بقلم: محمد يعقوبي
الذين يشيطنون إيران وينتظرون منها تأديب الكيان الصهيوني، أغلبهم يجلسون على الأرائك ليتفرجوا على انتشال الجثث وآهات الثكلى، وأقصى ما يبذلونه هو الدموع .. ثم يأكلون ويداعبون زوجاتهم وينامون، ليستأنفوا حياتهم في اليوم الموالي بشكل عادي! هم يريدون الانتقام لعواطفهم بعواطفهم بعيدا عن تعقيدات الواقع. تعقيدات خطيرة جدا جعلت قوى عظمى كنا نظنها في صف القضايا العادلة تلتزم الصمت كروسيا والصين، فماذا يمكن لدولة في بطن الحوت مثل إيران أن تفعله سوى الاختباء أو حتى التحايل على مشاعر المجروحين، أو الضحك على ذقون الذين ينتظرون ردا مزلزلا على الكيان، لن يأتي الا بحجم الطائرات المسيرة التي أطلقتها طهران في أفريل الماضي في وجه العدو! وسبقتها تحذيرات للمدنيين من أجل مغادرة بيوتهم! نعم .. إيران في موقف لا تحسد عليه، تضيع هيبتها شيئا فشيئا، وتفقد حلفاءها الواحد تلوى الآخر، بينما يبدو الحبل يقترب يوما بعد يوم ليلتف حول عنقها، لكن .. ماذا عن الصمت العربي المخزي! ماذا عن جامعة عربية متواطئة! يلتهم أمينها العام راتبا شهريا لا يقل عن 75 ألف دولار، دون يرمش له جفن من الأحداث! ماذا عن دول الطوق التي تخذل جارها وتخون عرضه !
ماذا عن معابر لا تفتح، بل تخنق ما تبقى من الحياة عند الفلسطينيين؟ ثم لماذا نلوم إيران عن علاج الجراح التي في أجسادنا؟ أليس من الرجولة أن يسعف الجار جاره ويدافع عن بني جلدته قبل أن يطلب العون من البعيد! كيف نلوم الجار السابع بينما الجار الأول يتفرج على لصوص المنطقة، ينتهكون العرض ويطحنون جيرانه بأبشع الطرق! تعلم إيران جيدا أن دخولها الحرب الآن بعد هذا الهول يعني النهاية كما العراق تماما، خاصة مع كثرة أعدائها غربا وشرقا عربا وعجما. كانت ايران تعول على الحلفاء (الذين يسميهم خصومها بالوكلاء) وهاهم يتكبدون الآلام ويفقدون القوة الرادعة التي كان يخشاها الكيان، ويسجلون نقاطهم فقط بالصمود والشجاعة والكبرياء في معادلة ليست متكافئة منذ البداية.
نعم .. مع تصفية سيد المقاومة في الجنوب حسن نصر الله، اختلف الوضع وأصبح ظهر ايران مكشوفاً بل كتفها أيضا (على حد قول السيسي عن بلاده)، وفي الحالتين، ردت أو لم ترد، يتوقع المتفائلون أن تكون العاصمة طهران هدفا مباشرا للكيان بعد غزة والضاحية الجنوبية، بكل وسائل الحرب والحصار، فالفرصة مواتية لينتهي كل شيء بالنسبة للكيان، خاصة إذا عاد ترامب الى البيت الابيض، بكل هذا الجنون الذي سيستقبله به النتن ياهو. لقد بدأ هذا المخطط الجهنمي منذ إستهداف سوريا على يد الذين عسكروا الثورة السورية وركبوا ظهرها لتفكيك قوة جيشها على يد ميليشيات التكفيريين، والآن شهية الكيان الصهيونى تبدو أكثر إنفتاحا، ولن ترحم البقية الباقية لا في سوريا ولا في دول الطوق حتى تلك المتواطئة التي يخشى استفاقة شعوبها مستقبلا، سيستهدفون الغوطة لأن فيها الكثير من معسكرات مسلحة لفلسطينيين ويمنيين وسوريين واعضاء من حزب الله. بداية هذا الكابوس كانت بتدمير العراق قبل عقدين من الزمن، حينها لم تكن إيران رحيمة بجارتها المغتصبة، ثم باستهداف سوريا قبل عقد من الزمن أين أوغلت قطر وتركيا والجماعات التكفيرية في الدم السوري، ثم إستمر المخطط باغراق مصر في شأنها الداخلي، حتى صرنا نخجل مما تبثه القنوات المصرية في التوقيت الذي يباد فيه الجيران ويموتون تحت الردم. لقد أخطأ الكيان الصهيوني في حساباته مع غزة، فلم يصل الى قيادات المقاومة ولم ينل من صمودها رغم الثمن الباهض الذي دفعه الغزاويون، وفي المقابل أخطأ حزب الله في حسابته مع الكيان الصهيوني، فظن أن شجاعته فوق الاختراق الأمني والتكنولوجي للكيان، لكن يد الصهاينة وصلت الى رأس المقاومة حسن نصر الله في الطابق 14 تحت الأرض وقتلت معه 20 قائدا من الصف الأول، وهم الذين كانت مساحة تحركهم أكثر بكثير من مساحة تحرك السنوار ورفاقه، بل تمتد من لبنان الى سوريا الى غيرهما، وهو الانهيار الذي يتعين على المقاومة دراسته مستقبلا من أجل الوقوف مرة أخرى على رجليها. يجب أن ننتبه أيضا الى الخطط الاستباقية التي تحدث على هامش الأحداث، مثل اعلان المملكة العربية السعودية قبل يومين عن تحالف دولي يعيد بناء الدولة الفلسطينية من جديد، طبعا دون سلاح المقاومة.! والانتباه الى تململ بعض المسيحيين والسنة في لبنان ضد المقاومة! والانتباه الى تزايد التحريض على الفتنة الطائفية بين السنة والشيعة، والانتياه الى اختفاء الجامعة العربية! والانتباه الى لامبالاة روسيا والصين بالاحداث ! والانتباه الى استقالة تركيا من المشهد! والانتباه الى أنه ولا بلد عربي مطبع قطع علاقاته مع القتلة والمجرمين! الأمل قائم ما بقيت المقاومة نابضة في ضمائر الشعوب، والأمل كبير في هذه الشعوب المكلومة التي تتوجع ولا تعرف كيف تصرخ ولا في وجه من تصرخ ؟ والأمل في أن تعود مصر والسعودية على الاقل الى منطقة الحياد في الحرب ضد المقاومة وإيران، وأن يقتنعان أن تغول الكيان أخطر من الإخوان والشيعة وأخطر من أية إديولوجية أخرى داخل الجسم العربي.
الجزائر
المصدر: رأي اليوم