2024-05-21 04:21 م

ثورة الجامعات من غزة إلى كولومبيا

بقلم: عماد الحطبة
يعقد الكثير من الكتاب مقارنة مبررة بين حراك طلاب الجامعات الأميركية المناوئ لسياسة إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في غزّة، والحراك الذي قاده الطلاب ضد الحرب الأميركية في فيتنام. جاء رد فعل السلطات الأميركية متشابهاً في الحالتين، إذ سخرت أدواتها البوليسية والقضائية والسياسية لقمع الاحتجاجات الطلابية والشعبية، فاعتقلت الطلاب والأكاديميين، واستخدمت القوة المفرطة في تفريق الاحتجاجات. وقد وثقت السينما الأميركية تلك المرحلة في فيلم حاز رضا الجمهور والنقاد، وكان بعنوان "محاكمة 7 من شيكاغو" "The trial of Chicago 7".

رغم أوجه التشابه بين الحالتين، فإنَّ بعض الفروقات بينهما تمنح الحراك الذي نشهده اليوم بعداً ثورياً حقيقياً يجعله مرشحاً لإحداث تغييرات اجتماعية واقتصادية وسياسية عميقة داخل بنية الدول الرأسمالية. في حرب فيتنام، كانت الولايات المتحدة طرفاً مباشراً في الحرب، فكان شعار "أعيدوا أبناءنا إلى الوطن" كفيلاً بجذب قطاعات كبيرة من الشعب الأميركي للمشاركة في الاحتجاجات، وخصوصاً أن الخسائر الأميركية في الأرواح كانت كبيرة (58 ألف قتيل و300 ألف جريح).

أما في حرب غزّة، فالولايات المتحدة تشارك في دعم "إسرائيل" عسكرياً ودبلوماسياً، ما يجعل الحراك الطلابي والشعبي منطلقاً من مبادئ العدالة، ومعادياً للسياسات الإمبريالية العنصرية التي تهدر حقوق الإنسان وتقسم البشر إلى "منبوذين" و"مختارين".

على الرغم من نجاح الاحتجاجات ضد حرب فيتنام في تسليط الضوء على الممارسات الغربية الهمجية في تلك الحرب، فإنَّ التغيير السياسي الذي طمح إليه المتظاهرون لم يتحقق، واستطاع الجمهوري ريتشارد نيكسون الفوز بولايتين رئاسيتين قبل أن يغادر البيت الأبيض بسبب فضيحة ووتر غيت.

أما الحراك الطلابي اليوم، فهو يهدد بخسارة الرئيس بايدن للانتخابات المقبلة، إذ أظهرت استطلاعات الرأي العام تراجع شعبيته بشكل كبير وانسحاب الكثير من الجاليات العربية من موقفها التاريخي المؤيد للحزب الديمقراطي، وكذلك تراجع تأييد الديمقراطيين لدى فئات الشباب والأفارقة الأميركيين.

ورغم أن مسؤولي إدارة بايدن يراهنون على عودة أنصار الديمقراطيين للتصويت لجو بايدن في وجه دونالد ترامب، فإنَّ الكثير من المراقبين يشككون في جدوى هذه المراهنة، ويرون أن قطاعات كبيرة من أنصار الحزب الديمقراطي سيختارون عدم المشاركة، ما سيؤثر في فرص بايدن.

لقد ظهرت بوادر هذا التغيير في فوز المعارض البريطاني جورج غالاوي بالانتخابات البرلمانية في بريطانيا ببرنامج يدعم غزة، وكذلك فوز عضو الكونغرس عن بتسبرغ – فيلادلفيا، سمر لي، التي تنتمي إلى المجموعة المناهضة لـ"إسرائيل" داخل الكتلة الديمقراطية بسهولة بالغة على الملياردير اليهودي جيفري ياس الذي استثمر 600 ألف دولار في محاولة لهزيمتها. 

خسارة بايدن للانتخابات ستكون الحدث الأول من نوعه في تاريخ الدول الرأسمالية، فلم يسبق أن خسر زعيماً غربياً الانتخابات بسبب سياسته الخارجية، فكيف سيكون الحال لو خسر زعيم أكبر دولة رأسمالية الانتخابات بسبب موقفه من حرب لا تشارك فيها الولايات المتحدة بشكل مباشر، وهي حرب ذات بعد تحرري تخوضها حركات وطنية لطالما وصمها الغرب بالإرهاب ومعاداة السامية، وهو السلاح نفسه الذي يستخدمه الغرب اليوم ضد التظاهرات الطلابية. 

الحدث نفسه تكرر في أيار 1968 عندما انطلقت ثورة الطلاب من باريس لتعم أوروبا، وأجبرت الرئيس الفرنسي ديغول على الفرار سراً إلى ألمانيا، واستمرّت لعدة أسابيع، لكنها فشلت في تحقيق التغيير السياسي المطلوب، إذ استطاع ديغول العودة بقوة والفوز مع حزبه بالانتخابات البرلمانية والرئاسية.

اليوم، تعبر باريس عن تخوفها من تكرار أحداث الجامعات التي بدأت تمتد إلى أوروبا، لكن هذه المرة بقوة وتصميم أكبر تتجاوز الاعتبارات الإنسانية لتأخذ بعداً سياسياً يمثله شعار "من البحر إلى النهر فلسطين حرّة". لا يستطيع هؤلاء الطلاب تجاوز صورة أمّ تحمل جثامين أبنائها، وصورة طفل يهيم وحيداً بين ركام المنازل، وأن يحدث كل ذلك بفضل الدعم الذي تقدمه حكومات قاموا بانتخابها. كل واحد من هؤلاء الذين يبنون الخيام في حرم جامعاتهم يشعر بأنه شريك في الإبادة الجماعية التي ترتكب بحق الفلسطينيين في غزّة والضفة، وهو يعيد صياغة الرواية التي تعلمها على مدى سنوات، فيشكك في حق هذا الكيان في الوجود أصلاً.

يبقى السؤال المشروع: أين الجامعات العربية عن كل هذه الأحداث؟ إذا خرجت إلى الشوارع العربية تجد أن معظم المحتجين والمتظاهرين ينتمون إلى فئة الشباب، ومعظم هؤلاء طلاب جامعيون، فلماذا يفضلون الشارع، رغم القمع والاعتقالات، على القيام بفعالياتهم داخل جامعاتهم؟

تمتاز معظم الجامعات العربية بقيادات مرتبطة بالسلطة، ما يدفعها إلى اتخاذ إجراءات قمعية بحق الطلاب تصل حد الفصل من الجامعة وحرمان الطلاب من الدراسة. إن نموذج نعمت شفيق رئيسة جامعة كولومبيا يتكرر في معظم الجامعات العربية، ما يجعل الحراك الطلابي صعباً لما يحمله من عواقب تطال مستقبل الطلبة الدراسي.

لقد قام النظام الرسمي العربي بإفساد المؤسسات التعليمية، من خلال قوانين تمنع تشكيل الاتحادات الطلابية والنشاطات السياسية المختلفة، وتربط تعيين المدرسين بموافقات الجهات الأمنية، ما يجعل مستقبل هؤلاء المدرسين في خطر في حال دعموا نشاطات الطلاب السياسية. في الجهة الأخرى، لا يثق معظم المواطنين العرب بالنظام القضائي في بلدانهم، فحقوقهم التي تتغول عليها الإدارات الجامعية يصعب استعادتها عن طريق القضاء المنحاز تماماً إلى الموقف السياسي – الأمني للسلطة.

من دون أن نغرق في التفكير التفاؤلي، نستطيع القول بثقة إنَّ طلاب الجامعات يقودون حركة ثورية حقيقية قادرة على إحداث تغييرات سياسية مهمة، وأن واجبنا دعم وتحريض طلبتنا ليكونوا ظهيراً لزملائهم في جميع أنحاء العالم، لنصنع معاً التغيير المطلوب.

المصدر: الميادين