2024-11-25 03:27 ص

هل غيّرت أميركا قواعد الاشتباك مع «القاعدة« وأخواتها؟

2013-05-03
كتب علي البقاعي

قبل سنتين بالتمام والكمال أي في الثاني من أيار 2011 ظهر الرئيس الأميركي باراك أوباما على شاشات التلفزيون الأميركية والعالمية وعلى وجهه علامات الغبطة والفرح والحبور والبهجة والإنشراح والسعادة والسرور، معلناً للعالم أن بلاده سجلت الضربة القاضية على الإرهاب العالمي إذ تمكنت من قتل زعيم تنظيم القاعدة، المواطن السعودي أسامة بن لادن.
في أربعين دقيقة فقط تمكنت مجموعة من القوات الأميركية الخاصة، وفي عملية نوعية مذهلة الدقة والسرعة، من القضاء على أسامة بن لادن وهو يشاهد التلفزيون في مخبأه (كأنه كان ينتظرهم) في مدينة أبوت أباد في باكستان. العملية التي حملت إسم «جيرونيمو» زعيم قبيلة الأباتشي من «الهنود الحمر» تفوّقت من حيث الإعداد والتنفيذ والإخراج على كل ما أخرجته وأنتجته أستديوات هوليوود الأميركية من أفلام تجسس وعنف وعمليات خاصة واغتيالات مثل «رامبو» و»تيرميناتر» و»سوبرمان» و»آيرنمان» و»مهمة مستحيلة» و»جيمس بوند».
أربعون دقيقة كانت كافية لإنهاء كابوس الإرهاب والترويع الذي فرضته الإدارات الأميركية المتعاقبة منذ اكثر من 40 سنة على الشعب الأميركي. أربعون دقيقة فقط مكّنت الدولة الرائدة في تطبيق الديمقراطية ونشرها وفرضها في العالم من القضاء على «أخطر إرهابي في الوجود» ووضع نهاية للكابوس الذي كانت، أي الإدارة الأميركية، تخيف به حلفاءها الأوروبيين وملوك وأمراء وشيوخ محمياتها في جزيرة العرب وما تبقى من جمهوريات وممالك الموز المصطنعة.
السؤال اليوم، بعد سنتين على غياب بن لادن عن الساحة الدولية: «هل غيرت الولايات المتحدة قواعد الإشتباك مع «القاعدة»؟ هل كان قتل الشيخ أسامة بن لادن الذي يرقد، بحسب زعم الإدارة الأميركية الآن في قاع المحيط، نهاية للحرب على الإرهاب أم مرحلة جديدة منه؟ وهل انقلب العداء بين «القاعدة» إلى تحالف مع ما تبقى من «القاعدة» أو «الجهاديين السلفيين» كما يسمّون أنفسهم ويقاتلون في سورية؟
الجواب أنه أصبح من المؤكد أن الولايات المتحدة غيرت إستراتيجيتها في الحرب ضد «الإرهاب« بالتحالف معه بعد غياب بن لادن، وأن حروب الولايات المتحدة المقبلة ستكون حروباً داخلية أهلية ضمن الدول التي تعتبرها «مارقة« بعدما عقدت صفقة ما في تاريخ ما وفي مكان ما. إذ يكفي أن تعلن الولايات المتحدة عبر «مفتي الناتو« ورئيس الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين، المليونير يوسف القرضاوي الجاهز للفتوى، الجهاد في بقعة من بقاع العالم مع جهوزية تامة في قطر والسعودية لدفع كامل مستلزمات عملية «الدمقرطة« الجديدة التي تقررها الولايات المتحدة، حتى يهب المتطوعون الجهاديون هبة رجل واحد لأجل نصرة الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.
تلك هي الحال في سورية منذ نحو سنتين، أي منذ غياب بن لادن. الولايات المتحدة قررت أن سورية هي أرض «الجهاد« والقرضاوي الجاهز أبداً أفتى بالجهاد والقتل وسفك الدماء و«قتل خمس الشعب السوري«، ودولتا النفط والغاز وقعتا على شيكات التمويل من دون مراجعة كونهما ملتزمتين بالتلبية. وتتمّ عملية التطوع، وهذا الجزء الأسهل من عملية التعبئة ضد سورية، بوجود قناتي «الجزيرة« و«العربية« وبضع من أخواتها في لبنان والعالم العربي والكثير من دول العالم بمختلف اللغات المحكية والمكتوبة.
الفرق الأكبر في الحليف الجديد لأميركا هو أن العدو هذه المرة هو سورية بشعبها وطوائفها وحضارتها ومدنها ومزاراتها ومساجدها وكنائسها. العدو المشترك اليوم هو سورية بقيادتها وممانعتها وصمودها وشموخها وإبائها واقتصادها وثقافتها وتاريخها وثباتها وانتمائها ورفضها الاستسلام والتخلي عن قضايا الأمة القومية. وهذا يرضي «إسرائيل« أولاً وأخيراً. منظمات كثيرة كانت جاهزة لأن تصبح حليفة للولايات المتحدة، رائدة الحرية وحقوق الإنسان بلا أي جهد. منظمات يحمل معظمها إن لم يكن كلها فكر و»القاعدة» ومبادئها وأهدافها وعناصرها يمتهنون أساليب القتل والذبح والتفجير ذاتها، كما كانت القاعدة.
الحلفاء الجدد للولايات المتحدة هم أصدقاء مؤتمنون على ما يوكل إليهم من دون رقابة. إنهم «مقاتلو الحرية« الجدد، أعداء الأمس بأسماء جديدة غير إسم «القاعدة«. ليكن الإسم الجديد «جبهة النصرة في بلاد الشام« ولتكن لها أخوات وإخوة يحملون فكر «القاعدة« التكفيري لكن بمسميات مختلفة وفق المهمة الموكلة إليهم مثل «الجيش الحر« و«أحرار الشام« و«كتائب الصحابة« و«لواء الإسلام« و«كتائب الفاروق« و«كتائب الفرقان« وكتائب «أم المؤمنين « وعشرات المسميات الأخرى، وينضم إليهم ألوف المرتزقة الذين غادروا بلدانهم بجوازات شرعية مدموغة بأختام مطاراتهم الأميركية والأسترالية والأوروبية والعربية والأفريقية، إضافة إلى ألوف الليبيين والسعوديين والقطرييين واليمنيين والأتراك والأردنيين والعراقيين واللبنانيين الشيشان والأفغان الذين قدموا برّاً وبحراً وعبر الجبال من غير جوازات سفر (خلسة) لأجل «الجهاد« في بلاد الشام، ناسين أو متناسين عدوهم الأول والأكبر «إسرائيل« وحاميتها الولايات المتحدة التي قتلت زعيمهم بن لادن وألقت جثته في البحر طعماً لأسماك القرش .
بورك للولايات المتحدة وحلف الناتو الحلفاء الجدد الذين يحلو لي أن أطلق عليهم «الحميديون«، نسبة إلى الممول الأول، أمير قطر حمد بن خليفة آل ثاني ووزيره الأول حمد بن جاسم أو «البندريون« نسبة إلى رجل المخابرات السعودي الأميركي الأمير بندر بن سلطان.
للتذكير فقط، الغرهابيون التسعة عشر الذين خطفوا الطائرات الأميركية يوم 11 سبتمبر 2001 وفجروا برجي التجارة في نيويورك ومبنى وزارة الدفاع البنتاغون في فرجينيا لم يكونوا سوريين، بل معظمهم من عائلات سعودية عريقة تكنّ الولاء لآل سعود، وبن لادن هو مواطن سعودي المولد والتربية والإيمان على المذهب الوهابي، مصدر الإلهام الروحي لكل الحركات والمنظمات التي تقاتل تحت لواء «الحرية« في سورية اليوم.
"المصدر: صحيفة "البناء