2024-11-24 07:31 م

تحديات أردوغان الصعبة!!

2013-08-12
كتب محمد السعيد ادريس
فاقمت تطورات الأحداث السورية ومن بعدها الأحداث المصرية وتداعياتها المتعددة والمتصاعدة من خطورة التحديات التي أخذت تواجه رجب طيب أردوغان رئيس الحكومة التركية ومعه حزبه (العدالة والتنمية)، وربما يكون تراكم وتصاعد هذه التحديات مسؤولاً عن حالة فلتان الأعصاب التي تحكم الأداء السياسي لأردوغان وعلى الأخص تلك التصريحات التي يدلي بها بخصوص تطورات الأحداث المصرية التي يبدو أنها امتدت إلى الداخل التركي بسرعة وبقوة غير متوقعة . من بين أبرز وأهم هذه التحديات يمكن تحديد ثلاثة منها هي خطر المؤسسة العسكرية التي يتحسب له أردوغان كثيراً، وخطر سقوط رهانات السياسة الإقليمية التركية ومعها المشروع التركي الإقليمي الخاص بالشرق الأوسط، وأخيراً خطر أو شبح تراجع دور حزب العدالة والتنمية الحاكم وخسارته أية انتخابات برلمانية قادمة بل واحتمال تفكك الحزب وتشظيه وانقسامه في ظل الغياب المنتظر لأردوغان عن زعامة الحزب في حال توليه منصب رئاسة الجمهورية وافتقاد الحزب لزعامة بوزن أردوغان ولنخبة عليا قوية بوزن النخبة المتزعمة للحزب الآن التي سوف تتقاعد اضطراريا خلال السنوات القليلة القادمة وفقاً لقوانين الحزب ولوائحه .

توجس أردوغان من خطر المؤسسة العسكرية تفاقم نتيجة الدور المهم الذي قام به الجيش المصري من دعم وانحياز للإرادة الشعبية الثورية ضد حكم جماعة الإخوان ورئيسهم محمد مرسي، ولعل ذلك كان ومازال أحد أهم أسباب انحياز أردوغان لدعم ما يزعمه ب “شرعية حكم محمد مرسي” فهو كان أبرز وأهم من نصحوا محمد مرسي ألا يستسلم لإرادة شعبية أبطلت وأسقطت شرعية حكمه، وأن يحذر تقديم أي تنازل للجيش . كان أردوغان يرى نفسه، في ظل تلك الأحداث، مكان محمد مرسي، لأنه يخشى أن يعاود الجيش امتلاك القدرة على أن ينقلب مجدداً ضد حكم الإسلاميين على نحو ما حدث في ثلاث تجارب انقلابية قام بها الجيش خلال الفترة من عام 1960 و،1980 وإطاحته بأول حكومة إسلامية بزعامة نجم الدين أربكان عام 1997 .

لقد استوعب رجب طيب أردوغان مبكراً ومعه (عبدالله جول رئيس الجمهورية) ورفاقهما من المنشقين الآخرين من تيار الزعيم المؤسس الراحل نجم الدين أربكان في 14 أغسطس/آب 2001 بعد أقل من شهرين فقط من حظر حزب الفضيلة، خطر الاصطدام بالمؤسسة العسكرية، لذلك كان الحرص الشديد على وصف حزبه الجديد (العدالة والتنمية) بأنه حزب إسلامي، بل بالتأكيد بأنه حزب علماني، وفي أحسن الأحوال، وبعد أن استتب الحكم لهم تجرأوا على وصف حزبهم (العدالة والتنمية) بأنه حزب “ديمقراطي محافظ “لأنهم كانوا على وعي بمضامين الدستور التركي الذي فرضه العسكر عام 1982 عقب انقلابه على الحكم المدني عام 1980 خصوصاً المادة 35 من ذلك الدستور، والمادة 85 من قانون الخدمة الداخلية، حيث منح الجيش التركي نفسه حق حماية الدستور والجمهورية العلمانية” وهو ما اتخذه ضباط المؤسسة العسكرية متكأً للتدخل في الحياة المدنية بحجة الحيلولة دون خرق الدستور والإخلال بعلمانية الدولة، ومن ثم شرعوا في توظيف القضاء وخاصة المحكمة العليا لفرض وصايتهم على الأحزاب والحياة السياسية .

إدراك أردوغان لهذا كله جعله يعطي أولوية لضرب تحالف الجيش مع القضاء، ثم التوجه إلى تحجيم دور كل من الجيش والمحكمة العليا في الحياة السياسية، لكنه أدرك قبل هذا كله أن امتلاك “الشرعية الشعبية” من خلال تحقيق إنجازات تنموية تكون كفيلة بمنح حزبه شعبية جارفة داخل البرلمان يمكن من خلالها إجراء تعديلات دستورية وإصدار حزمة تشريعات تهدف كلها إلى إبعاد الجيش نهائياً عن السياسة وإنهاء سطوة المحكمة العليا على الأحزاب، ثم التغلغل الحزبي التدريجي داخل الجيش واختراق المؤسسة العسكرية وتكوين جماعة مصالح بين كبار الجنرالات تكون موالية له ولحزب العدالة والتنمية، وهو ما كان يأمل محمد مرسي والإخوان تحقيقه في مصر وما كان ينصح به أردوغان أصدقاءه وحلفاءه من الإخوان وعلى رأسهم محمد مرسي، لكن ثورة 30 يونيو قلبت حسابات أردوغان رأساً على عقب وأعادته إلى مخاوفه وتوجساته من الجيش فكان أن بادر بإحداث ما يمكن وصفه ب “انقلاب أبيض داخل الجيش” أعفى بموجبه أكبر عدد من كبار العسكريين من الخدمة، ووضع حلفاءه على رأس المؤسسة العسكرية، وبعد يوم واحد من ذلك الإجراء صدرت أحكام القضاء التركي في القضية المعروفة ب “مؤامرة شبكة أرجينيكونه التي تحمل اسم سهل أسطوري في آسيا الوسطى ينحدر منه الشعب التركي، حيث اتهم عدد كبير من كبار الضباط بمحاولة الانقلاب العسكري على حكم أردوغان .

فخلال ثلاثة أيام من اجتماعات المجلس العسكري الأعلى برئاسة أردوغان تم إجراء تغييرات شاملة في القيادات العليا بالجيش التركي هدفها تمكين حزب العدالة والتنمية وحكومته من السيطرة على القوات المسلحة التركية، وكان أبرز هذه الإجراءات هو قرار التقاعد الإجباري لقائد قوات الأمن الجنرال بكير كاليونجو الذي كان مرشحاً لقيادة القوات البرية ومن ثم قيادة الجيش، لا لشيء إلا لأن الجنرال كاليونجوُ يْنظَرُ إليه على أنه من المنتقدين للحكومة وأن اسمه ورد في بعض تحقيقات مؤامرة أو قضية “أرجينيكونه” وجاءت الأحكام المشددة التي أصدرها القضاء ضد متهمي هذه القضية بعد يوم واحد من تلك الإجراءات لتؤكد مدى مخاوف أردوغان من الجيش، وهي كلها إجراءات ستكون لها حتماً ردود فعل داخل الجيش توازي وتوازن مردودها السلبي ما يعني أن ما قد يتصوره أردوغان من تأمين لمخاطر الجيش لن يكون سوى فتيل أعده أردوغان بيديه لينفجر في وجهه عاجلاً أم آجلاً .

هذا الخطر تؤكده تداعيات ما حدث وما يحدث في سوريا . فالتورط التركي في أحداث سوريا الدامية له من يرفضه داخل الجيش التركي وخارجه، وخصوصاً وأن هذا التورط كان بداية انهيار سياسة “صفر مشاكل” التي وعد بها أردوغان ووزير خارجيته أحمد داوود أوغلو الشعب التركي . علاقات تركيا مع إيران تتراجع وتتعقد بسبب الخلاف الشديد بين البلدين حول أحداث سوريا وبسبب التقارب التركي “الإسرائيلي”، لكن الأهم هو اعتراض إيران على انخراط تركيا في سياسة حلف الناتو ومحاصرة إيران عبر الدرع الصاروخية الأطلسية، وعلاقات تركيا مع الحكم العراقي على أسوأ حالاتها، وهي مهددة بالتوتر مع من يحكمون من إقليم كردستان العراقي الذين سبق أن تحالف معهم أردوغان ضد حكم نوري المالكي في بغداد . هذا التوتر المرجح بين أردوغان ومسعود برزاني على وجه الخصوص سببه دعم البرزاني للتوجهات الانفصالية لأكراد سوريا وانحياز الكرد السوريين لحزب العمل الكردستاني المعارض الذي يرجح أن يفشل مصالحته مع أردوغان بعد رفض إحدى المحاكم التركية إعادة محاكمة زعيمه عبدالله أوجلان من أجل الإفراج عنه .

تأتي أحداث مصر وانحياز أردوغان للإخوان لتراكم من فشل وإفشال السياسة الإقليمية التركية بما يعني إخلال بتوازن القوى الإقليمية لغير صالح تركيا في ظل تطورات متلاحقة تحدث الآن على صعيد إقليم الشرق الأوسط كله .

هذه المخاطر تزيد من مخاطر أخرى تتعلق بحزب العدالة والتنمية الحاكم في ظل اتجاه أردوغان لتولي منصب الرئاسة من دون وجود زعيم بديل له نفس الكاريزما داخل الحزب، وفي ظل اضطرار أغلب وأهم قادة الحزب إلى عدم الترشح في الانتخابات البرلمانية القادمة بعد أن أكملوا أربع دورات انتخابية من دون وجود الصف الثاني الكفء من القيادات الوسيطة لملء فراغ هذه القيادات، ويزيد من أزمة الحزب احتمال انشقاق عبدالله جول الرئيس التركي الحالي عن الحزب وتشكيل حزب جديد منافس لحزب العدالة والتنمية، عندها سيكون أردوغان أمام واقع آخر جديد سوف يفرض عليه حتماً مراجعة كل حساباته .
عن "الخليج" الاماراتية