القدس/المنــار/ ترى دوائر بحثية متخصصة في شؤون الشرق الأوسط، أن صمود النظام السوري وطريقة ادارته للمواجهة مع الدول العربية والغربية الداعمة للارهاب ونجاح القيادة السورية الملفت في السير بين "زخات" المطر، اعادت من جديد الى الاذهان في اسرائيل والولايات المتحدة وبعض الدول العربية المخاوف من تشكل محور وتحالف يضم سوريا والعراق وايران. وتشير هذه الدوائر البحثية أن من بين أهداف اسقاط النظام السوري هو اضعاف الدولة السورية ووضعها تحت المظلة الغربية وابعادها عن ايران وقطع الطريق أمام أي فرصة مستقبلية لاقامة تحالف ايراني ـ سوري عراقي. ويعتبر هذا الهدف على رأس قائمة الاهداف التي وضعتها الولايات المتحدة واسرائيل في لقاءات التشاور والتباحث في الاشهر الاولى لاندلاع الازمة السورية. هذا الهدف يأتي الى جانب هدف مصادرة ومحاصرة العمق الداعم والآمن لحزب الله كخطوة اولى نحو القضاء كليا على قدرات الحزب العسكرية عبر آليات مختلفة سياسية بغطاء دولي أو عسكرية تتم بغطاء مشترك اقليمي ودولي، ولا يمكن أن نتجاهل ايضا الرغبة الاسرائيلية في تحويل هضبة الجولان الى لواء اسكندرونة ثانٍ والسيطرة على تلك المنطقة وأن يوافق اي نظام في "سوريا الجديدة" حسب المفاهيم الامريكية والاسرائيلية بالعروض الاسرائيلية على استئجار منطقة هضبة الجولان لمئات السنين مع امكانية التجديد برضى الطرفين، وهي عروض اسرائيلية طفت على السطح في العام 2008. كما ستسهل عملية سقوط النظام السوري مهمة الدول الخليجية صاحبة المصالح الضيقة لتمرير حلول للمسألة الفلسطينية بشكل مريح بالنسبة لاسرائيل وفرض هذه الحلول على الفلسطينيين بوسائل مختلفة. وتشير الدوائر الى أن القيادة الايرانية أدركت هذه الاهداف منذ اليوم الاول للتصعيد العالمي المفاجىء ضد الدولة السورية ونظام الرئيس السوري بشار الاسد، وتفهمت جيدا أن المعركة ضد ايران قد بدأت من سوريا، ولهذا السبب تعاملت مع ما يجري في سوريا على أنه يجري على اراضيها أو بشكل أدق على أبوابها، فعمدت الى الوقوف بشكل ملفت الى جانب الدولة السورية لمنع سقوطها. وهذه القراءة الذكية والدقيقة لما يجري من احداث منذ اللحظات الاولى لاندلاع الازمة السورية، لم تقتصر على ايران ، فالقيادة العراقية هي الاخرى أدركت أن هناك ما يجري التخطيط له ليس لسوريا والعراق فقط وانما لمختلف الدول على امتداد الوطن العربي، وأن حالة العزل والاستفراد هي التي باتت تسيطر على طبيعة التحركات الغربية وبشكل خاص الامريكية في المنطقة، وتوصلت القيادة العراقية الى نتيجة بأن سقوط الدولة السورية سيشكل بداية تقسيم العراق الى مجموعة من الاقاليم السياسية، على شاكلة ما حدث في المنطقة الشمالية للعراق، في كردستان. هذه التحركات التي تشارك فيها دول عربية اقنعتها مصالح حكامها واقنعتها الولايات المتحدة بأن هناك ضرورة لاسقاط سوريا واضعاف العراق لقطع الطريق أمام نشوء تحالف عراقي ـ ايراني سوري وأن استقرار تلك الدول يقضي باسقاط نظام الاسد وأن معركة اسقاط الاسد ليست فقط معركة امريكية ـ اسرائيلية وانما معركتهم هم أيضا. ومن هنا يأتي هذا الدعم الكبير الذي تقدمه الدول الخليجية للمساعي الامريكية لاعادة صياغة خارطة المنطقة. أما الدور الذي تلعبه تركيا في هذه الازمة وهو دور كبير لتغيير خارطة المنطقة ومساندة امريكا فهو مبني على نفس المخاوف من أن يتشكل محور ايراني عراقي سوري، يقطع الطريق أمام رغبات واحلام ومساعي تركيا الهادفة الى المشاركة مع اسرائيل في رعاية مصالح الولايات المتحدة في المنطقة العربية.
لكن هذا المخطط الكبير، يتعرض اليوم لانتكاسة خطيرة، باعتراف العديد من الدوائر الدبلوماسية في المنطقة والعالم، حتى تلك الدوائر الدبلوماسية التي شاركت في صياغة ورسم "خارطة طريق" اسقاط الدولة السورية. فتماسك النظام السوري قلب الطاولة على الاطراف المشاركة في هذه المساعي، وفضح النوايا وأظهر الحقائق التي سعت تلك الاطراف على اخفائها وابقائها بالظل. وفتحت الباب أمام دخول لاعبين دوليين أقوياء لديهم الرغبة والطموح باعادة أمجاد الماضي ورفض اي تجاهل لهم في رسم المستقبل، هاتان الدولتان هما روسيا والصين.
ومن هنا تبرز المخاوف وتتجلى، من هذا الانقلاب الواضح وحالة الاصطفاف الجديد الذي تعيشه المنطقة بمظلات لاعبين دوليين، ففشل معركة قطع الطريق امام نشوء محور ايراني عراقي ، أوصلت الولايات المتحدة واسرائيل والدول المتحالفة معهما على راسهم تركيا والسعودية الى حقيقة مؤلمة تتضح ملامحها يوما بعد يوم ، وهي ملامح نشوء محور روسي صيني ايراني عراقي سوري لن يكون بالامكان تجاهله، وهو محور قوي وصاحب تأثير كبير للغاية. كما ان هذا المحور الصاعد يحقق مردودا مهما لروسيا والصين، ويجب أن لا نتجاهل عقود توريد الاسلحة الضخمة بين روسيا والعراق وحقيقة أن أكثر من نصف انتاج النفط في ايران تبتاعه الصين.
ولا يمكننا أن نتجاهل حقيقة أن كل حلف يقوم على المصالح المتبادلة، فاصرار روسيا والصين على هذا الحضور القوي في ساحة الشرق الاوسط ليس خدمة روسية ـ صينية في اتجاه واحد بل هي تقوم على التبادلية ، فايران تمتلك ثاني أكبر احتياطي من الغاز الطبيعي في العالم ورابع أكبر احتياطي مؤكد من النفط أما العراق فتأتي في المرتبة الثانية من حيث الاحتياط النفطي بعد السعودية. أما بالنسبة لسوريا فالحديث عن وجود حقول للغاز امام سواحلها والدور الذي يمكن أن تلعبه الشركات الروسية والصينية وامكانية تحولها الى ممر لانابيب الغاز القادمة من ايران عبر العراق، جميع تلك الحقائق تساهم في جعل هذا المحور الناشىء والتحالف الصاعد متماسكا بدرجة كبيرة لا يمكن زعزعته ويفرض على الولايات المتحدة أن تعيد حساباتها لتبنيها على حقيقة أن ملعب الشرق الاوسط لم يعد فارغا لها لتتجول فيه بحريتها مع حلفائها.