بقلم: مهدي مبارك عبد الله
في يوم ( صعب على إسرائيل ) كما قال رئيس الوزراء الاسرائيلي المجرم الفاشل بنيامين نتنياهو جاءت عملية إطلاق النار البطولية التي نفذها صباح يوم الاحد الماضي الشهيد المقدام العروبي ( ماهر ذياب حسين الجازي ) من سكان منطقة الحسينية في محافظة معان في الاردن الذي يبلغ من العمر 39 عامً ويعمل سائق شاحنة على الجانب الإسرائيلي في معبر اللنبي الحدودي كما يعرف اسرائيليا وجسر الملك حسين كما يسمى في الأردن ومعبر الكرامة كما في فلسطين وهو الرابط بين الاردن والضفة الغربية واسرائيل والتي اسفرت عن مقتل ثلاث افراد من العاملين في ادارة المغبر كبادرة غير مستغربة من الانتقام الشعبي الاردني الشجاع لدماء ابناء غزة والضفة الغربية والتي من الممكن أن تتكرر مرة اخرى.
وهي في عرف المقاومة المشروعة ضد الاحتلال تعتبر رد طبيعي ومتوقع في سياق موجة السخط والغضب الشعبي العارمة نتيجة التصعيد الإسرائيلي واستمرار ابشع الجرائم بحق المدنيين في قطاع غزة وعبر الاقتحامات اليومية في الضفة الغربية فضلا عن تسارع المحاولات الصهيونية لتهويد المسجد الأقصى المبارك والاعتداء على اهل القدس وهو ما يستفز شعور كل عربي ومسلم في العالم كما تعكس العملية حقيقة النبض الشعبي الأردني العروبي الذي يغلي إزاء المجازر اليومية بحق الفلسطينيين في كل الأراضي الفلسطينية المحتلة وبما يؤكد أن الشعوب العربية لم يتم تزييف وعيها بما يسمى بالسلام الرسمي مع كيان الاختلال وان ما يحصل في غزة والضفة الغربية حدث غير منفصل عما يسمى بوحدة الساحات لدى الشعوب العربية المحاصرة والثائرة.
هذه العملية الفدائية الجريئة والمشابهة نوعا ما لما حصل قرب الحدود المصرية سابقا تشير في توقيتها الدقيق والحساس الى خرق أمني وعسكري فاضح في المنظومة الاسرائيلية بعدما تمكن الشهيد البطل من تهريب مسدس وإطلاق الرصاص على الاسرائيليين المتواجدين في المكان اثناء عملهم وسوف تفُتح هذه الواقعة الباب واسعا على العديد من الاحتمالات والتطورات السياسية والأمنية والعسكرية خصوصًا بعد مواصلة الإعلام الإسرائيلي خلال الأشهر الماضية الحديث عن العديد من الاختراقات الايرانية للحدود الأردنية واحباط دخول شحنات مختلفة من الاسلحة والمتفجرات عبر الحدود الاردنية وزيادة التصريحات المتطرفة حول ضرورة السيطرة على المناطق القريبة منها وتحديدا ( مدينة أريحا ) التي تعتبر أولى المناطق الفلسطينية التي يصل اليها السائقين المتجهين من الحدود الأردنية اتجاه الضفة الغربية المحتلة.
حكومة الحرب الاسرائيلية ستسعى بالطبع للتصعيد واستغلال ما جرى على المعبر بعقليتها الأمنية والعسكرية المتوحشة التي تعتمد مبدأ الإجراء الدفاعي والوقائي لإعادة احياء تصوراتها الامنية والعسكرية القديمة المبيتة والتي تمثل تهديد حقيقي للأردن من خلال قضم المزيد من الأراضي المحاذية للحدود الاردنية وضمن ما عرف سابقا بمخطط “صفقة القرن” لفرض السيطرة الأمنية والعسكرية الكاملة على طول الحدود بين الجانبين وإغلاقها للمعابر البرية وتحريك الأليات والفطاعات العسكرية بالمنطقة في مخالفة صريحة وواضحة لما نصت عليه اتفاقية وادي عربة الموقعة بين الطرفين الأردني والإسرائيلي عام 1994 ووفقاً للملحق رقم (1) الذي يحدد ويضبط انتشار القوات علي الواجهات الحدودية فضلاً عن شروط المعاهدة التي تبين حجم القوات العسكرية علي الحدود وعددها وبعدها من الجوار المشترك.
معلوم بان الاردن يرتبط جغرافيا بأطول حدود مع إسرائيل على امتداد يصل إلى 335 كيلو متر كما يستضيف أكبر عدد من اللاجئين الفلسطينيين في العالم على اراضيه وفي ظل ادعاءات الكيان الصهيوني باحتمالات تعرضه لضربات قاسمة من الحدود الإسرائيلية الأردنية وتزامنها مع رغبة نتنياهو في توسيع نطاق الحرب الدائرة في غزة ونتيجة لما تشكله جبهة الضفة الغربية من مصدر قلق وخطورة مستمرة لإسرائيل فقد اتهم وزير الخارجية الإسرائيلي “ يسرائيل كاتس” وبعد تصاعد قوة وشدة عمليات المقاومة في الضفة الغربية إيران بمحاولة إنشاء ( جبهة إرهابية شرقية ) ضد إسرائيل عبر الحدود الشرقية حيث يقوم الحرس الثوري الإيراني بحسب زعمه بتهريب الأسلحة المختلفة من سوريا إلي الأردن ثم إلي الضفة الغربية لتصل الى فصائل المقاومة الفلسطينية المختلفة.
وبدعوى هذه الهواجس الامنية المصطنعة وغيرها سارع كاتس بالدعوة إلي ضرورة الاسراع في بناء سياج أمني علي الحدود الإسرائيلية – الأردنية وتوفير معدات الكترونية وكميرات مراقبة وأجهزة استشعار دقيقة وقوات عسكرية مدربة كإجراءات دفاعية مسبقة وليست هذه المرة الأولى التي يعلن فيها الكيان الاسرائيلي عن رغبته بإنشاء سياج امني على طول الحدود مع الأردن حيث تلقى مسؤولون بجيش الاحتلال أمرا بالبدء بالتخطيط للمشروع في عام 2012 كما أعلن نتنياهو في عام 2015 عن الحاجة الى بناء سياج او جدار مجهز بأنظمة استشعار في الحدود الجنوبية مع الأردن علي طول 238كم يمتد من بحيرة طبريا حتى خليج العقبة بهدف منع تسلل لاجئين من إفريقيا لكنه تم التراجع عنه لأسباب مالية بينما الآن يبدو انه أصبح من الضروري امنيا تنفيذه.
بحكم تعدد الرؤى والوسائل الاسرائيلية للتصدي لهذه المخاطر المزعومة والسعي المحموم الى (عسكرة الحدود الإسرائيلية – الأردنية ) شكل الكيان الصهيوني وعلي نحو مفاجئ ( فرقة عسكرية إسرائيلية جديدة ) لنشرها علي طول الحدود بين (إسرائيل والضفة الغربية والأردن) بدا من اراضي بيسان شمال الأغوار إلي شمال إيلات جنوباً خصوصا بعد تنفيذ عملية غور الأردن الشهيرة وتصاعد التهديدات الأمنية عند الحدود مع الأردن والخشية الاسرائيلية من المحاولات الإيرانية لتهريب كميات من الأسلحة والذخائر عبر الحدود الأردنية الى التنظيمات الفلسطينية في الضفة الغربية.
على مستوى رفيع وواضح هنالك اعتقاد امني وعسكري خاطئ لدى كثير من القادة الاسرائيليين بان المشكلة في الضفة الغربية لن تنتهي بالعمليات العسكرية المباشرة ما لم تغلق الحدود مع الأردن التي يسمونها (محور فيلادلفيا الشرقي) في وجه تهريب السلاح والمتفجرات إلي الأراضي الفلسطينية المحتلة.
بمتابعة ما ورد من تصريحات وتهديدات متوالية على ألسنة القادة الإسرائيليين تبرز بعض المؤشرات والدلالات القوية والواضحة على بوادر مشروع إسرائيلي علني يجري الإعداد له لعسكرة الحدود مع الاردن من خلال بناء سياج أمني أو إنشاء فرقة عسكرية إسرائيلية باعتبارها تشكل ثغرة امنية رخوة يمكن من خلالها استهداف إسرائيل وإلحاق المخاطر بها من قبل محور المقاومة على الرغم من وجود سياج ترابي طبيعي قديم واخر معدني لمنع عمليات التسلّل حيث تعتمد السلطات الإسرائيلية فيه على المراقبة اليومية والمسح الارضي الدائم للتأكد من عدم وجود أي اختراق لافراد او جماعات من الجانب الاردني.
التحركات العسكرية الإسرائيلية تجاه الحدود مع الاردن نقف وراءها أجندة سياسية قديمة تعمل في الاساس لمقايضة ملفات أخري عالقة بين الجانبين وعلي ما يبدو أن إسرائيل تخطط لترسيم الحدود مع الأردن وإلغاء الحدود الفلسطينية الشرقية بشكل إجباري ما يعني إنهاء فعلي لحل الدولتين ومخالفة لاتفاق أوسلو لترسيم الحدود ومحاولة السيطرة العسكرية علي منطقة غور الأردن ذات الأهمية الامنية الاستراتيجية لإسرائيل خاصة فيما يتعلق بالاستيطان الزراعي وفي المحصلة النهائية فرض السيطرة الكاملة علي الضفة الغربية وتكريس ضمها والتمهيد لتهجير فعلي لسكانها نحو الأردن من اجل قطع الطريق علي أي تنازلات سياسية يمكن أن تقدم للفلسطينيين في أي حل تفاوضي مستقبلي يمكن الوصول اليه.
خاصة بعد نطور العمليات والاقتحامات الإسرائيلية الاخيرة في 28 أغسطس الماضي لمحافظات جنين وطولكرم ومخيم الفارعة قرب طوباس وغيرها من مدن وقرى ومخيمات الضفة الغربية وهو ما يشكل في مضامينه خطر كبير على هوية الدولة الأردنية وأمنها الوطني ومصالحها العليا واستقرارها في المنطقة لان ( أي تحريك ديموغرافي للسكان خارج قطاع غزة اوالضفة الغربية وفلسطين عامة وبأي اتجاه يعتبر خط أحمر وبمثل إعلان حرب ضد الأردن ) ولا يمكن السماح لإسرائيل بمواصلة تهديدها للأمن الإقليمي وارتكاب جرائم حرب ومذابح وحشية ضد الشعب الفلسطيني وانتهاك كل مقدس للقانون الدولي دون عقاب دولي رادع.
التموضع الإسرائيلي علي الحدود مع الأردن سواء من خلال بناء جدار او سياج حدودي عازل أو إنشاء فرقة عسكرية او سواهما بحجة القضاء على المخاطر والتهديدات التي تصطنعها تل ابيب يُشكل انتهاكً كبير للسيادة الأردنية وهو مرفوض بتاتا ويجعل من الرد الأردني أمراً ضرورياً من شأنه أن يلحق الأردن والمنطقة بمشهد الحرب المستعرة في غزة خصوصا في ظل تداعيات الوضع الراهن المعقد الذي تتصاعد فيه الأحداث يوماً تلو الآخر نتيجة استمرار الجانب الإسرائيلي في فتح جبهات جديدة للحرب كانت أخرها القيام بعمليات عنيفة بالضفة الغربية يضاف اليها التهديدات المتزايدة بالسعي نحو عسكرة الحدود الإسرائيلية – الأردنية.
نتنياهو برعونته وغروره يريد إحاطة الكيان الإسرائيلي بأكمله بسياجات وجدران امنية دفاعية لن تجلب الأمن والاستقرار لكيان الاحتلال ما دام هناك انغلاق في الأفق السياسي وعدم جديّة في إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية وأن الأمن لن يتحقق لاسرائيل ابدا إلا من خلال سلام عادل يعطي الشعب الفلسطيني حقوقه الكاملة وبغير ذلك سوف يستمر تراجع الأمن والاستقرار الإقليمي وقد شاهد العالم اجمع السقوط المدوي لمثل هذه ( السياجات والحدران الامنية المتطورة ) في اول عبور لعناصر المقاومة الفلسطينية الابطال اثناء عملية طوفان الاقصى وتدميرها بالجرافات والصواريخ والمسيرات وحتى بالمعاول البدائية والايدي ومع كل ذلك لا يمكن ان يبقى مستقبل المنطقة مرهون بسياسات حكومة متطرفة يقودها ثور هائج نحة الهاوية والدمار.
ختاما نؤكد من جديد ان أية إجراءات أمنية إسرائيلية او التوجه لبناء سياج جديد على الحدود الاردنية يعكس في مضمونه حالة العجز الإسرائيلي في التعامل مع المقاومة وعملياتها الموجعة والمتصاعدة في غزة والضفة الغربية وان مثل هذا التفكير الفاشي يعتبر جزء من فصول المشاريع الصهيونية التي تستهدف الأردن باعتبار أن ملف الحدود مع فلسطين المحتلة قضية متعلقة بالمصالح والثوابت الأردنية والفلسطينية العليا ولا شأن للاحتلال بها من هنا على الاردن ومع ضرورات المرحلة التخلي عن سياسة الصبر الاستراتيجي المعتادة تجاه إسرائيل واليقظة من مخططاتها الإجرامية المبيتة والتصدي لأي محاولة لتهجير الشعب الفلسطيني داخل أرضه المحتلة أو إلى خارجها بكل قوته وإمكاناته.
كاتب وباحث متخصص في العلوم السياسية
mahdimubarak@gmail.com
المصدر: رأي اليوم