2025-01-12 01:01 ص

“موسم الحج” إلى دمشق..

2025-01-11

منذ الثامن من كانون أول الماضي، بدأت دمشق تشهد تدفقًا غير مسبوق من الوفود العربية والدولية، في ما وصفه مراقبون بـ”موسم حج” سياسي ودبلوماسي إلى العاصمة السورية. هذا الزحف الكبير من المسؤولين جاء إثر سقوط نظام بشار الأسد، وسط تغيرات كبيرة في المشهد السياسي الإقليمي.

الزوار والرسائل المختلفة

الوفود التي توالت على دمشق تنوعت بين زيارات رسمية وأخرى سرية، واتصالات هاتفية بين القادة، فيما تزايدت الدعوات للقيادة السورية الجديدة لزيارة العواصم المختلفة. بين هذه الوفود، كانت هناك “مبالغات” من جانب البعض في تفسير هذه الزيارات والتكهن بالرسائل التي تحملها، الأمر الذي يكشف عن مساعٍ للهيمنة على مرحلة جديدة في المنطقة، حسب ما يرى الكاتب عريب الرنتاوي، مدير مركز القدس للدراسات السياسية.

وقال الرنتاوي في مقاله: “منذ السابع من ديسمبر، بدأت دمشق تستقطب الوفود السياسية من مختلف أنحاء العالم، إذ يسعى كل طرف للحصول على ‘السباق’ في العلاقات مع القيادة الجديدة في سوريا، معتبراً أن هذا الحراك الدبلوماسي هو جزء من صراع على النفوذ الإقليمي.”

الضمانات المطلوبة: خمسة نقاط محورية

الرنتاوي يشير إلى أن الزوار يطالبون بضمانات متعددة تتصدر أولوياتهم:

نزع الطابع الإسلامي عن الحكم: العديد من الوفود تسعى إلى “تخفيف” الطابع الإسلامي للحكم الجديد في سوريا، مطالبين بانتقال سياسي “شامل” يحافظ على حقوق الأقليات، وهو ما يراه الرنتاوي “تكتيكًا مخادعًا” يستخدمه الغرب لضمان مصالحه في المنطقة.

منع النفوذ الإيراني: تعتبر مسألة منع إيران من التغلغل مجددًا في سوريا، وتحديدًا في الدعم العسكري لحزب الله، من أولويات معظم الوفود، لاسيما الغربية منها، حيث تعتبر هذه ضمانة أساسية لإعادة ترتيب العلاقات في المنطقة، مع التركيز على تحجيم النفوذ الإيراني.

التخلص من الوجود الروسي: هناك حماسة خاصة لدى بعض الدول الأوروبية، مثل ألمانيا وبريطانيا، للمطالبة بخروج الوجود الروسي من سوريا. الرنتاوي يشير إلى أن هذه المواقف قد تكون مدفوعة بتغييرات في السياسة الإقليمية، حيث لا ترغب هذه الدول في أن تشهد سوريا تزايدًا في النفوذ الروسي بعد تراجع المواقف الإيرانية.

القلق من الدور التركي: العلاقة مع تركيا تُعتبر مسألة حساسة لبعض الدول العربية، التي لا ترغب في رؤية سوريا تقع تحت “نظام عثماني جديد”. التوازن الجيوسياسي في المنطقة يلعب دورًا رئيسيًا في هذه الحسابات، حيث تخشى بعض الأطراف من زيادة النفوذ التركي في سوريا على حساب أدوار أخرى.

مصالح دول أخرى: من بين المصالح التي تسعى بعض الدول لتحقيقها من خلال التغيير السياسي في سوريا، يشير الرنتاوي إلى قضايا متعلقة بالأمن والمخدرات، حيث تسعى دول مثل الأردن ودول خليجية لضمان وقف تهريب الأسلحة والمخدرات عبر الحدود السورية.

الاستراتيجيات والتحديات

في ظل هذه التحركات السياسية المكثفة، تبدو القيادة السورية الجديدة أمام تحديات كبيرة في التعامل مع هذه المطالب المتنوعة. مع تداخل المصالح المحلية والدولية، يصبح الانتقال السياسي في سوريا مهمة محفوفة بالمخاطر، كما يضيف الرنتاوي: “القيادة السورية الجديدة مطالبة بإتقان فن السير على حبل مشدود فوق حقلٍ من الألغام، حيث يكون خطأ واحد قد يودي بكل شيء.”

الرنتاوي يؤكد أن هذه التحركات السياسية لن تتوقف إلا عند تحقيق التوازن بين جميع القوى الفاعلة في المنطقة، مع الإشارة إلى أن سوريا، برغم ما مرّ بها من صراعات، ستظل نقطة محورية في خريطة الشرق الأوسط.

ويبدو أن “موسم الحج” إلى دمشق لن يكون مجرد فترات من الزيارات البروتوكولية، بل سيشكل مرحلة سياسية معقدة تُختبر خلالها قدرة القيادة السورية الجديدة على المناورة والتعامل مع التحديات السياسية والضغوط الدولية.

المصدر: الجزيرة نت