بعيداً عن الأهداف العسكرية والسياسية التي أعلنها جيش العدو من عمليته المستمرة في شمال قطاع غزة منذ ما يزيد على شهر، يضمر سلوكه التدميري المتعمّد أهدافاً تتجاوز أي قيمة عسكرية، حيث تعمّد، منذ بداية الهجوم في مطلع تشرين الأول الماضي، تنفيذ عمليات نسف وهدم وتجريف واسعة لأحياء وكتل عمرانية كبيرة في قلب مخيم جباليا. كما جرى استهداف مناطق مثل البلوك 3 والبلوك 2 والفاخورة والفالوجا وبير النعجة، بالمئات من الغارات، وزُجّ فيها ببراميل وروبوتات متفجرة، غيّرت مظهرها العمرانية وطمست شوارعها ومعالمها. ووفقاً لشهادات حصلت عليها «الأخبار» من الأحياء المحاصرة، فإن التدمير تركّز في الأحياء ذات النسق العمراني القريب من بيئة المخيمات، من مثل حارة الدقعة في مشروع بيت لاهيا، التي تغلب على مبانيها المنازل المسقوفة بألواح الزينكو والأسبست.
ويتقاطع هذا المسعى في شمال القطاع، مع مساعٍ مماثلة تعمّد العدو فيها تدمير مخيمات في مدينة غزة، ومنها مخيم الشاطئ، وأخرى في الجنوب، من مثل مخيم الشابورة ويبنا في رفح، ومخيم خانيونس. وتُقرأ من ذلك السلوك المتعمّد، محاولة لصناعة تغيير طبوغرافي مستدام يمتد إلى مرحلة ما بعد الحرب، خصوصاً أن القضاء على قضية اللاجئين التي تمثّل المخيمات التي تؤوي مئات الآلاف من النازحين أحد الشواهد المادية الملموسة عليها، هي واحدة من أهداف الحرب العظمى. وإذا كان هناك افتراض بأن الانسحاب من غزة في نهاية المطاف هو أمر حتمي، فإن إعادة الإعمار التي ستضع دول عربية وأوروبية كبرى أياديها فيها، لا يُراد لها أن تتم إلا وفقاً للهواجس والاعتبارات الأمنية الإسرائيلية، بوصفها هي المتحكّمة في المشهد الإنساني في القطاع.
وفي كل الأحوال، فإن حكومة الاحتلال لم تعد تريد من حربها المستمرة على القطاع، تحقيق أهداف عسكرية؛ إذ صارت عمليات التوغّل المرفقة بضغط نفسي ومعنوي هائل على الأهالي، تحمل أهدافاً سياسية تتعلّق بالصفقة التي ستنتهي عليها هذه الحرب، حيث يسعى نتنياهو إلى مضاعفة المكتسبات على الأرض، ليظهر في وقت المقايضة وكأنه يتخلّى عن أصول إستراتيجية. ومن هنا، يمكن فهم تمسكه بالبقاء في محوري «فلادلفيا» و«نتساريم» وأخيراً في شمال القطاع، وهي أماكن، قال وزير الحرب المقال، يوآف غالانت، إنه لا قيمة عسكرية ولا سياسية للبقاء فيها.
وعن ذلك، تحدث «معهد دراسات الأمن القومي» الإسرائيلي، في تقرير نشره أمس، قائلاً إن «التقلبات التي يعيشها (الرئيس الأميركي المنتخب دونالد) ترامب تثير عدداً من الأسئلة حول القضية الأكثر إلحاحاً، وهي الحرب المستمرة ضد المحور الذي تقوده إيران في لبنان وقطاع غزة. وقد أعرب ترامب عن رغبته في رؤية نهاية الحرب حتى قبل توليه المنصب في 20 كانون الثاني المقبل، لكنه لم يوضح علناً رؤيته لليوم التالي (...) وهناك احتمال واضح في أن تدعم حكومته نسخة ما من حل الدولتين، ربما تتضمن إذناً بضم منطقة واسعة من الضفة الغربية إلى إسرائيل. وإذا وافقت السعودية على ذلك، فمن الممكن أن يتشكّل دعم سعودي عربي واسع النطاق لاستعادة قطاع غزة».
وعلى الصعيد الميداني، وسع جيش العدو من عملياته في شمال القطاع، وتحديداً في مدينة بيت لاهيا ومشروع بيت لاهيا، فيما لا يزال يفرض حصاراً خانقاً على كل مناطق الشمال. أيضاً، أخطر مناطق أخرى بالإخلاء في مناطق غرب غزة، والتي نزح إليها سكان مخيم جباليا. ونفّذ جيش العدو العشرات من الغارات التي استهدفت تجمعات المواطنين في المناطق المحاصرة، وأقدم على ارتكاب مجزرة كبيرة بحق عائلة المبحوح، حيث تسبّب قصف منزل مأهول في استشهاد 27 نازحاً وإصابة العشرات. وفي غضون ذلك، أعلنت المقاومة تنفيذ عدد من العمليات القتالية؛ إذ أكدت «كتائب القسام»، خلال اليومين الماضيين، تفجير أربع آليات عسكرية بقذائف «الياسين 105» والعبوات الناسفة، واستهداف قوتين راجلتين بالعبوات الناسفة في مناطق مختلفة من القطاع.
المصدر: الاخبار اللبنانية