بيروت/مهى زراقط*
نصف ساعة فقط هو الوقت الذي خصّص للقاء نوام تشومسكي. المفكّر الأميركي المنخرط في النضال السياسي الاقتصادي والاجتماعي، تحدّث عن تحدّيات هذه المرحلة الحساسة التي تعيشها منطقتنا في ظلّ تحديات تبدأ بالحروب الأهلية، ولا تنتهي عند تهديدات تغيّر المناخ، يشير إليها «ممازحاً» في نهاية المقابلة
كيف تنظر اليوم إلى اتفاقية سايكس بيكو التي رسّمت المنطقة مطلع هذا القرن؟
اتفاقية سايكس بيكو تتحطّم اليوم، وهذه ظاهرة مثيرة للاهتمام، فقد مرّ قرن واحد فقط عليها. هذه الاتفاقية جرت بإملاء امبريالي وليس لها أي شرعية، وليس هناك أي سبب لهذه الحدود إلا مصالح القوى الاستعمارية وهذا ما نراه في كل أنحاء العالم. من الصعب جداً إيجاد حدود لها أي مبررات منطقية بما فيه الحدود بين المكسيك والولايات المتحدة، والولايات المتحدة وكندا، وغيرها. هذه الحدود تسبّبت بالعنف واستعمال القوة، وكانت سبباً لكثير من المشقة. كثير مما يجري سببه الحدود المفروضة من الامبريالية التي لا علاقة لها بالشعوب، والتي تقطع أوصال المجموعات البشرية. إنها تثبت خطوطاً لا معنى لها، فتفرّق بين باكستان وأفغانستان أحد أكثر الحدود المتنازع عليها. يفصل الباشتون عن بعضهم بعضاً، وهذا ما لم تقبله أي حكومة أفغانية. كلنا نعاني من هذه الحدود الامبريالية المفروضة التي يجب أن نجد وسائل لإزالتها.
في ما يخص سايكس بيكو لقد بدأت تزول. من الصعب أن نتخيل ما سيجري في سوريا، إن بقي أي شيء. فسوريا ستتجزأ. المناطق الكردية الآن تتمتع بحكم ذاتي. بدأت تتصل بشمال العراق الكردي، الذي يتمتع بحكم ذاتي أيضاً. وهي أيضاً تتوسّع إلى شرق تركيا. وما سيحصل في باقي البلد من الصعب التكهن به.
من سيصنع الحدود الجدية: الشعوب؟ أم الامبريالية مجدداً؟
الشعوب؟ أتمنى أن يكون ذلك صحيحاً، لكن العالم لا يسير هكذا. ربما في يوم ما. لكن ليس اليوم.
قلت في آذار الماضي إن سوريا تسير إلى الانتحار، ودعوت إلى التفاوض بين مختلف الأطراف، كيف تنظر إلى ما يحصل في سوريا اليوم؟
التفاوض هو أفضل السبل، لكن الفرص المتاحة له ضئيلة. روسيا لا تزال تدعم النظام بالأسلحة، وفي الوقت نفسه تدفع الجميع نحو المفاوضات وهذا ما تحسن صنعه. أما الولايات المتحدة، التي تأخذ عادة القرار السيّئ، فهي تقوم بأمر جيّد. هي لا تزال تتحفظ عن مدّ المعارضة بالسلاح وتتمسّك بهذا الموقف عملياً وتدعم المفاوضات. أما بالنسبة إلى دعوة الرئيس الأميركي باراك اوباما إلى تسليح المعارض فلا أعتقد أنه التسليح المرجو الذي تقدّمه أميركا إذا كانت جادّة في ذلك.
ما رأيك في تدخل حزب الله في الأزمة السورية؟
إنهم في وضع صعب. إذا ربح الثوار في سوريا، فهذا يعني نهايتهم. هناك منطق لتدخلهم، لست متأكداً أنه أفضل خيار لهم. يمكننا ان نناقش فيه، لكنه موقف مفهوم.
هل ستلتقي الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله خلال زيارتك هذه؟
لا.
ماذا يمكن أن تقول لحزب الله اليوم؟
أفضّل أن أستمع إليهم لأعرف أكثر عن خططهم وأفكارهم.
ماذا لو كانوا يريدون أن يستمعوا إليك؟
إنهم في وضع في منتهى الصعوبة، لا أعتقد أن لديهم خيارات سهلة. أقلّ الخيارات سوءاً ليس خياراً جيداً، أي عدم التدخل. إنه ليس خياراً جيداً، لأنه قد يؤدي إلى تدميرهم.
أين ترى موقع إسرائيل في ظلّ هذه التغيّرات؟
اسرائيل اتخذت قراراً وجودياً عام 1971. لقد عرضت عليها مصر اتفاقية سلام كاملة، من دون أي حقوق للفلسطينيين، سلام كامل وأمن كامل مقابل انسحاب كامل من سيناء المصرية، وكان عليهم أن يختاروا بين الأمن والتوسّع فاختاروا التوسّع، ولا يزال هذا هو خيارهم حتى اليوم. يفضّلون التوسع على الأمن وليس هناك أي شيء غير عادي في هذا. هذا كان خيار اسرائيل ويمكن أن يستمر لأن الولايات المتحدة تساندها.
بالمناسبة اسرائيل أصدرت تهديدات خطيرة الآن حول لبنان لا أعلم إن كنتم تتابعون ذلك، فهي ليست في صدارة الأخبار. إنهم لا يصدرون تصريحات علنية ضخمة، ولكن إن تابعتم تصريحات رجال الأمن والعسكر والحكومة فما يقولونه علناً هو أنهم لن يسمحوا بوصول أسلحة إلى حزب الله، وما يضيفونه هو أنهم تعلموا دروس الحرب الماضية، ولن يكرروا أخطاءهم، وأن الحرب القادمة ستنتهي في أيام، ما يعني أنهم سوف يمحون لبنان. يدّعون أن هناك 60 الف صاروخ في لبنان، وإذا ذهبوا إلى الحرب، فهدفهم تدمير هذه الصواريخ، ما يعني تدمير البلد، وهم يهددون بذلك في هذه اللحظة. إذا قرروا ضرب إيران، وهذه الـ «إذا» كبيرة، فأول شيء سيفعلونه هو تدمير لبنان. لأنهم لا يمكن أن يقبلوا لبنان كرادع. الوضع خطير جداً الآن، وسيستمر كذلك لأن الولايات المتحدة تسمح به.
ألا يمكن أن تفعل الولايات المتحدة شيئاً لوقف ذلك؟
ليس في عهد (الرئيس باراك) أوباما. هو أول رئيس أميركي لم يفرض أي حدود على اسرائيل. الرئيس (جيمي) كارتر، فرض في أوقات مختلفة حدوداً لا تستطيع اسرائيل تخطيها، حتى (رونالد) ريغن الذي ساند اسرائيل في الاجتياح عام 1982 أمرها بوقفه في أواسط آب لأنه بدأ يؤذي مصالح أميركا. عندما تصدر أميركا أمراً ينفذّه العالم. هذا ما تعنيه كلمة الراعي الأكبر، أو الفتى الضخم في الحي. وهذا حصل مع جورج بوش الابن عام 2005 عندما منع اسرائيل من تصدير تقنيات عسكرية عالية إلى الصين. الاقتصاد الاسرائيلي يعتمد بصورة قوية على تصدير التقنيات العسكرية العالية، والصين سوق ضخم. في البداية قالت اسرائيل إنها دولة ذات سيادة، وستفعلها فضربت أميركا رجلها في الأرض ورفضت السماح لمسؤولين اسرائيليين بزيارة الولايات المتحدة، وأصرّت على تقديم اعتذار علني، وعلى تشريع يمنع ذلك. ولم يكن لدى اسرائيل أي خيار آخر.
هل تربط ذلك بقرار أوباما تسليح المعارضة السورية؟
الأمران منفصلان. أولاً اسرائيل لا تعارض (الرئيس بشار) الأسد. هو كان تقريباً الديكتاتور الذي يريديون. فعل كل الأشياء التي يريدونها تقريباً. الولايات المتحدة لا تعارض الأسد، تعاون معها استخباريا. لم يعجبهم كل شيء، لكن ما فعله كان كافياً. لو أرادت اسرائيل والولايات المتحدة فعلاً إسقاط نظام الأسد ودعم الثوار لكان لديهما الكثير من الوسائل المباشرة لفعلها من دون سلاح. تستطيع اسرائيل تحريك قواتها إلى مرتفعات الجولان، التي يسمونها داخلياً مرتفعات الجولان السورية. إذا حركوا قواتهم إلى الشمال فسيضطر السوريون إلى تحريك قوات في المقابل، مما يبعد هذه القوات عن قمع الثوار، لكنهم لا يفعلون ذلك، وهذا يعني شيئاً واحداً فقط، أنهم لا يريدون أن يسقط النظام.
هل تظن أن المنطقة تذهب إلى تقسيم جديد بناءً على العرق والطائفة؟
هناك مجموعة من المسارات وليست كلها متشابهة. يعتمد الأمر على أي مسار يسيطر. أحدها هو الانقسام الطائفي الحاد بين السنة والشيعة، الذي بدأ خلال الحرب على العراق، وهو يترسّخ اليوم بقوة، وهناك دول الخليج اليوم التي تتوحد ضد إيران، والعراق تقريباً في الصف الإيراني ما يزيد الشرح عمقاً وخطورة. ولبنان لديه تاريخ سيّئ في هذا المجال. أما المسار الآخر، فهو المعارضة العلمانية للقمع والأسلمة، التي نراها في ميدان تقسيم في تركيا، والسؤال هو أي مسار يسيطر؟
لقد وجهت قبل أيام نداءً إلى المتظاهرين الأتراك، كيف ترى حراكهم؟
أعتقد أنهم يقومون بعمل عظيم، إنه شيء في منتهى الأهمية، ردّ فعل نظام (رئيس الحكومة التركية رجب طيب) أردوغان كان مشابهاً لردّ فعل (الرئيسين المصري والسوري) مبارك والأسد. كان ردّاً عنيفاً وقاسياً لمجموعة من المطالب المحقة. الأخبار المتداولة هذا الصباح التي قد تكون صحيحة أم لا، تفيد أن هناك افقاً لحل سلمي لهذا النزاع. ما هو مطروح وفق الأخبار التي سرّبت من ممثلي المتظاهرين والمفاوضين في تقسيم أن أردوغان قبل أن ينتظر قرار المحكمة في شأن إجراء استفتاء في إسطنبول، وهذا سيكون خطوة جيدة إلى الأمام إذا كان ممكناً تطبيقها.
هل تسمي الربيع العربي ربيعاً عربياً أم لديك تسمية أخرى له؟
أظن أنه كان اسماً جيداً لكنه الآن... لا أعلم إن كان شتاءً عربياً. على الأقل هو خريف عربي. أعتقد أنه سيكون هناك ربيع آخر، لا أظن أن الوضع مستقر. سيحصل ربيع جديد.
كنت متفائلاً في بداية الانتفاضات العربية، هل ما زلت كذلك؟
ليس لدينا خيار آخر. بموضوعية من الممكن أن نكون جميعاً تحت الماء بعد جيل أو جيلين. هناك احتمالات ممكنة للامل والتقدم، يجب أن نبقيها قائمة.
ادوارد سنودن بطل... لكنه سيدفع الثمن
وصف نوام تشومسكي ما قام به الشاب الاميركي ادوارد سنودن، من كشف لبرامج التجسس التي تقوم بها وكالة الامن القومي الأميركي، بالعمل البطولي. ورأى أن «هذا هو العمل الصحيح الذي يقوم به مواطن. أن يتيح
للناس أن يعرفوا ماذا تفعل حكوماتهم. الحكومات التي، على نحو عام، يجب أن تقول للذين تمثّلهم ماذا تفعل، لكنها بالعكس تعمل بسرية. لقد صرفتُ وقتاً طويلاً
في قراءة وثائق مصنّفة سرية في الولايات المتحدة، وهي
من أكثر المجتمعات حرية، وأكثر هذه الوثائق صنفّت
سرية لتحمي الحكومة من شعبها لا لأسباب أمنية. فلنقل هناك البعض لأسباب أمنية، لكن ليس الكثير. لذا أعتقد أن أي شخص يحاول رفع الحجاب عن هذه الأمور، هو يقوم بالشيء الصحيح. في الواقع البرامج التي كانت الحكومة تقوم بها غير شرعية، وكان من الصحيح أن يجري كشفها، لكني أعتقد أن سنودن سوف يدفع ثمن ما فعله، وإن كان ما قام به هو العمل الصحيح».
* المصدر: صحيفة "الاخبار" اللبنانية