بقلم: نبيه البرجي
الغارات الجوية الاسرائيلية على مناطق ذات حساسية سياسية، وعسكرية، تتزامن مع الغارات البرية التركية عبر النيوانكشارية، وعلى مدينة يعني سقوطها سقوط سوريا. حتماً، ليس بالتزامن الميكانيكي. ذاك السيناريو الأسود الذي ينتظرنا؟ من سنوات قال فلاديمير بوتين ان النظام العالمي الجديد ينبثق من دمشق. هل كان القيصر يقصد النظام الجهنمي الجديد؟
اذاً، عاد رجب طيب اردوغان الى دوره. ولطالما تحدثنا عن استراتيجية الثعبان. الآن حلب التي يعتبرها، مع الموصل، جناحي السلطنة العثمانية. لم يكن لأبو محمد الجولاني، وقد اعتراه الصدأ في خندق الانتظار، أن يتقدم خطوة واحدة لولا أوامر الباب العالي. حين يكون الباب العالي بواباً للهيكل أو بواباً للبيت الأبيض...
كل هذا مع غرق روسيا في الدوامة الأوكرانية، ومع انشغال "حزب الله" في مواجهة الغزو العسكري من جهة والغزو السياسي من جهة أخرى. هكذا كان التسلل أو الانقضاض على مدينة حلب. اذ ندرك مدى معاناة الجيش السوري ان على المستوى اللوجيستي، أو على المستوى العملاني، وفي ظل احتقان اقتصادي مروع، نسأل أين هي العيون التي يفترض أن تقرأ ما في رأس اردوغان، وما في رأس الجولاني، وأن تتغلغل بين مقاتليه، باعتبار أن الاعداد للهجوم استغرق أسابيع، أو حتى أشهراً؟
هنا نخشى من عودة ثقافة "التشبيح" وحتى ثقافة التواطؤ، لنرى أن سوريا تقتل مرة أخرى، وقد تكون مرة أخرى، على يد أهلها. أهل سوريا يقتلون سوريا، وأهل النظام يقتلون النظام. فجر أمس قال لي العامل السوري في محطة للوقود في البقاع، وهو الحائز اجازة جامعية في التاريخ، "لقد تغيرت سوريا. تغيرت الوجوه، وتغيرت القلوب، لم يعد السوري يلقي تحية الصباح على جاره". سوريا التي عشقها الرحالة، والمؤرخون، والفلاسفة، لم تعد سوريا. تغيرت. تغيرت أم انتهت؟
لن نسال أين الظهير الروسي، الخائف على روسيا، ولا الظهير الايراني، الخائف على ايران. مثلما سقط "محور الممانعة"، بالضربة القاضية على أرض لبنان، لتبقى المقاومة وحيدة في الميدان، وضد تلك الأرمادا العسكرية، بأسلحة، وامكانات، الحرب العالمية الثالثة، سقط القوس الاستراتيجي الذي يمتد من موسكو الى طهران، وصولاً الى دمشق. دمشق التي فيها، وكما قال سعيد عقل، "غار الورد واعتلّ الخزام"، قالت عنها التوراة "... وتزول من بين المدن وتصبح ركاماً من الأنقاض".
ما جرى في لبنان، وما جرى، ويجري، في سوريا، أضاء لنا مدى الهوة بيننا، كضحايا للقبلية، وللطائفية، كما ضحايا أكلة عظام البشر في الداخل، وفي الخارج، وبين أعدائنا الذين دخلوا في ديناميات القرن، وربما ما بعد القرن. بكوفية الحجاج بن يوسف الثقفي نواجه من حطوا على سطح المريخ (عراة نحن على سطح الأرض). أكثر فأكثر الى الوراء. آية الله خامنئي قال "لقد أعدنا اسرائيل 70 عاماً الى الوراء". قد تحتاج الى سبعة قرون لتلتحق بنا اسرائيل في الطوابير التي تقف عند أبواب النهاية. نقطة الضوء الوحيدة في هذا النفق العظيم هي في أولئك الأبطال الذين أظهروا للعالم الى أين تذهب الدماء في حروب البقاء، لا في الحروب التي تقودنا، بالشعارات الصارخة، الى اللامعنى...
على أمل أن تعيد القوات السورية النيوانكشارية الى الوراء، بمنتهى المرارة نتابع ما يحدث في سوريا. (تلك الواو الكافرة بين لبنان وسوريا ـ سعيد تقي الدين). اذا ما تمكنت الفصائل المسلحة، والتي تقودها "هيئة تحرير الشام" من احتلال حلب كأنما احتلت طرابلس أو صيدا أو بعلبك. هل بدأت لعبة الدومينو لتنتهي في دمشق؟ كل شيء جائز الآن. المشهد أكثر تعقيداً من أن يحدث تغيير في الخرائط. تغيير في السياسات. دونالد ترامب ينتظرنا مع بنيامين نتنياهو في مارالوغا مثلما انتظر جيمي كارتر أنور السادات ومناحيم بيغن في كمب ديفيد.
اذا، الآن، عرفنا لماذا رفض بشار الأسد أن يمد يده الى رجب طيب اردوغان الذي كان يحمل الخنجر في يده الأخرى. الخنجر الذي كان في الظهر الآن في الصدر. في دمشق يسألون "كيف للثعبان أن يتحول الى النورس"؟
اذاً، الخليفة ضالع في سيناريو التطبيع (التطبيع بتقطيع أوصالنا وبتقطيع رؤوسنا). قلنا ليس العصر الأميركي. بل الزمن الأميركي. أيتها السيدة العزيزة جنيفر لوبيز، أتيت الى الشرق لترقصي في غرف نومنا أم لترقصي فوق قبورنا؟ ليتها هي أميركا لا جو بايدن ولا دونالد ترامب...
الديار