2024-05-05 11:08 م

من حُسن الطّالع أن يكون عدوّك أعمى البصيرة!

بقلم: كمال خلف
انتفاضة الجامعات في الولايات المتحدة ليست حدثا عابرا او حركة احتجاج تعبر عن انفعالات وغضب لطلاب وشباب متحمسين مفعمين بالمثالية والنقاء يرفضون الظلم، هي حدث سيكون مفصلا تاريخيا مؤثرا في مسار مستقبل الولايات المتحدة الامريكية والعلاقة العضوية مع إسرائيل التي تسمح للنخبة السياسية في أمريكا بدعم الإبادة الجماعية وتزويد إسرائيل بالسلاح والغطاء السياسي والقانوني، ما يشكل مظلة حماية دولية من المحاسبة او المساءلة.
هي علاقة طالما وضعت دولة عظمى في خدمة دولة احتلال واجرام وعنصرية، الى الدرجة التي اضطرت فيها الولايات المتحدة خلال حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة بالتضحية بمصالحها الاستراتيجية وسمعتها العالمية ومصداقية النظام العالمي الذي تقوده، كل ذلك خدمة لهلوسات وغرائز وهستيريا نتنياهو وثلة من المجرمين الحثالة من أمثال بن غفير وسيموترتش.
الجامعات في الولايات المتحدة كما في عدد كبير من دول العالم هي منبع التغيرات الكبرى والثورات والتحولات. وقد ادركت النخبة الحاكمة في الولايات المتحدة هذا المعنى، تماما كما استشعرت إسرائيل هذا الخطر الداهم والغير مسبوق. لكن من يسيطر على القرار السياسي في تل ابيب وواشنطن وكما تعاملوا مع كل الاحداث منذ السابع من أكتوبر بقصر نظـر وجهل، فانهم واجهوا حركة الطلاب في الجامعات الامريكية بذات المستوى الرديء وقرروا قمعهم واتهامهم بتهم جاهزة يستعملونها عادة مع شعوبنا العربية وهي دعم الإرهاب و معاداة السامية، وهذا ما اجج حركة الاحتجاج الطلابي وجعلها تمتد من جامعة كولومبيا الى جامعات أمريكية أخرى، وهي بلا شك سوف تصل الى جامعات أوروبا قريبا جدا، ومن ثم الى دول عديدة في العالم وصولا الى جامعتنا العربية.
في دولنا العربية تغلق الافواه وتقمع التظاهرات وتشوه ويتم التحريض ضد المتظاهرين، يغلي الشارع العربي مثل مرجل يوشك على الانفجار، وهو يشاهد بمرارة أطفال فلسطين يقتلون ويموتون جوعا، واهلهم يشردون وتنكل إسرائيل بهم، بينما حكوماتهم بين صامت ومرتجف ومتعاون وداعم لإسرائيل، واذا انفجر المرجل، وهو مقبل على هذا، فان المنطقة العربية كلها ذاهبة نحو تحول جذري لا يعلم بفصوله الا الله.
من حسن الطالع ان يكون عدوك اعمى البصيرة.
فقد كانت الحدث في جماعة كولومبيا يبدو اعتياديا، نصب مجموعة من الطلاب مخيما في حرم جامعة كولومبيا في نيويورك، احتجاجا على حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على أهالي قطاع غزة، فقررت رئيسة الجامعة نعمت شفيق إخلاء المخيم، وكانت تلك هي المرة الأولى التي تقتحم فيها الشرطة حرم الجامعة منذ احتجاجات حرب فيتنام في نهاية ستينيات القرن الماضي.
دخول الشرطة إلى حرم الجامعة واعتقال عدد من الطلاب فجّرا غضب باقي الطلبة لتتسع رقعة الاحتجاجات. امتدت المظاهرات إلى جامعات رائدة أخرى في الولايات المتحدة، مثل جامعات نيويورك وييل، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وجامعة نورث كارولينا.
 تملق رئيسة الجامعة العربية الأصل لإسرائيل جعلها تتصرف بغباء ونفاق، وتتعامل مع الطلاب كأرهابيين وخارجين عن القانون، وعلى رغم ذلك لم تنجو، انقض عليها اللوبي الداعم لإسرائيل مطالبا إياها بالاستقالة.
لم يتوقف الحمقى عند هذا الحد، انبرى قادة إسرائيل لمهاجمة حركة الطلاب. فوصفهم نتنياهو بالنازيين المعادين للسامية، وقال عنهم غالانت إنّهم ليسوا معادين للسامية فحسب، بل يدعمون الإرهاب وانهال عليهم بن غفير بالتهديد. هؤلاء المتعجرفون لم يدركوا ولو لحظة واحدة انهم يخاطبون جيلا جديدا من الشباب المتعلم هم من سيصنع مستقل أمريكا القادم، وان قمع واتهام وتشويه هؤلاء الشبان سوف يخلق حالة من التعاطف والتحدي عند اقرانهم من طلاب الجامعات في الغرب والشرق. لم يدرك هؤلاء المتغطرسون ان العصر الجديد لا يمكن فيه حجب المعلومات والصورة وخداع الشعوب، وان دور الضحية الذي كانت تلعبه إسرائيل لتبرير وتمرير جريمة احتلال شعب وقتله وتعذيبه وسجن أبنائه وتدمير بيوته اوشك على الانتهاء، ان وعي الجيل الجديد في الغرب بات اكبر من الدعاية الرخيصة التي تمارسها وسائل اعلام مأجورة وتابعة، تشدقت لعقود بحرية الرأي والمصداقية والحياد والانحياز للإنسان، ثم ظهرت عارية متنكرة لكل تلك القيم التي سترت عورتها.
ومن المهم ان نلاحظ ان معظم الطلاب المحتجين هم امريكيون، ونسبة مشاركة الطلاب من باقي الجنسيات قليلة جدا خوفا من سحب المنح الدراسية منهم أو إلغاء تأشيراتهم. هؤلاء الطلاب الامريكيون لهم اسر واقارب وأصدقاء ومجتمع بدأ يسأل عن معنى ان تدعم قتل ٣٣ الف انسان وتدمير حياة شعب يطالب بحريته وتقرير مصيره.
نتنياهو الاحمق بغروره وغطرسته ومعه قادته الدمويون، يجرون إسرائيل الى الهاوية، وينسجون مستقبلا قاتما بعناية، انهم يقتلون ويدمرون بلا رحمة، ولكن بنفس الوقت يسطرون فصول الهزيمة الاستراتيجية، انهم بارعون جدا في تدفع عجلة التغيير التي سوف تمر فوقهم، وتصنع مجدا عالميا مدويا لشعب فلسطين.
ان يحدث اتقلاب في الراي العام العالمي تجاه قضية فلسطين ومظلومية شعبها هذا مهم، وان يحدث ذلك في الغرب هذا هو الأهم، وان يحدث داخل الولايات المتحدة هذا اهم من المهم، لكن ان يبدأ من الجامعات في أمريكا هذا هو الأكثر أهمية.
باختصار هذه ليست احتجاجات طلاب في جامعة فحسب، انها مراجعة يبدأها المجتمع، وتحولات بدأ يحمل رايتها جيل جديد سيدين من سبقه باشد العبارات، ويعتذر باسم امته عن كل ما اقترف باسمها من جرائم.
كل التضامن مع طلاب كولومبيا وباقي جامعات الولايات المتحدة، وبانتظار الجامعات في أوروبا، والجامعات العربية.
كاتب وإعلامي فلسطيني