2025-01-10 05:08 م

سأكسر جرة ، بل قل جرتين ، ثلاثة ، أربعة

2025-01-10

بقلم: حمدي فراج
نحن في فلسطين نسميها "شربة" التي كنا نضع فيها الماء لكي نشرب منها وقت الحاجة ، المصريون يسمونها "قلّة" ، و جمعها "قلل" ، و هي مصنوعة من الفخار كي تبقى مياهها باردة جراء تبخره من المسامات ، و يقال ان تاريخ صناعتها يعود الى الفراعنة ، و لهذا لربما تغنى بها المصريون ، بديع خيري و سيد درويش (البحر بيضحك ليه ، و أنا نازلة أدلّع أملا القلل) ، حتى جاء نجيب سرور و الشيخ إمام (البحر غضبان ما بيضحكش ، أصل الحكاية ما ضحكش ، قللنا فخّارها إناوي، بتقول حكاوي وغناوي ، يا قلّة الذل أنا ناوي ، ما أشرب ولو فى الميّه عسل) .

أما نحن في فلسطين فنكسرها خلف شخص كريه يغادرنا ، تعبيرا عن فرح ينتابنا جراء مغادرته ، بعد ان يكون قد أثقل كاهلنا بممارساته السيئة الظالمة ، حقبة طويلة .

بعد نحو أسبوعين ، سيغادرنا الرئيس الأمريكي جو بايدن ، ففكرت أول ما فكرت ان أكسر خلفه "شربة" ، فالرجل كان صهيونيا أكثر من الصهيونية ، و يداه ملطختان بدماء نحو خمسين ألف فلسطيني و أكثر من ضعفهم جرحى و مصابين ، في أرضية من مليوني انسان حزنا و ألما و عذابا جراء الموت و الدمار و النزوح و التجويع و التطبيب و الخيام الجديدة  في مساحة مفتوحة من الزمن استمرت حتى آخر أسبوع من ولايته السوداء ، ممهورة بثماني مليارات دولار من مجموع 42 مليارا ، يتخللها حقارات يتحملها الناخب  الأمريكي الذي جاء بهذا المراوغ الهرم الى سدة العالم ؛ يلحس البوظة أمام أطفال غزة الذين كانوا يكتبون أسماءهم على اطرافهم ، "قتلنا في زمن بايدن" و الهرولة الدائمة كما لو انه شاب في مقتبل العمر حتى انه سقط عن سلم طائرة واحدة اربع مرات .  ولكن من أين لي هذه "الشربة" التي لم يعد الناس يقتنونها لشيوع الثلاجات ، و تذكرت ان الناس في معظم الأقطار العربية ، كسروا مثل هذه الشربة في انتهاء "مغادرة" العام 2020 الذي قتل منهم الملايين جراء الكورونا تزامنا مع "مغادرة" دونالد ترامب للبيت الأبيض ، وواضح ان تلك المغادرة لم تكن نهائية ، فها هو يعود من جديد ، بعد ان منح القدس كلها لإسرائيل ، شرّع الاستيطان ، ألغى اللاجئين ووكالتهم الدولية بدعوى أنه لم يتبق منهم على قيد الحياة سوى بضعة آلاف ، عدا عن وضع يده على مقدرات العرب و أموالهم فاقتنص منهم في زيارة واحدة نحو نصف ترليون دولار .

للحصول على "الجرة" قررت التوجه الى الخليل ، حيث ما تزال الصناعات التراثية ممكنة ، فأشتري أربع جرات ، الأولى لبايدن ، و الثانية لترامب بعد اربع سنوات ، لكن الثالثة بأثر رجعي لبشار الأسد الذي خذل الشعب السوري و الفلسطيني و باقي شعوب الامة قاطبة ، و الرابعة خلف منظمة التحرير التي جنحت لسلم مزيف خادع مشوّه ، قايضت فيه ثورتها ، رأس حربة حركات التحرر في العالم ، بالدولة ، فلا على دولة حصلت ، و لا على ثورة أبقت ، و سألت نفسي ، لماذا لا اشتري جرة خامسة  من باب الاحتياط .

المصدر: وطن