دشنت إسرائيل رسمياً وعملياً عهداً جديداً من الاستقلالية والحرية في ميدان الطاقة، الذي كان في نظرها أحد مرابض «عبودية» العالم للعرب ممن كانوا يملكون الكثير من موارده. وتزامن ضخ الغاز من حقل «تمار» إلى الشاطئ ـ عبر منصة انتقالية في عرض البحر قبالة عسقلان وأسدود ـ مع عيد الفصح اليهودي، لتطلق بذلك تعابير الفرح بالتحرر من عبودية الطاقة في ذكرى التحرر من العبودية التوراتية من مصر. وأطلق كبار قادة إسرائيل، من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو إلى الرئيس شمعون بيريز، صيحات الفرحة ابتهاجاً بهذا الإنجاز الذي أفسحت له الصحف اليومية عناوينها الرئيسية.
وبعد أربع سنوات على اكتشاف الغاز في حقل «تمار»، تم يوم السبت الماضي الضغط على زر تشغيل عملية ضخ الغاز من حقل «تمار» إلى الشاطئ. وقد استغرقت عملية وصول الغاز إلى محطة أسدود ما لا يقل عن 20 ساعة، حيث ينتظر أن تبدأ في المسير في خط الغاز القطري الذي يغذي معامل انتاج الكهرباء والعديد من كبريات المصانع على الساحل وصولاً إلى حيفا، وفي العمق وصولاً إلى معامل الفوسفات على البحر الميت.
ويقع حقل «تمار» على بعد 90 كيلومتراً غرب حيفا، حيث انطلق منه خط تحت بحري بطول 150 كيلومتراً وبسعة 16 إنشاً إلى منصة تقع جنوب غرب أسدود لتتصل بمنصة «يام تاطيس»، التي كانت تضخ الغاز المصري والغاز المكتشف في حقل قريب. ومعروف أن مصر أوقفت ضخ الغاز إلى إسرائيل بقرار سيادي. كما أن الغاز من حقل «يام تاطيس» نفد بسرعة، ما أوقع قطاع الطاقة الإسرائيلي في مأزق قاد إلى رفع أسعار الغاز، وإلى استيراد السائل منه بتكلفة عالية. وكانت شركة الكهرباء قد تضررت بمبلغ يقدر بـ15 مليار شيكل جراء تحويل بعض معاملها من الاعتماد على الغاز المصري إلى الاعتماد على السولار. وتقدر الخسائر بسبب أسعار الغاز فقط بحوالى 12 مليار شيكل وثلاث مليارات شيكل تكلفة أضرار بيئية وأجهزة تحويل. وقد اضطرت شركة الكهرباء لزيادة ميزانية شراء الوقود العام 2012 فقط بـ8,5 مليارات شيكل، ما زاد من دَينِها العام ليصل إلى 75 مليار شيكل.
وفي كل حال تقدر وزارة المالية الإسرائيلية عائداتها من الغاز بـ150 مليار شيكل بين الـ25 أو30 سنة المقبلة. ويبلغ عمق حفريات آبار حقل «تمار» خمسة آلاف متر تحت قعر البحر، في حين تحوي هذه الآبار 280 مليار كوب من الغاز. وتجدر الإشارة إلى أن حقل «تمار» يحتوي على خمس آبار تقع رؤوسها على عمق 1600 متر عن سطح البحر، وترتبط هذه الرؤوس بأنبوب تحت بحري مزدوج يمتد مسافة 150 كيلومتراً إلى منصة «تمار» الواقعة قبالة شاطئ أسدود. وتقوم منصة معالجة الغاز قبالة أسدود بضخ الغاز إلى منصة أخرى مرتبطة بالشاطئ بخط الغاز القطري.
ويُتوقع أن يكفي الغاز المتوفر في حقل «تمار» احتياجات إسرائيل من الطاقة على الأقل في العقدين أو الثلاثة عقود المقبلة. غير أن ضخ الغاز من موقع واحد قريب من الحدود اللبنانية إلى محطة واحدة قريبة من الحدود مع قطاع غزة يضع قطاع الطاقة الإسرائيلي في موضع مخاطرة كبيرة.
وبحسب كل التقديرات، فإن ضخ الغاز من حقل «تمار» إلى قطاع الطاقة الإسرائيلية يقلص بشكل واضح تكلفة استيراد النفط المقدرة بحوالى مليار شيكل شهرياً (ربع مليار دولار) بنسبة كبيرة. وكان متوقعاً رفع سعر الكهرباء بنسبة 6,5 في المئة في الأيام القريبة، إلا أن انتظام ضخ الغاز من «تمار» يمكن أن يمنع هذه الزيادة، وربما يخفض سعر الكهرباء بعد حوالى عام. ويُتوقع أن تكسب الخزينة الإسرائيلية مباشرة من عائدات استخراج الغاز بضع مئات الملايين من الشواكل سنوياً في العامين المقبلين، لكن هذه العائدات سترتفع إلى حوالى مليار شيكل سنوياً ابتداء من العام 2016. ووفق التقديرات فإن الغاز سيسهم في العامين القريبين في نمو الناتج القومي العام بنسبة واحد إلى اثنين في المئة.
ويُعتبر الغاز، فضلاً عن كونه مورداً اقتصادياً أداة سياسية. كما عانت إسرائيل من قطع الغاز مع مصر بعد سقوط نظام الرئيس حسني مبارك. وتتطلع الأردن والسلطة الفلسطينية في رام الله، وكذلك قبرص للتعاون مع إسرائيل في مجال الغاز. وللغاز ثلاث فوائد مركزية على الاقتصاد الإسرائيلي: أرخص كثيراً من السولار (حوالى خمس التكلفة)؛ أنظف بيئياً بنسبة 90 في المئة؛ وهو مورد إسرائيلي أيضاً.
وربما لهذه الأسباب تدافع القادة الإسرائيليون للإعراب عن ابتهاجهم بتدفقه. فوزير الطاقة سيلفان شالوم كان أول من أعلن أن «هذا عيد استقلال وحرية طاقة»، معتبراً يوم ضخ الغاز «يوماً تاريخياً». كما أن كبير الشركاء الإسرائيليين مع «نوبل إنرجي»، رئيس شركة «ديلك» اسحق تشوفا أعلن أن ضخ الغاز يجعل من إسرائيل «لاعباً دولياً مهما»، في إشارة إلى الرغبة في تصدير الغاز وليس الاكتفاء ببيعه للشركات الإسرائيلية. وتجدر الإشارة إلى أن شراكة «تمار» وقعت حتى الآن على عقود بيع غاز بمبلغ يقدر بـ35 مليار دولار على امتداد السنوات الـ15 المقبلة.
من جهته، قال نتنياهو إن «هذا يوم مهم لاقتصاد إسرائيل. في عيد الحرية نخطو خطوة إضافية نحو الاستقلال في مجال الطاقة. في العقد الأخير طورنا قطاع الغاز في إسرائيل، الأمر الذي سيحسن اقتصاد إسرائيل، وكل مواطني إسرائيل». أما وزير شؤون الاستخبارات والإستراتيجية يوفــال شتاينتس فاعتبر أن «ضخ الغاز من تمار ســيوفر لإســرائيل ليس فقط طاقة رخيصة ونظــيفة، وإنما مداخيل هائلة خلال الـ25 سنة المقبلة بقيمة 450 مليار شيكل بأسعار اليوم».
وقد أفرط الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز في الثناء على ضخ الغاز، وعلى اسحق تشوفا الذي وصفه بأنه «ملتزم بأداء فرائضه» جراء جهده لإنجاح مشروع الغاز. وفي نظر بيريز كان تشوفا من «عاند وأصر وبحث ووجد شركة أميركية، حينما لم يتشجع أحد على القدوم إلى هنا والحفر. قام هو وفعل ذلك، وهذا يسجل في خانته».
حلمي موسى/ صحيفة "السفير" اللبنانية