فجّرت تصريحات أدلى بها مقربون من رئيس الحكومة العراقية، جدلا واسعا في الأوساط السياسية، كونها تحدثت عن ضغوطات خارجية يتعرض لها العراق، من أجل حلّ الجماعات المسلحة، التي تأتي في سياق أحداث المنطقة، وخصوصا إسقاط نظام بشار الأسد في سوريا.
وتنقسم الجماعات المسلحة في العراق إلى قسمين، الأولى تنضوي تحت هيئة الحشد الشعبي المرتبطة برئيس الوزراء، وأخرى تطلق على نفسها "فصائل مقاومة"، تشن بين الحين والآخر هجمات؛ سواء على الوجود الأمريكي في العراق، أو ضد أهداف إسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
تهديد أمريكي
في تصريحات مثيرة، قال إبراهيم الصميدعي، المستشار السياسي لرئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني؛ إن الولايات المتحدة الأمريكية اشترطت على الحكومة العراقية، أنها إذا لم تفكك الفصائل المسلحة، فإن هذا الأمر سيتم بالقوة.
وأضاف الصميدعي خلال مقابلة تلفزيونية، الاثنين، أن "التفاهم السياسي مع الفصائل في مراحل متقدمة، وهناك نوع من الاستجابة. ما نحتاج إليه اليوم هو تفكيك الفصائل، فالمجتمع الدولي لن يقبل بعد الآن وجود ثنائية الدولة واللادولة في العراق".
وأكد أن مسألة حلّ الفصائل "ليست جديدة، بل هي اشتراط قديم فرضته الولايات المتحدة والدول الغربية على جميع الحكومات العراقية السابقة"، مؤكدا أن حلها "سيُفرض هذه المرة بشكل مختلف، إن لم نُستجب له طواعية وبإرادتنا، وقد يُفرض علينا من الخارج وبالقوة".
وشدد على ضرورة الذهاب إلى "المراجعة؛ فلا يمكن للعراق أن يبقى نصلا لمحور المقاومة بعد سقوط نظام الأسد وتراجع (حزب الله) في لبنان. علينا اليوم، ومن منطلق مسؤوليتنا الذاتية، مع الإخوة في الفصائل، أن نعيد التفكير في مسألة المبادرة إلى حلّ الفصائل ودمجها في الوضع السياسي".
وفي اليوم التالي، دعا المستشار الفني لرئيس الوزراء العراقي، محمد صاحب الدراجي، إلى ضرورة تغيير طريقة الحكم في النظام السياسي الحالي في العراق، وإذا لم تستجب القوى السياسيَّة لهذه المتغيرات، فقد تحصل تغيرات لا تتفق مع رؤية الطبقة السياسية الحالية.
وطالب الدراجي في مقال له نشرته صحيفة "الصباح" الرسمية، بوجوب التفكير جديّا بتغيير أسلوب الحكم وطريقة إدارة الدولة، والتحول إلى المؤسساتيَّة فورا وقطع الطريق على أي مخططات شريرة تجاه شعبنا وبلدنا، والتعامل مع المتغيرات ببراغماتيَّة حقيقيَّة.
وحذر من "متغيرات مفاجئة لا يمكن التكهن بشكلها؛ سواء تكون اقتصادية أو أمنية أو سياسية خارجية، قد تأخذ شكل عاصفة دولارية أو إعصار إرهابي أو منخفض اقتصادي له تبعات جماهيرية داخلية، ستعيد رسم المشهد باستخدام ممثلين ومخرجين جدد، قد لا يكون للاعبين الأساسيين الآن فيه شيء".
بعد التصريحات اللافتة لمستشاريه، قال رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في مقابلة مع قناة العراقية، الخميس؛ إنه "لا يوجد أي شروط لحل الحشد الشعبي. وغير مسموح لأحد أن يطلب ذلك".
وبشأن الفصائل المسلحة، بين السوداني: "كان مقررا أن يعلن عن جدول زمني لحصر السلاح، وإنهاء أي وجود لأي مجاميع أو فصائل خارج نطاق المؤسسات الأمنية، بالتزامن مع الإعلان عن جدول انتهاء مهام قوات التحالف الدولي بالعراق".
"معركة مؤجلة"
وبشأن مدى استجابة الفصائل ونزع سلاحها، قال الخبير الأمني والاستراتيجي العراقي، مهند الجنابي، لـ"عربي21"؛ إن "هذه فرصة للحكومة الحالية كي تُجنب العراق أي ضربة محتملة على البلد، وكذلك فرض سيادة الدولة على كل الأطراف، وحصر السلاح بيدها".
ورأى الجنابي أن "الاستجابة من عدمه هي مسألة ليست متروكة للفصائل، وإنما أمر سيادي يتعلق بالأمن الوطني العراقي، وأن المعركة هذه مع الجماعات المسلحة مؤجلة من سنوات، وتحديدا بعد عام 2020 وحادثة مطار بغداد".
وفي مطلع كانون الثاني/ يناير 2020، اغتالت الولايات المتحدة الأمريكية، قائد فيلق القدس الإيراني السابق قاسم سليماني، ونائب رئيس الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس بغارة جوية قرب مطار بغداد الدولي.
وبحسب الجنابي، فإنه "منذ هذه الحادثة، بدأت الفصائل تتصرف خارج نطاق الدولة، وتتجاوز على السلطات الحصرية والاتحادية في البلد، وشاهدنا استهدفتهم مصالح وطنية في إقليم كردستان، والمعسكرات المرتبطة بالقوات المسلحة العراقية التي تستضيف قوات التحالف".
وتابع: "عملت هذه الفصائل على إجبار الحكومة- عن طريق الضغط- على فك العلاقة العسكرية بين بغداد وواشنطن. لذلك هي معركة مؤجلة، وكان يفترض أن تخوضها الحكومة السابقة برئاسة، مصطفى الكاظمي، لكن ربما نتيجة تقديرات خاصة بها لم تقم بالمعركة".
وأعرب الجنابي عن اعتقاده بأن "الدور حاليا يقع على عاتق رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، لأن يقوم بواجباته الدستورية، بالحفاظ على الأمن الوطني العراقي، وعدم تهديد السيادة الوطنية، لذلك على الحكومة لجم هذه المليشيات وإسكات سلاحها وحصره بيد الدولة".
"فك الارتباطات"
وعن التداخل الحاصل بين الحشد الشعبي والفصائل المسلحة، قال الجنابي؛ إن "رئيس هيئة الحشد، فالح الفياض، نفى في تصريحات سابقة وجود أي ارتباط للجماعات المسلحة بهم، وأكد أنها لا تنتمي إلى المؤسسة التي يرأسها، وأن ما تقوم به من أعمال يعبر عن نفسها".
وأردف الجنابي، قائلا: "لكن مسألة أن هذه الفصائل المسلحة لديها ألوية داخل الحشد الشعبي- وهي معروفة للجميع- وفي جانب آخر تمارس دور المقاومة، لا يمكن أن تستمر في ظل الضغوطات الحالية".
ودعا الخبير العراقي إلى "الذهاب باتجاه استقلالية الحشد الشعبي بشكل كامل عن أي ارتباطات، أو استلام أوامر من قيادات ثانوية، والتزام القيادات بأوامر وتعليمات الهيئة الرسمية"، إلى جانب ضرورة انضباط قيادات الحشد في تصريحاتهم وولاءاتهم.
وتابع قائلا: "فمنهم من قال؛ إنه يأتمر بأمر المرشد الإيراني علي خامنئي، وهذا تهديد كبير لهيئة الحشد نفسها، قبل تهديده للدولة العراقية، ومن ثم الهيئة ملزمة باحترام قانونيتها؛ كونها جزءا من المؤسسات الرسمية العراقية، وأن تفصل أي ارتباط بينها وبين ما يسمى بـ"فصائل المقاومة".
وفي السياق ذاته، قال المحلل السياسي العراقي، وائل الركابي؛ إن "ما صدر عن مستشاري السوداني يمثل رأيهم الشخصي، وأنه لا يوجد نوايا حقيقية لحل الحشد الشعبي؛ كونها هيئة عسكرية تنضوي تحت إمرة القائد العام للقوات المسلحة، شأنها شأن بقية التشكيلات العسكرية الأخرى".
وأضاف الركابي لـ"عربي21" أن "موضوع الضغط الأمريكي، ليس بالشيء الجديد عليهم، فإنهم منذ تأسيس الحشد الشعبي عام 2014، كان مطلبهم حل هذا التشكيل، وبقية الفصائل المسلحة".
ورأى المحلل السياسي أن "وجود الفصائل المسلحة ينتفي في حال انتهى الوجود الأمريكي في العراق، والآن الحكومة تتفاوض معهم لإخراجهم ضمن سقوف زمنية، لكن أحداث المنطقة أخرت بعض المفاوضات، وبدأت جولات أخرى من التفاهمات".
وبيّن الركابي، قائلا: "إذا قررت القوات الأمريكية الخروج من العراق في عام 2025، حسب الجداول الزمنية، فإنه ستنتفي الحاجة إلى وجود فصائل مسلحة، وأن الأخيرة ستنضوي شيئا فشيئا في العملية السياسية، أو ضمن بقية التشكيلات العسكرية الرسمية".
وأكد المحلل السياسي العراقي، أن "هذا الأمر شبه متفق عليه داخل الأوساط السياسية العراقية أو بين الحكومة والفصائل المسلحة؛ لأنه بخروج القوات الأمريكية من البلد، لن يعود أي حاجة إلى وجود هذه التشكيلات".
المصدر/ عربي ٢١