بقلم: د. سماهر الخطيب
يتصاعد العدوان الإسرائيلي على لبنان بغاراته الجوية مع مساعي لاجتياح بري دون أن ينهي ما بدأه في غزة، في مسعى منه على تحقيق عدة أهداف ليس أولها إعادة المستوطنين إلى الشمال بل وأكثر من ذلك مسعى “إسرائيلي” لفرض منطقة جنوب الليطاني منطقة منزوعة السلاح وفرض “رقابة دولية” على تلك المنطقة لضمان عدم تهديد “أمن” مستوطنات الشمال، أضف إلى ذلك مسعى “إسرائيل” إلى وضع كل الحدود السورية – اللبنانية تحت “رقابة دولية” لضمان “إغلاق” خط إمداد المقاومة في لبنان وفلسطين، والأهم في العمليات الحالية هو إثارة الرعب ونشر الفوضى وضرب تماسك المجتمع اللبناني تطبيقاً لإستراتيجية الصدمة و”الفوضى الخلاقة” متلازمة مع استهداف قادة حزب الله وأمينه العام الشهيد السيد حسن نصرالله في مسعى لترسيخ تلك الفوضى وتطبيق نظرية الدومينو عبر ضرب جبهات إسناد غزة من خلال تسديد الضربات إلى اليمن والعراق وسورية وإيران واليوم التصعيد في لبنان بهدف زرع الخوف الذي وفق الرؤية “الإسرائيلية” فإنه سيدفع بالحاضنة الشعبية لتلك الجبهات بأن تتخلى عنها وبالتالي تتساقط تلك الجبهات الواحدة تلو الأخرى كأحجار الدومينو وكل ذلك دون رادع يردعها وبضوء أخضر أميركي وغطاء غربي جعلها حتى اللحظة خارج أي تطبيق لمفاعيل القانون الدولي الواضحة في الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة كون الإجراءات “الإسرائيلية” اليوم هددت الأمن والسلم الدوليين فعلياً..
وعليه، باتت منطقة شرق المتوسط بل “الشرق الأوسط” برمته على أبواب حرب شاملة قد تكون شرارة اندلاع حرب عالمية ثالثة أو حرب نووية فكل السناريوهات باتت مفتوحة بعد اعتماد “إسرائيل” للإستراتيجية القائلة بـ”التصعيد من أجل خفض التصعيد” وتسخير الدبلوماسية كأداة للحرب وليس للسلام من خلال الاعتماد على التلويح بالمفاوضات ومبادرات التهدئة كأداة خداع لتهدئة الطرف الآخر ومن ثمّ المباغتة بحدث أمني ( وهو ما رأيناه سابقاً في المبادرة الفرنسية – الأميركية التي تلاها اغتيال السيد حسن نصرالله الأمين العام لحزب الله، وسابقاً باغتيال اسماعيل هنية مسؤول المكتب السياسي في حماس، حتى في أوكرانيا وجدنا الخداع الدبلوماسي عندما انسحبت القوات الروسية من كييف ومحيطها كنتيجة لاتفاق السلام الذي كان من المفترض أن الروس والغرب توصلوا إليه عام 2022 ولكن ما حدث انقلاب الغرب وأوكرانيا على هذا الاتفاق والترويج الإعلامي بأنهم انتصروا على القوات الروسية آنذاك) لتصبح هذه الحرب الوجودية غير متماثلة مع سابقاتها وتداخلت معها كل الأساليب الاستخباراتية والتقنية والتكنولوجية والعسكرية والمعلوماتية والدبلوماسية والسياسية دون فصل بين أسلوب عن الآخر بل تسخيرها جميعاً في حرب هجينة قد تحرق بنارها الجميع بعد أن اشتعلت بلا رقيب ولا حسيب..
ويبدو واضحاً، أن الولايات المتحدة هي من تقود هذه الحرب فعلياً أمام التهديد الوجودي الذي تتعرض له حامية مصالحها في الشرق الأوسط وأكبر قاعدة عسكرية لها في المنطقة المتمثلة بـ”إسرائيل” فبات عنوان المرحلة ” مرحلة كسر الإرادات” ما بين إرادة المقاومة بالنصر رغم ما تعرضت له من خسائر باهظة وإرادة “إسرائيل” بالوجود رغم ما تتعرض له من خسائر فادحة.. ولكن هنا لا مجال للمقارنة بين إرادة أهل الأرض والمحتل وفي التاريخ الكثير من العبر المستخلصة لانتصار إرادة أهل الأرض على المحتل مهما كانت التكلفة باهظة ومهما عظمت الخسائر لا تكسر إرادة المقاومة المصانة بالقانون الدولي بالحق المشروع بالدفاع عن النفس وفق المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة ووفق العرف القائل بأن “القوة هي القول الفصل” وعليه فإنّ إرادة أهل الأرض بالتحرير ستمنحهم القوة لتحقيق الهدف المنشود وهو ما يخشاه الإسرائيلي فعلياً وهو ما يدفعه نحو المزيد من المجازر والجرائم لإثارة الرعب وضرب البيئة الحاضنة للمقاومة بقصد تشتيت تلك القوة والتشكيك بتلك الإرادة..
وهنا لا بد من قراءة المواقف الدولية والإقليمية من هذه الحرب وهذه الاستراتيجية القائلة بالتصعيد بهدف خفض التصعيد:
إيران قرأت تلك الإستراتيجية قراءة صحيحة وردّت عليها بالمثل بمعنى أنها وجهت ضربتها إلى “إسرائيل” وفق استراتيجية التصعيد من أجل خفض التصعيد وقالت بأنها لا تريد حرباً شاملة وحرفياً بأن من حقها الدفاع عن النفس وهو حرفياً ما قالته “إسرائيل” ومن ورائها الولايات المتحدة حين أعلنت عدوانها على لبنان ما يعني أن إيران حاكت الإستراتيجية “الإسرائيلية” ومن ورائها الأميركية بمثيلتها حتى أنها حاكت الخداع الدبلوماسي بمثيله فكانت عملية “الوعد الصادق” في خضام الحديث الأميركي عن مفاوضات تهدئة بعد العدوان “الإسرائيلي” على القنصلية الإيرانية في دمشق وعملية “الوعد الصادق 2” في خضام الحديث الأميركي عن تهدئة وضبط النفس في لبنان عقب عملية الاغتيال التي استهدفت السيد حسن نصرالله وبالتالي فإنّ الموقف الإيراني واضح وصريح في هذه الحرب الوجودية وهو الوقوف إلى جانب المقاومة على كامل المحور ..
دول الخليج العربي يبدو أنها تأخذ موقف الحياد فلا تنخرط مع “إسرائيل” ومن ورائها الولايات المتحدة في هذا الصراع الوجودي ولا حتى تقف مع دول المحور ضدّ “إسرائيل” وعلى ما يبدو أنها تنتظر رجوح الكفة في ميزان الحرب لصالح طرف من الأطراف لبلورة موقفها ولكن على ما يبدو بأن الاستراتيجية التي اتخذتها دول الخليج مع كل من الصين وروسيا من جهة والولايات المتحدة والغرب من جهة أخرى في المواجهة الروسية – الناتوية وكذا الصينية – الأميركية بتعدد المسارات وعدم وضع البيض في سلة واحدة هي عينها اليوم في المواجهة الحالية ما بين “إسرائيل” و”المقاومة” وفي خضم الصراع المحتدم تحافظ على “المساعي الدبلوماسية” وتفتح الباب للأطر السلمية والحفاظ على الآفاق التعاونية وتصفير المشاكل مع جارتها الإيرانية..
مصر والأردن كدول الطوق لفلسطين خارج حسابات السلم والحرب في هذه الحرب الوجودية فلم يحددا خيارهما تجاه أطراف الصراع.. أما سورية فلها ما عليها من سنوات الحرب الدائرة على أرضها وموقفها واضح وجلي تجاه الصراع الدائر وهذا الموقف الراسخ باستراتيجية مواجهة “إسرائيل” ودعم المقاومة دون مساومة أو مهادنة..
فيما يبدو لافتاً هنا موقف الصين التي لم تكتف بكين بإدانة عملية “سهام الشمال” ووصفتها بأنها “عدوان دولي”، فقط بل أشارت بوضوح لدعمها للبنان ودول عربية أخرى. وهو ما يقرأ على أنه تخلي صيني عن الخطاب “المتوازن” فيما يتصل بالصراعات في الشرق الأوسط، وهنا تتفق روسيا مع موقف الصين، ليبدو، أنّ كلاهما أي (موسكو وبكين) تخططان للقضاء على “خطة بايدن للسلام”، وهو ما يفسح المجال لمبادرات حفظ سلام روسية – صينية أمام فشل إدارة الولايات المتحدة الأميركية في حفظ الأمن والسلم في منطقة الشرق الأوسط وإلى أن يتم فسح المجال أمام “المبادرة الروسية – الصينية” لاتخاذ خطوات عملية ضدّ العدوان “الإسرائيلي” فإن المنطقة برمتها ستكون مفتوحة على كل السيناريوهات والتصعيد سيد الموقف أمام جنون وعنجهية نتنياهو وثبات وقدرة المقاومة التي تسجل البطولات في جنوب لبنان وغزة..
دكتورة في العلاقات الدولية والدبلوماسية
المصدر: رأي اليوم