بقلم: كمال ذبيان
تسنى لي كصحافي، ان التقي بالامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله مرتين لاجراء حديث معه، الاولى كانت في حزيران لمجلة "الشعلة" من العام 1990، بعد عام واربعة اشهر على انتخابه اميناً عاماً للحزب خلفاً للسيد عباس الموسوي، الذي اغتاله العدو الاسرائيلي في 16 شباط 1990 مع زوجته واحد انجاله في سيارته بالجنوب.
والمرة الثانية كانت في ايلول 1997، بعد عملية انصارية التي تمكنت فيها المقاومة من قتل نحو 13 ضابطاً وجندياً "اسرائيلياً" من قوات "غولاني"، بنصب كمين لدورية له.
في المرتين كنتُ امام رجل قائد، وانسان متواضع، وشخص ميزته الاخلاق التي هي قيمة كبرى يتحلى بها انسان، فرأيتها بذلك الرجل الذي جالسته مرتين، فكنتُ امام مؤمن بربه وعقيدته وارضه وشعبه.
فخلال الحوار معه، كان السيد مستمعاً، ويعطي الجواب الصريح، ويرد على السؤال ببساطة وموضوعية، فلا فوقية ولا ادعاء ولا استعلاء، بل رجل يعلم ماذا يريد في قيادته لحزب. كانت المقاومة اساس انشائه، فتمكن خلال عقود من بناء قوة تراكمت بالتدريب والتجهيز والقرار السليم، فحققت المقاومة خلال سني نضالها انجازات على مدى 18 عاماً، التحرير الذي تحقق في 25 ايار 2000، فشكلت النموذج الذي يحتذى في تحرير الارض بالمقاومة، لا بالاستسلام امام العدو، وهذا هو حق الشعوب في تقرير مصيرها ونيل حريتها واستعادة ارضها، وصيانة سيادتها، وهذا ما فعلته "المقاومة الاسلامية" في لبنان، التي كانت توأم "المقاومة الوطنية اللبنانية"، التي في تاريخها عمليات افتتحتها في 21 تموز 1982 بقصف الجليل، ثم في نصب كمائن للعدو في اكثر من منطقة لبنانية، الى بيروت التي اخرجت الاحتلال منها بعد عمليات "الويمبي" وصيدلية "بسترس" ومحطة ايوب وغيرها، واتبعتها بالعمليات الاستشهادية.انه السيد نصرالله يرحل في عملية اغتيال نجح فيها العدو الاسرائيلي كما في غيرها، فربح جولة على المقاومة، لكنه لم يمنع وجودها واستمرارها في عملها المقاوم.
وسيترك اغتيال السيد نصرالله فراغاً سيملؤه غيره، والرجل اسلوب الذي هو المقاومة، ومن سيتبوأ المنصب بعد استشهاد السيد نصرالله، لن يحيد عن طريق المقاومة، التي نذر من سلكها نفسه في سبيل قضية تساوي وجوده، وهي طرد الاحتلال من لبنان، وقد حصل، واقامة توازن ردع مع العدو، الذي يمتحنه في الميدان، والذي فيه معارك كر وفر. فان استشهاد السيد نصرالله والقادة من المقاومة، له تأثير سلبي في المسيرة، التي لا طريق غيرها في حرب الوجود، مع عدو يعمل على ابادة شعبنا.
وفي هذا الشهر الذي استشهد فيه السيد نصرالله، سبقه اليه في ايلول من العام 1997 نجله البكر هادي، الذي استشهد مع المقاومين في جبل الرفيع باقليم التفاح، وصودف انني في هذا اليوم، وكان نهار الجمعة، كنتُ اجري معه مقابله لجريدة "الديار"، فابلغ باستشهاد هادي عبر ورقة وصلت اليه، فقرأها، واستمر في الحوار لمدة تقارب الساعة. فلم يقطع الحديث، ولم تتغير ملامحه، بل كان طبيعياً جداً، وهذا يدل على الايمان وتحمل الفراق والقبول بما ارتضاه مع نجله بسلوك طريق المقاومة.
فالصدفة، ان يستشهد السيد نصرالله في الشهر الذي قضى ابنه شهيداً، انه القضاء والقدر.
السيد نصرالله خسرته المقاومة وسيفقده لبنان، وسيشتاق اليه احرار العالم، وستناديه فلسطين، وسيقول له اللبنانيون اننا بالجيش والشعب والمقاومة استعدنا ارضنا، وبهذه المقولة ندافع عن لبنان.
ففي الثورات وحركات المقاومة يسقط الشهداء، هذا ما يعلمنا عنه التاريخ الذي يتكرر مع قادة وعظماء وشهداء
المصدر: الديار اللبنانية