كتب مصطفى اللباد/
تصف معظم وسائل الإعلام الغربية سعيد جليلي بأنه المرشح الأبرز في السباق الرئاسي الإيراني، وعلى حذوها يعتقد كثيرون ممن يحبون إطلاق التوقعات مبكراً بأن جليلي سيكون رئيس إيران القادم.
تستند هذه التوقعات الى أمور عدّة. أولها، أن جليلي هو المفاوض الإيراني الأبرز للغرب منذ العام 2007، الذي تولى فيه الأمانة العامة لمجلس الأمن القومي الإيراني خلفاً لعلي لاريجاني، وبالتالي فهو يدير الملف النووي الحساس منذ ذلك العام. ثانياً، يملك جليلي رصيداً من القرب الشديد لدوائر صنع القرار العليا في إيران، إذ عمل في مكتب المرشد شخصياً لمدة أربع سنوات كاملة (2001-2005). ثالثاً، يحظى جليلي بعلاقات وثيقة مع مؤسسة الحرس الثوري، ويستدل بعض المراقبين الغربيين على ذلك بخلفيته في الحرب العراقية - الإيرانية وبمنحه تغطية واسعة واستثنائية لنشاطاته الانتخابية من وسائل الإعلام القريبة من الحرس. ورابعاً، يشدد جليلي على خيار المقاومة السياسية والاقتصادية، ويربطه بالتزام ديني لا يتزعزع، ما يجعله قريباً من دوائر نافذة في إيران مثل التيار الأصولي وجمعيات رجال الدين المتبنية هذا الخط.
يحمل جليلي المولود في العام 1965 في مشهد، درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة «الإمام الصادق». كان عنوان أطروحته «نموذج الفكر السياسي في الإسلام كما ورد في القرآن الكريم»، والجدير بالذكر هنا أن جامعة «الإمام الصادق» هي جامعة خاصة تعد مقصداً مفضلاً لرجال الحرس الثوري الراغبين في استكمال طريقهم الأكاديمي.
شارك جليلي في الحرب العراقية - الإيرانية بين العامين 1980 و1988، وجرح خلالها جرحاً بليغاً أفقده ساقه اليمنى، التي يستعيض عنها منذ ذلك الوقت بساق صناعية.
بعد انتهاء الحرب عمل جليلي محاضراً في الجامعة وألقى سلسلة محاضرات بعنوان «ديبلوماسية النبي محمد»، ثم انضم إلى وزارة الخارجية الإيرانية في العام 1989.
عين جليلي مديراً لـ«قسم تخطيط السياسات» في مكتب المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية السيد علي خامنئي في العام 2001، واستمر فيه حتى العام 2005، العام الذي انتخب فيه محمود أحمدي نجاد رئيساً.
وبالتوازي مع وجوده في مكتب المرشد، فقد كان جليلي عضواً في مجلس الأمن القومي منذ العام 2002، ما جعله ملماً بالقضايا الحساسة المطروحة أمام المجلس. طرح اسم جليلي لوزارة الخارجية، إلا أن الخيار استقر في النهاية على منوشهر متكي، ولكن إرساء الخيار على متكي لم يعن النهاية لطموحات سعيد جليلي، الذي عين نائباً لوزير الخارجية لشؤون أوروبا وأميركا، ومستشاراً لنجاد.
جليلي المشهور ببساطة معيشته، متزوج من الطبيبة فاطمة سجادي، وله منها ولد واحد هو حميد. وتبرز مؤلفاته فكره واعتقاده الديني العميق، إذ ان كتابه الأول يحمل اسم «السياسة الخارجية لرسول الإسلام» («سياست خارجي بيامبر اسلام»)، في حين عنون كتابه الثاني «الفكر الإسلامي في القرآن» («انديشه اسلامي در قرآن»).
وقال جليلي في مقابلة له مع جريدة «فايننشال تايمز» الأميركية، نشرت قبل أسبوعين، إنه «في حال انتخابي سأروج لأفكار التقدم والعدالة والمقاومة. كلما اعتمدنا على ديننا ومبادئنا، كلما زادت قدرتنا على المضي في طريق التقدم وكلما زادت قدرتنا على مقاومة الضغوط».
وقبل أقل من أسبوع، أفردت جريدة «نيويورك تايمز» الأميركية موضوعاً كبيراً عن سعيد جليلي، اعتبرته فيه المرشح الأبرز في السباق الانتخابي الإيراني بعنوان «راديكالي معاد للغرب يتقدم في السباق».
يتصدر شعارا «المقاومة رمز التقدم» و«حياة طيبة» المواقع الإلكترونية المؤيدة لجليلي، ويتمتع بدعم آية الله مصباح يزدي، وهو الداعم السابق لنجاد. يفتتح الشريط الرئيسي لحملة جليلي الانتخابية المعنون «حياة طيبة» بمقولة لخامنئي، ثم يلي ذلك عرض لمجموعة من الصور تبدأ بعودة الإمام الخميني منتصراً من منفاه، على خلفية موسيقى إيرانية تقليدية تتخللها نداءات «يا علي ويا زهراء». بعدها تظهر صورة جليلي مقبّلاً مرقد أمير المؤمنين في النجف، وصورته شاباً على جبهة الحرب، ثم صورته مفاوضاً للغرب. ولا تخفى على المتابع للشريط صورة ملصق لخامنئي وكلمة خراسان تحته، في ربط من طرف خفي بين محل الولادة المشتركة للرجلين (محافظة خراسان).
يستقبله جمهوره في جولاته الانتخابية بوصف «الشهيد الحي» (في إشارة إلى ساقه التي فقدها في الحرب)، وحين ينبري جليلي خطيباً ترد عليه بين الفينة والأخرى جموع الحاضرين برفع رايات «حزب الله» وأعلام فلسطين ومرددة شعار «لا تنازلات.. لا تقديمات.. فقط جليلي!». يعتقد بعض المراقبين أن سعيد جليلي هو «نجاد رقم اثنين»، ويستدلون على ذلك بتشابه الأصول الاجتماعية والانتماءات الأيديولوجية الشعبوية والتوجهات السياسية، وإن كان جليلي لن يقدم على الأرجح على اجتياز المدى الذي بلغه نجاد في مواجهة مقام المرشد، خصوصاً في السنوات الثلاث الأخيرة.
ويعتقد كثيرون أن منظمة «الباسيج»، أي المتطوعين، مصطفة خلف جليلي وتنظم له جولاته الانتخابية، وهو ما يعد دليلاً إضافياً على وقوف مؤسسة الحرس الثوري إلى جواره، حتى مع وجود محمد باقر قاليباف في السباق وهو المنتمي تاريخياً إلى المؤسسة ذاتها. ويشدد جليلي على انحيازه السياسي والفكري على النحو التالي، «يا علي هي مفتاحنا للنصر، فقد سمعناها في لبنان مع انتصار حزب الله، وسمعناها في إيران في مقاومتنا للكيان الصهيوني، لقد أظهرنا قدراتنا تحت هذا الشعار».
لا تخلو التقديرات المتفائلة بخصوص جليلي من وجاهة، إذ انه يأتي بالفعل من ضمن الحلقة الضيقة للمرشحين، التي تستطيع المنافسة بجدية في السباق الانتخابي الراهن. ومع ذلك فمن المبكر الآن إطلاق تكهنات، خصوصاً أن جليلي تقدم مرتين إلى انتخابات البرلمان عن مدينة مشهد، الأولى في انتخابات البرلمان السادس في العام 2000، ومرة أخرى في انتخابات البرلمان السابع في العام 2004، ولكنه لم يوفق في المرتين.
صحيح أن مشهد إيران السياسي قد اختلف، مثلما تغيّر نسبياً وجه النخب السياسية والأيديولوجية الإيرانية، إلا أن الحقيقة السابقة يجب ألا تغيب عن الأذهان. كما أن منافسي جليلي في «التحالف الثلاثي» وخصوصاً علي أكبر ولايتي وقاليباف سينافسونه على ثقة وأصوات الشرائح الانتخابية ذاتها والمؤسسات الدولتية نفسها، ما سينتزع منه أصواتاً محافظة.
بمعنى آخر، يتنافس جليلي مع «التحالف الثلاثي» على الجمهور والأصوات المحافظة نفسها، وعلى ثقة المرشد ودعم مؤسسات الدولة نفسها، وهي منافسة ليست سهلة على الإطلاق.
ربما يكون التقدير الأصوب لفرص جليلي الآن بأنها عالية فعلاً، ما يضعه رقماً هاماً في المعادلات الانتخابية وحتى في النصف الأول من السباق. وفي كل الأحوال، وبصرف النظر عن النتيجة النهائية للانتخابات، يثير الصعود السياسي لجليلي الإعجاب، فابن العائلة المتواضعة الذي فقد ساقه وهو يدافع عن بلاده، لم يفقد الطموح بل واصل الصعود السياسي معتمداً على قدراته وإخلاصه للثورة والنظام، في ظروف صعبة ومعقدة، ليرتقي أحد أعلى المناصب في جمهورية إيران الإسلامية وأكثرها حساسية (مجلس الأمن القومي). تحالفات الأيام المقبلة بين عناصر المعسكر المحافظ بتلويناته المختلفة ستكون حاسمة لمستقبل ذلك المقاوم الطموح، وفرصه بالفوز في الانتخابات الرئاسية.
عن صحيفة "السفير" اللبنانية