2024-11-24 06:39 م

أمريكا حاولت تغيير العقيدة القتالية للجيش المصرى

2013-07-07
القاهرة/ تقسم وزاره الدفاع الامريكيه العالم لعشره مراكز قياده رئيسيه، وتقع مصر ضمن دول «القياده المركزيه الامريكيه American Centra Command - CENTCOM»، والتي تاسست في الاول من يناير 1983 ويقع مركز القياده في مدينه تامبا بولايه فلوريدا.

وبعد انتهاء ازمه الرهائن في ايران وبدء الغزو السوفيتي لافغانستان ظهرت الحاجه لتقويه المصالح الامريكيه في المنطقه، فانشا الرئيس جيمي كارتر قوات الانتشار السريع في مارس 1980، ثم اتخذ الرئيس رونالد ريجان قرارا بوجود اقوي في المنطقه من خلال خطوات لتحويل قوات الانتشار السريع الي قياده موحده دائمه.

 وتتالف المنطقه الخاضعه لمسئوليه القياده المركزيه الامريكيه من 20 دوله تمتد غربا من مصر الي بلاد الشام، ودول الخليج، ووسط وجنوب اسيا حتي باكستان وافغانستان في الشرق، وتعد العلاقات العسكريه بين القاهره وواشنطن حجر الاساس للتصورات الامنيه الامريكيه في علاقاتها باحد اهم اقاليم العالم.

يرجع تاريخ العلاقات العسكريه بجذورها للنصف الثاني من القرن التاسع عشر، عقب انتهاء الحرب الاهليه الامريكيه عام 1865، وبمجرد انتهاء الحرب اختار عشرات الجنود والضباط الامريكيين الانتقال لمصر والانضمام لجيشها وتقديم خدماتهم للخديو اسماعيل، حيث جعل افتتاح قناه السويس، عام 1869، من مصر اهم دول العالم لسيطرتها علي اهم طرق الملاحه الدوليه بين قارتي اسيا واوروبا، واعطاها بريقا خاصا ساهم في شعور العسكريين الامريكيين باهميه ما يقومون به.

 خدم في الجيش المصري اكثر من ثلاثين امريكيا منهم سته جنرالات، كان اهمهم الجنرال الجنوبي وليام لورنج الذي خدم لمده تسع سنوات في برامج تحديث جيش مصر، ثم ترقي ليصبح مسئولا عن وحدات الدفاع البحري، وشارك في محاولات ضم دول القرن الافريقي لمصر.

وحصل الجنرالات الامريكيون علي راتب سنوي بلغ 2500 دولار ذهبي، وعهد لهم بالمشاركه في تدريب الجيش المصري، كما ساهموا بصوره كبيره في تاسيس عدد من المدارس العسكريه، وتحسين البنيه الاساسيه لمواصلات الجيش المصري واتصالاته، ودعموا الحملات العسكريه المصريه في الدول الافريقيه.

وخلال الاحتلال البريطاني لمصر لم يكن هناك وجود لعلاقات عسكريه مصريه امريكيه جاده. وبعد الاعتراف الامريكي بدولة إسرائيل، وما تبعه من لجوء مصر لتسليح جيشها الوليد بعد حركه ضباط 1952 من دول الكتله الشرقيه، طورت مصر علاقاتها العسكريه بصوره كبيره مع الاتحاد السوفييتي.

وعندما فاجا الرئيس انور السادات العالم بطرد الالاف من الخبراء السوفييت الموجودين في مصر في صيف 1972، كان رد الفعل الامريكي دليلا كافيا للتعرف علي ما تمثله مصر من اهميه للاستراتيجيه الامريكيه.

ثم عادت العلاقات العسكريه بقوه بعد توقيع مصر واسرائيل اتفاق سلام عام 1979 والذي يقضي بوجود مئات من العسكريين الامريكيين في شبه جزيره سيناء ضمن قوات حفظ السلام الدوليه. وبدات مصر في الحصول علي مساعدات عسكريه واقتصاديه امريكيه منذ ذلك الحين بلغ اجماليها حتي عام 2013 ما يقرب من 75 مليار دولار.

واصبح مكتب التعاون العسكري OMC الملحق بالسفاره الامريكيه في القاهره، والمعني بالتعاملات العسكريه بين الدولتين، يمثل ثاني اكبر مكتب من نوعه في العالم، كما اصبح مبني مكتب الدفاع المصري في واشنطن اكبر من السفاره المصريه نفسها.

 وتري واشنطن ان الجيش المصري اهم واقوي المؤسسات المصريه، حتي خلال حكم الرئيس الاسبق حسني مبارك، ولا يتخيل الخبراء الاستراتيجيون الامريكيون عدم وجود علاقات خاصه مع مصر، فهم يتذكرون جيدا دور جيش مصر في حرب الخليج الأولى، حيث شاركت فيها بما يزيد علي 30 الف عسكري حاربوا بجوار الامريكيين، وهو ما سهل انضمام دول عربية اخري للتحالف.

 وتري واشنطن ان الجيش المصري يفهم العقيده العسكريه الامريكيه، ويعتمد في تسليحه علي التكنولوجيا والعتاد الامريكي. ولا تريد ان تتخيل واشنطن وجود جيشا مصريا عقيدته اسلاميه متشدده، ويسعي للحصول علي سلاح نووي مثل نظيره الايراني. لا تتخيل واشنطن جيشا مصريا لديه موقف رمادي من قضيه الحرب علي الارهاب مثل الجيش الباكستاني.

وقطعا لا تريد واشنطن جيشا مصريا يحصل علي سلاحه من دول اخري منافسه مثل روسيا او الصين، او حتي صديقه مثل فرنسا وبريطانيا.

العلاقات العسكريه ــ العسكريه هي اساس العلاقات الثنائيه الحميمه التي عرفتها الدولتان بعد حرب اكتوبر وانتهاء حكم الرئيس مبارك. وتدرك واشنطن ان هذه العلاقات ترسل اشارات مهمه للداخل المصري ترفض قيام دولة دينية علي النسق الايراني او السعودي، وترسل ايضا للداخل الامريكي رسائل تتضمن حدود الضغط علي حكام القاهره فيما يتعلق بالديمقراطيه وحقوق الانسان.

 تتسم العلاقات العسكريه بين الولايات المتحده ومصر بخصوصيه واضحه ترتبط بالموقع الجيو ــ استراتيجي المصري. واضافه الي مكانه القاهره المركزيه في المنطقة العربية، وانتمائها لمنظومات متعدده للامن الاقليمي في منطقة الشرق الاوسط وجنوب المتوسط وشمال افريقيا، وكلها ذات اهميه حيويه للمصالح الامريكيه لاسيما ما يتصل منها بامن الطاقه وتامين منابع النفط في منطقه الخليج العربي.

كما ان لمصر دورا رائدا في الحرب علي الارهاب، والحفاظ علي امن اسرائيل، ومكافحه القرصنه في جنوب البحر الأحمر ومضيق عدن.

وتمثل مصر بالنسبه لشركات السلاح الامريكيه دوله متوسطه الانفاق العسكري وفق تقارير التسلح ونزع السلاح والامن الدولي الصادره عن معهد استكهولم لابحاث السلام الذي قدر الانفاق العسكري المصري بنحو 3.4 مليار دولار عام 2009.

واحتلت مصر المركز التاسع في قائمه اكثر الدول استيرادا لمنظومات التسلح علي مستوي العالم في الفتره بين عامي 2004 و2009 اذ تستحوذ علي نسبه 3% من واردات الاسلحه علي المستوي العالمي، لذلك تستهدف شركات السلاح الامريكيه السوق المصريه بما يضمن زياده القاهره مشترياتها من السلاح الامريكي، والذي اصبح احد اهم اهداف الشركات سالفه الذكر للحفاظ علي صداره الولايات المتحده بين الدول المصدره للسلاح علي مستوي العالم.

اشار الباحث الامريكي المتخصص في الشئون العسكريه ماثيو اكسلرود في مقال حول العلاقات الدفاعيه بين القاهره وواشنطن في مجله ورلد بوليتكس ريفيو الي ان مصر قد قدمت للولايات المتحدة تسهيلات عسكريه متعدده في الفتره بين عامي 2001 و2005 لاسيما السماح لنحو 35 الف انطلاقه طيران امريكيه بعبور مجالها الجوي ونحو 850 شحنه بحريه للمرور عبر قناه السويس.

الا ان الخبير الامريكي اشار الي ان القاهره لم توافق الي الان علي التوقيع علي اتفاقيه الاتصال والعمليات المشتركه والامن، التي تمنح للولايات المتحده تسهيلات اوسع نطاقا في عبور القوات والافاده من الموانئ المصريه علي غرار توقيع دول مجلس التعاون الخليجي علي تلك الاتفاقيه وهو ما يرفضه المسئولون العسكريون المصريون باعتباره اختراقا للسياده المصريه وفي هذا الاطار يربط الكاتب بين رفض مصر توقيع تلك الاتفاقيه وبين غياب التوافق بينها وبين واشنطن حول ارسال قوات مصريه للمشاركه في عمليات تامين الملاحه البحريه في مضيق عدن ومكافحه القرصنه.

اظهرت البرقيات الدبلوماسيه التي نشرها موقع ويكيليكس خلافا في وجهات النظر بين واشنطن والقاهره بشان تطوير مهمه الجيش المصري مع اصرار القياده المصريه علي اعداده في المقام الاول لمواجهه عسكريه تقليديه.

 وكشفت البرقيات، التي تعود الي 2008 و2010، عن ان واشنطن ترغب في تطوير الجيش المصري لتوسيع نطاق مهمته وزياده تركيزها علي التهديدات الجديده، في حين تتمسك القاهره بمهمته التقليديه في حمايه البلاد.

 وجاء في برقيه رقم CAIRO 000549 الصادره في مارس 2009 ان «الولايات المتحده سعت الي اقناع الجيش المصري بتوسيع مهمته بطريقه تتواكب مع التهديدات الامنيه الاقليميه الجديده مثل القرصنه والامن علي الحدود ومكافحه الارهاب»، الا ان «القياده المصريه القديمه قاومت جهودنا وهي راضيه عن المضي فيما تقوم به منذ سنوات: التدرب علي نزاع تتواجه فيه قوتان بمزيد من القوات البرية والمدرعات»، تحسبا لنزاع محتمل مع اسرائيل في المستقبل.

ورات واشنطن ان المسئول عن ذلك هو وزير الدفاع، وقتها، المشير محمد حسين طنطاوي، حيث وصفته الوثيقه بانه «العقبه الاساسيه امام تحويل مهمه الجيش»، وقالت انه «منذ تولي المشير طنطاوي مهام منصبه تراجع مستوي التخطيط التكتيكي والعملاني للقوات المسلحه المصريه».

 وذكرت برقيه، صدرت في فبراير 2010، ان «اداره اوباما قالت لمسئولين عسكريين مصريين ان الجيش الحديث يجب ان يكون مجهزا بعتاد نوعي حديث وليس بكميات ضخمه من العتاد القديم»، ورد هؤلاء المسئولون بان «التهديدات التي تواجهها مصر مختلفه» عن تلك التي تواجهها الولايات المتحده.

وتذكر الوثيقه ان العسكريين المصريين اكدوا انه «يجب ان يكون لمصر جيش تقليدي قوي لمواجهه الجيوش الاخري في المنطقه» مشددين علي ان الاولويه بالنسبه لهذا الجيش هي الدفاع عن الاراضي المصريه وعن قناه السويس».
عن "الشروق" المصرية