بقلم: فؤاد البطاينة
هناك إمعان في التوظيف السياسي للدين في أقطارنا من قبل الصهيو أمريكي. توظيف مدمر وأخيراً في سورية. وهناك استهداف أخر داخلي يردف التوظيف لذات الدين، ترعاه المستويات الرسمية العربية، حتى أصبح استعداء الإسلام والإسلاميين أكبر وسيلة تتخذها الطبقة السياسية الوصولية والأحزاب القومية واليسارية للنفاق للأنظمة، وهي تعلم بأنه يمثل عقيدتنا وثقافتنا وهويتنا، وتعلم بأننا نُحارَب ونُقتل كعرب لكوننا نحمل هذه الهوية أو ولدنا بها .
نحن أمة محاصرة بالدكتاتوريات الفاسدة ونُحارَب بها، حرباً على الديمقراطية والوعي وحقوق الأنسان، ولأسر عقولنا وتوجيه سلوكنا بكل الوسائل حتى بمصطلحات وعناوين الديمقراطية ذاتها بمضامين زائفة. الشعوب العربية مستهدفة بموروثها الثقافي والتاريخي والسيادي وبإخضاعها لكل المفاهيم السياسية الإستعبادية الظلامية البائدة مع عصورها، والتي طوى الغرب وشعوبه صفحتها وداست شعوب العالم عليها. لقد بدأت حالتنا على خلفية استعمارية وتتطور اليوم على خلفية محونا عن الخارطتين الجغرافية والتاريخية، وليخجل من نفسه كل من يرمي المسؤولية على حكام خونة أو جهلة كانوا، وينسى نفسه والشعوب .
الخطر الوجودي على الأنظمة العربية وشعوبها وأوطانها ودولها، هو في تزاوج السردية التوراتية مع الإمبريالية العالمية واتخاذ الغرب من الكيان المحتل لفلسطين قاعدة عسكرية هجومية باسم دولة. وليس الخطر من الإسلام كما صُوِّرَ أو تصوروه .
وعلى القيادة الأردنية أن تنظر للتطورات المحيطة بعين قارئة وحذر. فالظروف العسكرية الميدانية الجارية منذ عام في المنطقة بما تمخضت عنه في لبنان وصولاً إلى سورية وما سيتبعها، هي في إطار تنفيذ أطماع ذاك التزاوج . فأصحابه بصدد استثمار قوة التسارع لاستكمال المهمة في الوطن العربي . والأردن مرشح قوي ومعلن، واستعانتهم بالإرهاب المشار إليه وارد. وهم في طور الإبتزاز به.
من يحرس الحدود السورية شمالاً مع الأردن الآن هم عسكر الكيان ومعهم طيف من قيادات الإرهاب الذين من أجل ابعادهم عن حدودنا انضممنا للتحالف المتآمر. كما أن حدودنا الغربية مع فلسطين متروسة الآن بجند وآليات الكيان في حالة الهجوم علينا وليس الدفاع. فالنار على أبوابنا وليس أمامها سوى الهشيم الجاف وصبابو الزيت عليها في القواعد، ومن هم بين ظهرانينا. ومصطلح أخذنا بالمفاجأة… سقط .
استراتيجية العدو في إخضاع الأنظمة العربية أو إسقاطها وتسليم دولنا بأيدينا كشعوب للعدو بسلاسة بل وبترحيب، تقوم على صنع وبث كل وسائل الضغط على الشعوب على يد أنظمتها وأجهزتها لفصل الشعوب عن حكامها وتأليبها عليهم، لترسيخ مفهوم أن الخلاص لهذه الشعوب هو بزوال هؤلاء الحكام أولاً. وفي الطريق يتم تخريب وتفكيك جبهاتنا الداخلية ووحدتها .
والأردن مستهدف بهذه الإستراتيجية الإستعمارية دون توقف . كنظام وُضع تحت الإبتزاز الإقتصادي والأمني منذ نشأته، وكشعب أُخضع للضغوطات على يد النظام معيشياً اقتصاديا ضريبياً وأمنياً، وفي حقوق المواطنة وحرية التعبير عن الرأي وتكميم الأفواه وكسر الأقلام، رهن الحبس والرمي في السجون بدون مراعاة للدستور والقانون ولطبيعة التهمة أو لحالة السجين الصحية والإجتماعية . وخاصة عندما لا تتعلق التهمة بعمل عنفي يخل بأمن الدولة أو النظام
ولا أقارن هنا بين ما يجري في الأردن بهذا الصدد، وبين دولة أخرى نظامها عسكري انقلابي كان أو مدنياً متورطاً بحرب داخلية وخارجية، ولا أبرر لتلك الأنظمة ظلمها والذبح على الهوية والإبادة الجماعية لمواطنيها تحت أي ظرف أو سبب، ولكنها مقارنة مضللة. لأن المحك هو الظرف السياسي والأمني للدولة. والذي لا يتطلب ما يجري في الأردن أن يجري بأي معيار، كنظام لا متحدي لقيادته وليس من رافض لوجودها من شعبها، وليس من جهة خارجية تستهدفها وتستهدف شعبها ووطنه سوى الأمرو- إسرائيلي.
أعتقد بأن النظام الأردني قد وصل في علاقاته مع الصهيو أمريكي لمرحلة متقدمة، يتغلغل فيها هذا العدو عسكرياً وأمنياً واقتصاديا في الدولة، ولهذا لا أعتقد بأنه في وضع يستطيع معه فعل شيء مواجه مؤثر وآمن غير التوجه للجبهة الداخلية وتماسكها مع نفسها ومع النظام، والتصالح مع الشعب كشعب واحد لا شعبين، برفع الظلم الإجتماعي والقيمي والدستوري والأنساني عنه، بإشارة من النظام على التغيير الممنهج يكون فيه الشعب مصدر القرار والسند للملك في المواجهة، إشارة تبدأ. بإخلاء سبيل كل سجين على خلفية سياسية قائمة على حرية الكلمة أو التظاهر.
والمثال العميق في هذا يتمثل بمواطنين سجينين من مكوني الشعب الواحد ظلما وتعال على الدستور والقانون. هما الصحفي والكاتب البارز الصادق فيما يكتب حرصاً على سلامة الدولة بمكوناتها الثلاثة، أحمد حسن الزعبي، والثاني هو عالم الرياضيات الاستاذ أيمن صندوقه الناشط السياسي والحريص على سلامة واستقرار الأردن والمنفي عن أهله في سجن الطفيلة منذ أكثر من سنة بدون حكم، وأطفاله وعائلته في عمان، وكلاهما دخلا في إضراب عن الطعام. وفي مُخيلتي أن يُزار معتقل شاب (صبري المشاعله) ويَطلب بنفسه من زائريه أن لا يزوروه لأنه شاب وغير متزوج، وأن يزوروا المساجين المرضى الذين تركوا خلفهم أطفالا ومسؤوليات.
وفي الختام، لا مجال ولا تفهم للصمت المطبق عملياً للنظام الأردني وحكومته على السواء، عن ما يحاك بالعلن والسر للأردن وعما يجري في فلسطين وعلى الحدود، وعما ننتظره من تصريحات ترامب ونتنياهو ووزرائه. الشعب يريد أن يعرف من يدير المشهد في الأردن، وعلى أي عتبة نقف الآن. على الحكومة أن تعلم بأنها بكل أعضائها ليست حكومة تصريف أعمال وليست ديكوراً، بل هي صاحبة المسؤولية الدستورية وتحت طائلة المُحاسبة.
كاتب عربي اردني
على أي عتبة يقف الأردن الآن..؟
2024-12-28