بقلم: محمد رعد
يتلعثم اللسان تهيّباً، وينحني الكلام إجلالاً واحتراماً، أما الروح فتكابد الشوق، وأما القلب فيعتصرُه الألم… فيما اليراعُ يقطر حبراً ودمعاً ودماً ليخطّ عنك بضع كلمات، ربما يُمكنها أن تُلمّح إلى عمق الجوى، لكنها حتماً لن تقوى على التعبير عن لوعتها والأسى، وعن جمر حبّنا الأخويّ، وفي الوقت نفسه عن سحر الإيمان وفعل الالتزام الذي يعيشه المُؤمنون تقرّباً من الله وارتقاءً بفضله ومواصلة لما يحقق رضاه: استلهاماً وصبراً وبذلاً وأخوّة وتماسكاً وقوة وإخلاصاً وتضحيات… وكل ذلك تحت سقف الولاية والتمسك بنهج المُقاومة والجهاد، وخط الإسلام المحمّدي الأصيل، والوفاء لدماء الشهداء في هذا الطريق، ومنه الوفاء لدمك أيّها السيد القائد والشهيد الأسمى على طريق القدس… طريق الإنسانية والحُرية والعدالة والحق والصلاح.
مَنْ مِثلُك يا سيّدي؟ ومن يُطاولُ قدرك ومقامك الذي سمَوتَ إليه؟ وأنت الذي كنت فينا أخاً وأباً وقائداً وقدوة ومثالاً وملاذاً وتاجاً فوق الرؤوس. في أربعينك، تُؤرقنا الذكرى وتتلاطم في أنفسنا أمواجُ الفِكَر والخواطر والواجبات والمهامّ والعبر، نتزوّد، نجدّد العهد والعزم، نؤكد تصميمنا المكبوت حتى يأذن الله، ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله.
في أربعينك… نُقبّل يد أبيك السيّد الطاهر، نعانق إخوتك الأعزاء وأبناءك الأحباء، نتقدّم منهم جميعاً ومن عائلتك الشريفة والفاضلة، ومن بناتك وكُلّ أرحامك، ومن كُل الشهداء السعداء في نهجك، ولا سيما منهم الذين ارتقوا من أفراد أُسرتك وأقاربك ومتعلّقيك، ومن كل أبطالك ورجالك المُقاومين الشجعان من أبناء حزب الله والمُقاومة الإسلامية، ومن الإخوة الأبطال من أحبّائك في حركة أمل، بأسمى التبريكات وأحرّ التعازي بفقد الأُمة لك وبخسارتها لشخصك وحُضورك ودورك.
ومُقتضى الأخوّة والوفاء أن نتوجّه بالتبريكات والتعازي أيضاً إلى أخيك وعضدك سماحة الأخ القائد الحبيب السيد هاشم صفي الدين الذي شاء الله تبارك وتعالى أن يكون سريع اللحاق بك مع ثلّة مُخلصة من إخوة قياديين ومُجاهدين، فجاءت شهادته المُباركة مُكثفة الدلالات والرسائل، وزادت أمورنا صعوبة وقلوبنا وجعاً ومرارة… وحُرمت مسيرتنا من دوره المسؤول والقيادي ومن عنايته وفعالية حُضوره.
اليوم، وفي أربعينك يا سيّدي، ومن وسط كل التحديات التي عشتها وخبرتها وأمضيت عمرك في مواجهتها والتصدّي لها… نؤكد لك يا أبا هادي، ولجميع المُحبين والمُؤمنين: إخوةً وأصدقاء ومساندين، في لبنان وخارج لبنان، أننا في حزب الله والمُقاومة الإسلامية، ماضون على عهدنا والتزامنا وإصرارنا وثباتنا، على نهج الإسلام المُحمدي الأصيل، وعلى خيار المُقاومة للعدو الصهيوني وكيانه المُؤقت، وعلى رؤيتنا السياسية والجهادية الداعية إلى احترام الإنسان صدقاً لا نفاقاً، وحفظ حقوقه والدفاع عن بلدنا وشعبنا وحماية سيادتنا دون مُحاباة أو مُجاملة لأحد، ونصرة قضايا الحق والعدل والحرية والإصلاح وتأييد ودعم المظلومين والمُستضعَفين والمُضطهدَين المدافعين عن حقوقهم في العالم.
أما دمك الزكي الذي يفوح مُعطّراً أجواءنا بعبق الشهادة الطيّب والمُبارك والمُرتجى، فسيبقى مع دماء إخوانك الشهداء المُقاومين، القادة والكوادر والمُجاهدين وأبناء حاضنتنا الشرفاء المُضحّين والمظلومين، مبعث ضياء وهدى وإلهام حتى نكون الأوفياء لشهادتكم والمُنتصرين لأهدافكم، المُقتصّين من أعدائنا وأعدائكم.
سيدي أبا هادي،
إننا اليوم أمام مفصل تاريخي، ترسمه كما قُلتَ أنت، نتائج الميدان والمُواجهة المتصاعدة بيننا وبين العدو الصهيوني. والمقاومة الإسلامية بكُل أبطالها ورجالها، مُصممة على الدفاع عن بلدنا وشعبنا وسيادة قرارنا وكرامتنا، ومُصممة على بذل الأرواح وتقديم أغلى التضحيات من أجل دحر العدوان عن أرضنا وإسقاط أهداف العدو الصهيوني ومشروعه الرامي إلى إلغاء وجودنا وإذلال شعبنا ومصادرة قرار بلدنا.
“وبيننا وبينه الأيام والليالي والميدان» «قُل هَل تربصُون بنا إلا إحدى الحسنيين، ونحن نتربّص بكم أن يُصيبكم الله بعذابٍ من عنده، أو بأيدينا، فتربصوا أنا معكم مُتربصون» (التوبة 25).
إن خيارنا واضح وثابت ولا محيد عنه: “مُواصلة المُقاومة للعدو الصهيوني وتصعيد المُواجهة ضده والتصدي الاستشهادي لهجماته واعتداءاته، حتى يوقف عدوانه ويتوقف عن إملاء الشروط، ويذعن لإرادة شعبنا اللبناني في مُمارسة حقه السيادي الكامل لحفظ أرضه وحماية سيادة وطنه وأمنه».
يا سيّدنا ومُلهم مُقاومتنا،
لن نُكابر ولن نهوّن من مصابنا بفقدك، وأنت من أنت. القائد الرائدُ النموذجي، المثالُ والقدوة في بعد النظر وطول الأناة وقوة العزم والحزم ونبض الإباء، وفي جليل الحكمة وعذوبة الحديث وقدرة الإقناع ووضوح الحُجّة، وسلاسة التعبير ومنهجية التخطيط واتخاذ الموقف، وفي رباطة الجأش وعظيم الصبر وشدة البأس على الأعداء، وفي رقّة العاطفة ونُبل المحبة واللطف مع الناس المُستضعفين المُؤمنين والطيبين، ولا سيّما منهم عوائل الشهداء والمُجاهدين والجرحى والأسرى والمُحررين وذوي الحاجات الخاصة والأيتام والفقراء والمساكين.
كيف نفتقدك وأنت حاضر في كل هؤلاء وفي كل الاعتبارات والتطورات والأحداث؟ أرادوا تهديد وجودنا باستهدافك وقتلك، فَصُدموا بسرعة استعادتنا لقدرة التحكم والسيطرة، وبسرعة قياسية تمّ تعيين كل البدائل وملء كل الشواغر، وتفعيل كل المهام، وكان ذلك كله بفضل الله سبحانه ووفق الإجراءات الاحتياطية التي أعددتها وهيّأتها لمثل تلك اللحظة الداهمة.
لقد تعلّمنا في مدرسة الولاية والمُقاومة أن صدق الإيمان والإخلاص وروح الأخوّة والجهاد والوعي والحرص والتفاني في سبيل الله يجعلُ كُل صعبٍ هيّناً، وكُل مشكلٍ معقّدٍ سهلاً ومُيسّر الحل.
سماحة شهدينا الأسمى:
بتوفيق من الله الناصر والمُعين، وبتوافق كل الإخوة في شورى القرار على انتخاب سماحة الأخ القائد المُجاهد الشيخ نعيم قاسم حفظه الله أميناً عاماً لحزب الله والمُقاومة، وقبوله الشُجاع لتولي هذه المسؤولية وهو من خبرتُموه واخترتُموه نائباً ليكون لكم شريكاً وسنداً ومُعيناً. وبفعل إخلاص وشجاعة وبأس إخواننا المُقاومين الأبطال والأوفياء، واحتضان شعبنا الأبيّ لخيارنا السياسي المُقاوم، سنخرج من هذه المُواجهة التاريخية مُنتصرين إن شاء الله، وستخيب آمال أعدائنا، ولن يتمكّنوا من تحقيق أهداف مشروعهم العدواني المُتوحّش ضد وطننا وبلدان المنطقة.
“ومن يتولَّ الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون” صدق الله العليّ العظيم.
المصدر: الاخبار اللبنانية