2024-12-12 01:45 ص

الغزو العثماني

2024-12-08

بقلم: نبيه البرجي
لعلكم تذكرون دعوة رجل دين لبناني عام 2011، رجب طيب اردوغان "ادخل الى دمشق غازياً أو فاتحاً". ها هو يغزو المدينة السورية تلو المدينة، وحلمه أن يدخل الى فناء الجامع الأموي على حصان السلطان سليم (أم على حصان الملك داود؟)

من زمان انتهت معادلة "أميركا أو الله"، الآن "أميركا أو أميركا"، "أميركا أو الخراب". وقد أصابنا من الخراب ما أصابنا. هكذا يغزو اردوغان سورية. بطبيعة الحال لمصلحة أميركا و "اسرائيل"، وهو يعرف أن روسيا وايران بحاجة ماسة اليه، ولا يستطيعان الاعتراض ولو بالكلام...

هكذا، لنكون أمام مهزلة بل خديعة، بل فضيحة، تدعى "محور الممانعة"، ليكتشف العالم مدى سذاجتنا حين اخترنا أن نكون في هذا المحور، وقد رأينا بعد كل ذلك الخراب، وبعد كل ذلك الدم، أن الآخرين هم من يقبضون ثمن الخراب وثمن الدم. أميركيون وأتراك  و "اسرائيليون"، لتخفت الأصوات التي تهدد "اسرائيل" بازالتها من الوجود. ولم تكن هذه أصواتنا، وها نحن أمام الحدث السوري مهددون بوجودنا.

ماذا اذا وصل أبو محمد الجولاني، وهو ليس أكثر من انكشاري ومرتزق، الى حمص. حينذاك من يمنعه من الوصول الى طرابلس والى بعلبك، وحتى الى جونية وزحلة. ربما أبعد من ذلك بكثير ما دمنا على تشتتنا، وعلى صراعاتنا؟

اردوغان قال "ادلب وحلب وحمص وحماه بيد المعارضة (كناطق باسمها)، وهم مستمرون باتجاه دمشق، وكنا قد مددنا يدنا الى بشار الأسد لكنه لم يستجب". لا يعنينا أي نظام، لكننا نسأل أي يد تلك التي امتدت الى بشار الأسد؟

اذ نعود الى المسيرة العثمانية في بدايات القرن السابع عشر، متى غزو لبنان، ما دام انتماؤنا الى ذلك المحور البائس قد عرّض رجالنا، رجال المقاومة، لكارثة يستحيل الخروج منها في المدى المنظور، لمن يعرف ما يعنيه غياب السيد حسن نصرالله، ولمن يعرف في أية ظروف كان أولئك الرجال يدافعون عن أرضهم  وعن أهلهم، وبعدما دمر المحور اياه العلاقات اللبنانية ـ اللبنانية، والعلاقات اللبنانية ـ العربية.

كل ذلك من أجل تلك الهواجس الجيوسياسية الرثة، والتي تبعث على السخرية، كما على المرارة، لادراكنا ما هي أميركا، وكم كانت تلك الصراعات العبثية تصب لمصلحتها، لتوصلنا الى المقبرة. هل من سقف لنا الآن سوى السقف الأميركي؟

لا أحد وقف الى جانبنا حين كنا نواجه، باختلال هائل في موازين القوى، وفي ظروف القتال، أعتى قوة عسكرية في التاريخ. ومن تراه يقف الآن الى جانب سوريا المهددة بوجودها بعدما أدى الحصار، وقد تداخل مع استشراء الفساد، الى انهاك الشعب والى انهاك الجيش، ولا نريد الولوج الى الأيام المأسوية لهذا الجيش، الذي تجاوزت معاناته معاناة الجبال؟

كان علينا في لبنان أن نساق بالغارات الجوية الرهيبة، ودون أن يكون لدينا حتى مجرد صاروخ لاسكات طائرات الـ MK   بالهدير الذي يزعزع ما تبقى من أعصابنا، الى اتفاق وصفه الخبراء الغربيون بـالـ "Dreadful agreement"  أي الاتفاق المروع، ودون أن يكون لنا من خيار آخر سوى الموت تحت الركام.

ماذا ينتظر سورية الآن؟ هل هي العودة الى الولايات العثمانية، أم هي العودة الى الدويلات التي استحدثها الجنرال غورو، ناهيك باتفاقية السلام مع "اسرائيل"، ليتبعها لبنان في الحال، وقد بات تحت الوصاية الأميركية؟

في خضم هذا السواد، لن نسأل عن روسيا التي تواجه المعسكر الغربي بأسره، ولا عن ايران بمشكلاتها الداخلية والخارجية، ولكن هل يمكن أن يكون هناك وجود جيوسياسي أو وجود جيوستراتيجي لكل منهما، اذا وضع اردوغان يده على سورية، وبعدما رأينا الطائرات "الاسرائيلية" تغير على منطقة المزة (وكم تبعد عن القصر الرئاسي؟) دون أن تتمكن الصواريخ المصنوعة في روسيا من ملامسة أي من تلك الطائرات.

هل كان خطأ اعتمادنا على ذلك النوع من الحلفاء، وكان يفترض أن ندرك من سنوات وسنوات، وفي ظل هذه الغيبوية العربية الأبدية، وفي ظل التنافس الاقليمي الذي يستنزف الجميع دون طائل، أين أميركا في المنطقة. ترى لمن يعمل اردوغان الآن؟ وحتى أن احتل دمشق.

في نهاية المطاف لن يكون أكثر من دمية أميركية. من زمان حلّ الاسلام الأميركي محل الاسلامات الأخرى التي ابتدعها الفقهاء من كل المضارب، ومن كل المشارب...

اختلفنا من يكون رجل بعبدا. ليكن من يكون. مشكلتنا ليست في الرجل، وانما في ثقافة القرن التاسع عشر، حيث التبعية والارتهان يستوطنان لاوعينا. ماذا حدث لنا، وماذا يحدث لنا لو كنا في دولة تحمي مواطنيها من الغرباء ومن الغزاة، لا تضعهم هكذا في مهب الرياح، وفي مهب الحرائق.

لم يعد يعنينا اي شيء. لقد خسرنا رهاننا وخسرنا أنفسنا، وخسرنا رجالنا، لنبقى من دون سقف بانتظار الجنرال الأميركي الذي قد يعيدنا الى وعينا، ويحمينا من ذلك الغول المجنح، اذا لم ننتظر ما هو أشد هولاً، وما هو اشد فظاعة.

أبو محمد الجولاني على حدودنا الشمالية، وبنيامين نتنياهو على حدودنا الجنوبية. الجنرال غاسبر جيفرز بقبعة الكاوبوي بين الاثنين...

على أمل ألاّ يكون بانتظارنا ما هو أسوأ بقليل أو بكثير...

المصدر: الديار