بقلم: العميد أمين حطيط
عندما يحلّل المراقب ما تسارع من مواقف ووقائع ميدانية محيطة، أو ذات صلة بالأزمة السورية، يكون ملزماً بالبحث عن الاتجاه الذي سلكته تلك الأزمة، وستكون الأيام المقبلة مجالاً لظهوره بشكل علني أكثر وضوحاً، وهنا لا بد من التوقّف عند أمور ملفتة أهمها:
أن تعلن الأمانة العامة للأمم المتحدة، المعروفة التبعية والولاء لأميركا، تبعية وصلت إلى حدّ الظن بأن الأمين العام للأمم المتحدة هو أحد موظفي الخارجية الأميركية، من غير الفئة الأولى، أن المجموعات المسلحة في سورية تتلقى السلاح بشكل أساسي من مخازن ليبيا عبر تركيا وشمال لبنان، وهو إعلان ملفت، لانه يحمّل لبنان وتركيا وبشكل مباشر تبعة تسليح الإرهاب في سورية، والكل يعلم موقع هاتين الدولتين في السياسة الأميركية.
ان تسارع «جبهة النصرة» للمبايعة العلنية لأيمن الظواهري – المسؤول الأول في القاعدة – باعتباره أميرها، وتأكيد انتمائها البنيوي والعضوي لتنظيم القاعدة التي أعلنت أميركا الحرب عليها باعتبارها رأس الإرهاب في العالم ونظمت ضدها الحملات العسكرية في معرض محاربة الإرهاب، رغم ان الحقيقة التي اعترفت بها أميركا نفسها، انها هي من أسّس ونظم واستعمل هذا التنظيم القائم على الفكر التكفيري الإقصائي الإلغائي، واعتمد من أجل تشويه الخط المقاوم المستند إلى الفكر الإسلامي الحركي الإنساني، فاعتمدت القاعدة لخلط المقاومة بالارهاب الذي يمارس ضد الإنسان – اي إنسان لا يكون من أتباع هذا الفكر ما يبرر قتاله. فأميركا أسست تنظيم القاعدة، وأعلنت الحرب عليه، والآن تلحق «النصرة» بالقاعدة لتكون أيضا مشمولة نظرياً بالحرب الأميركية، ما يبرر تراجع علني لأميركا عن دعمها في سورية.
ان يستدعي أوباما ثنائي تنفيذ العدوان على سورية بوجهه الميداني والاعلامي والتمويلي ( قطر وتركيا) بعد شهر واحد من الانطلاق في تنفيذ خطته المعروفة بـ»خطة أوباما»، التي شاءها صاحبها ان تكون الرصاصة الأخيرة القاتلة لسورية، والتي تمكنه من إحياء المشروع الأميركي في المنطقة، استدعاء واكبته الصحافة الغربية والأميركية بحديث عن ضيق وغضب ولوم أميركي للأدوات التنفيذية، بسبب عجزها عن توفير فرص النجاح المطلوب للخطة التدميرية الأميركية.
ان يحقق الجيش السوري إنجازات ميدانية مذهلة في مناطق دمشق ودير الزور وحمص وإدلب، إنجازات صعقت المعتدين، وجعلت العاقل منهم يعيد الحسابات في جدوى المتابعة ودفعت آخرين من أرباب القتل والإجرام والإرهاب إلى شن العمليات الإرهابية الانتحارية التي استهدفت المدنيين في دمشق وادلب.
ب. يحصل كل ذلك، في ظل رسم خريطة للمسلحين في سورية تظهر أحجامهم وأوزانهم، كما حدّدت او روّجت الجهات الغربية المعنية بالصراع الكوني على سورية، خريطة أظهرت ان هذه الجماعات تعمل تحت عناوين عدّة، وهي:
تنظيمات جماعة الإخوان المسلمين: وهي صاحبة المشروع الرئيسي في الأزمة السورية، والتي تتطلع عبر الصفقة المعقودة مع الغرب، للاستيلاء على الحكم، وقد سارعت هذه الجماعة إلى عسكرة الحراك السوري المناهض للنظام وأطلقت الخلايا المسلحة وأنشأت الكتائب والألوية والأفواج تحت تسميات إسلامية شتى، لكنها لم تصل في قدراتها إلى السيطرة العسكرية المحكمة على اي منطقة في سورية، ولا يقدّر لها ذلك، حتى ولو طال الأمر لسنوات إضافية عدّة.
جبهة النصرة: وهي الأكثر تنظيما، وأفرادها هم الأكثر شراسة واحترافا واستماتة في القتال، وهي التي استطاعت ان تجمع في صفوفها مسلحين نسبتهم الغالبة من غير السوريين، وبالتالي فانها لا تملك حظوظاً او فرصاً حقيقية للوصول إلى السلطة وتقديم البديل عن النظام السوري القائم. فهي جماعات تستطيع ان تقتل وتدمّر ولكنها لا يمكن ان تحكم.
الجيش السوري الحر: وهو عنوان فضفاض، تعمل تحته جماعات وخلايا غير مترابطة ولا تتبع لقيادة واحدة وكفاءاتها القتالية محدودة، ومعظم أفراد هذا الجيش من غير العسكريين (العسكريون لا يتعدون نسبة الـ 15 %)، وبالتالي فإن فرص نجاحه في الوصول إلى السلطة محدودة جدا، لا بل يمكن القول بان الواقع والمتغيرات الميدانية والدولية لا تترك له مجالا للتفكير بوضع اليد على الحكم وجلّ ما يمكنه فعله هو الالتحاق بجماعة الإخوان المسلمين ليكون جزءا من أدواتهم العسكرية في المرحلة السابقة لانتهاء الازمة، وبعد ذلك كل جزء يكون في طريق، ولا يكون لهذا المكون غير المنظم حظ في البقاء والمكاسب.
المسلحون الأكراد: الذين يتسارع تنظيمهم الشعبي، ولكن دون ان يتجاوز مناطقهم، وبالتالي فان سقفهم وطموحهم لا يتعدّى تلك المناطق.
و يبقى المسلحون المحليون الذين استفادوا من اختلال الأمن والاستقرار، فلجأوا إلى السلاح وإقامة الخلايا الإجرامية الصغيرة التي لا همّ لها سوى القيام بأعمال السلب والسطو والنهب وتنفيذ بعض عمليات القتال، وقد توسعت دائرة هؤلاء إلى الحد الذي بات الحديث عن أعداداهم يصل إلى القول بانه يلامس الـ 5000 مسلح ان لم يتعدّه إلى 7000.
في ظل هذه الخريطة تدرك أميركا بأن تحقيق أهدافها عبر الحلّ العسكري الإرهابي باتت شبه معدومة، وبان مصلحتها الآن تفرض التهيئة الجدّية لعمل اخر ينقذ مصالحها، عمل لا يكون القتال والإرهاب طريقه الوحيد كما حصل حتى الآن، كما ان أميركا ومن باب الأزمة مع كوريا وتصاعد حدّة السلوك العسكري الروسي، باتت تدرك بان مواقعها في العالم بدأت تتزعزع، وليس سهلا عليها وهي من كانت تمني النفس ان تحكم العالم في نظام أحادي القطبية، ان تضطر لإلغاء إطلاق صاروخ حتى لا تستفز الآخرين وتتسبب بمواجهة لن تكون في مصلحتها على الأقل معنوياً، لكل ذلك نرى بان أميركا هي التي أوعزت بحصول ما ذكر من إعلان ودفعت الأمور إلى هذا المستوى من أجل إنشاء بيئة تمكنها من التراجع عن خطة اوباما، ويشكل مستند تبرير متصل بما تعلنه من حربها على الإرهاب، فهل يكون في هذا الدخان ستار يحجب التراجع الأميركي عن الأنظار، وعملا يفتح الطريق أمام سلوك جدّي صادق تلتزمه أميركا في حزيران المقبل، لوضع قطار الحل السلمي على سكته الآمنة؟.
عن صحيفة "البناء"