الداعمة، لفــرض مسار سياسي يتزامن مع استئصال القوى الجهادية. وقد ظهر أن العمليات العسكرية الروسية تتجاوز تنــظيم «داعش» إلى مجموعات أخرى ترفض المشــاركة في أي تسوية سياسية تقترن مع بقاء النظام في المرحلة الانتقالية. ويتزامن ذلك مع «مرونة» ظاهرية بدأت تبديها دول غربية وأخرى إقليمية كانت إلى وقت قريب ترفض أي دور للأسد في المرحلة الانتقالية. مع ذلك، فإن رموز معارضة الخارج حتى اللحظة يتمسكون بأهداف إشكالية تجاوزتها المتغيرات والمصالح الدولية والإقليمية، والتحولات التي تداخلت على مسار «الثورة»، التي بات غالبية السوريين يرفضونها ليس حباً بالنظام، بل خــوفاً من هيمنة الجهاديين على مفاصلها وســياقات تحولاتها. وذلك لا ينفصل عن خوف كثير من السوريين أيضاً من وصول هؤلاء إلى السلطة، لأنه بالنسبة لهم يشكِّل كارثة وطنية.
أخيراً، ثمة تساؤلات تقض مضاجع السوريين وتؤرقهم، منها: هل سيقود التدخل الروسي إلى تحويــل الصراع من صراع بالوكالة إلى صراع بالأصــالة؟ وهل سيفضي التصعيد الروسي إلى الحفاظ على وحدة الجغرافيا السورية وعلى الدولة ومؤسساتها المدنية، أم أن الأوضاع ستسير إلى التقسيم وتعميق الاصطفافات والتخندقات المذهبية والطائفية والجهوية والإثنية؟ هل سيسرِّع التصعيد العســكري الروسي في إنضاج تسوية سياســية، أم أنه ســوف يساهم في زيادة تصدُّع القشرة الســياسية، وبالتالي إغلاق أبواب الحــل الســياسي كافة، وفتح سوريا على مزيد من العنــف والعنف المضاد؟ هل تتمكن موسكو عبر زيادة دعمها للنظام، من الإمساك بمفاتيــحه العسكرية والأمنية وتطويــع مواقفــه بما ينسجم مع الاستحقاقــات السياســية المرتقبة، أم أن ذلك سيعزز من تشدّد النظام وتمسكه بالخيار العسكري؟ وهل ستكون ســوريا مدخــلاً إلى إعادة إنــتاج نظام دولي متــعدد الأقــطاب، يستعيد في سيــاقه الروس مكانتــهم الدولية مقابل تراجع الهيمنة الأميركية؟ تلك الأسئلة وغيرها ترتبط الإجابــة عنها بالتــطورات والتحــولات القادمة.
عن "السفير" اللبنانية