2024-09-17 10:10 م

«ثورة» سموتريتش الماسيانية: هكذا شُيّدت «إمبراطورية» المستوطنين

2024-09-09

«قبل أسابيع معدودة، التقيت مع أحد رؤساء المستوطنين في الضفة، وهو رجل ليكودي. سألته ما العلامة التي تمنحها لكل من سموتريتش وبن غفير، فقال الرجل إنني محبط من بن غفير، فهو يحكي أكثر ممّا يفعل، أمّا سموتريتش فأنا راضٍ عنه بشدة». هكذا افتتح المحلّل السياسي لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، ناحوم برنياع، تقريره حول التغيرات الجذرية التي أحدثها وزير المالية، والوزير في وزارة الأمن، سموتريتش، في وضع الضفة الغربية. ورغم أن التقرير لم يأتِ بجديد على هذا الصعيد، إلا أنه أوضح، بشيء من التفصيل، كيف تمكّن الوزير المتطرف، مؤسس حركة «ريغافيم»، من إحداث نقلة نوعية في المشروع الاستيطاني في الضفة في اتجاه ضم الأخيرة فعلياً إلى إسرائيل، بما مكّنه من نيل «العلامة» التي يستحقها.وفقاً للقانون الإسرائيلي، فإن الجيش هو السلطة العليا أو المتسيّد على الضفة، «لكن في الواقع، سُلّمت سيادة إسرائيل في يهودا والسامرة إلى طائفة سياسية مغلقة، متطرفة، تنصاع لإمرة شخص واحد وتتقدم بموجب خطة ماسيانية واحدة»، طبقاً لبرنياع، الذي يضيف أن رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، «يدعم تلك الطائفة أو لا يعرقلها. وما ينقصها حالياً، تكمله الثورة الحكومية داخل الخط الأخضر، بمعارضة ضعيفة من الجيش». ويبيّن الكاتب أن سموتريتش سيطر على الضفة بتكتيك الكماشة، التي تمثّل فكّها الأول في منصبه كوزير للمالية، والثاني في صلاحياته التي يستمدها من منصبه كوزير في وزارة الأمن، مضيفاً أن «الهدف الذي وضعه في خطة الحسم التي نشرها عام 2017 لم يتغير: التسبّب في انهيار السلطة الفلسطينية، منع إقامة دولة فلسطينية، ووضع السبعة ملايين عربي الذين يعيشون بين نهر الأردن والبحر أمام واحد من هذه الخيارات: الموت في المعركة، الهجرة إلى الخارج، أو البقاء مواطنين من الدرجة الثانية إلى الأبد».
وفي ذلك السياق، جمّد سموتريتش أو أخّر تحويل أموال المقاصة التي تجبيها إسرائيل لمصلحة السلطة الفلسطينية من الجمارك والضرائب، كي تسدد رواتب موظفيها. ولم يكتفِ بهذا فقط، بل عمد إلى تفعيل «البند ب في قانون تعويض ضحايا الإرهاب»، والذي صُدّق في حزيران الفائت بدفع من وزير القضاء، ياريف ليفين، ورئيس لجنة القانون والدستور، سيمحا روتمان، وينص على أن أي «جريح يُصاب أثناء عمل إرهابي بإعاقة دائمة، يستحق تعويضاً حتى خمسة ملايين شيكل»، وهي الأموال التي تخصمها إسرائيل من مستحقات المقاصة، وتوازي المخصصات التي تدفعها السلطة الفلسطينية لأسر الشهداء والأسرى الفلسطينيين، وبإمكان إسرائيل - وفقاً للقانون الجديد - خصمها مرتين. أيضاً، جرى، منذ السابع من أكتوبر، وقف منح تصاريح العمل داخل الخط الأخضر؛ ويلفت برنياع، هنا، إلى أن «الشاباك الذي خشي من تبعات الأزمة الاقتصادية وتأثيرها على تصاعد عمليات المقاومة، أعدّ خطة لدخول مراقَب لقسم من العمال إلى أماكن عمل دائمة»، فيما «الجيش أيّد هذه الخطة، لكن سموتريتش وزملاءه مارسوا ضغوطاً أدت إلى رفضها، ولم يتبق للسكان الفلسطينيين سوى الاعتماد على مساعدات خارجية، بينها أموال ترسلها إيران إلى حركتي حماس والجهاد الإسلامي».
أمّا الذراع الثانية في «إمبراطورية سموتريتش»، فتتمثل في هيلل روت من مستوطنة «يتسهار»، والذي بات، بعد تعيينه في منصب نائب رئيس الإدارة المدنية للشؤون المدنية، من جانب سموتريتش، حاكم الضفة الفعلي. وفي هذا الإطار، ينقل برنياع عن البروفيسور دان تيرنر، المستوطن في مستوطنة «كفار أدوميم» على طريق القدس – أريحا، قوله إن «كل صلاحيات رئيس الإدارة المدنية مُنحت لروت، الذي يخضع لإدارة الاستيطان، وهي هيئة سياسية في وزارة سموتريتش في وزارة الأمن». ومن بين تلك الصلاحيات إشغال وظائف رؤساء الأقسام في الإدارة المدنية؛ إذ يقوم روت «بتعيين ناشطين في حزب الصهيونية الدينية فيها، وهكذا تم أخيراً تعيين مهندس من مستوطنة ريفافا في منصب مدير مكتب التخطيط في الإدارة المدنية، وهو السلطة الأعلى في مجال التخطيط والبناء (في الضفة)».
كما أن «ثورة سموتريتش» طاولت «المستشار القضائي ليهودا والسامرة»، والذي يتبع للنيابة العسكرية؛ إذ سُرّح وأُغلقت دائرته، فيما «عيّن سموتريتش أكثر من 20 محامياً، مهمّتهم تغيير الأنظمة بسرعة بهدف السماح بتطوير المنطقة لليهود فقط»، بحسب تيرنر الذي يوضح أن «كل المسائل يديرها مسؤولون مدنيون، سياسيون. فجعل الخدمات مدنية هو إحدى وسائل سموتريتش من أجل التحرر من سيطرة الجيش وتنفيذ الضمّ الفعلي». ويبين أنه «خلال السنة ونصف السنة الماضية، لا يوجد أي تخطيط لـ300 ألف فلسطيني يسكنون في المنطقة ج، ولم يمنحوا حتّى تصريح بناء واحد، فيما عمليات الهدم، وضمنها هدم آبار المياه والمدارس، باتت أمراً روتينياً». وفي المقابل، تضاعف الإعلان عن أراضٍ باعتبارها «أراضي دولة» أربع مرات، كما تضاعفت بالقدر نفسه تصاريح البناء، وتسارعت إقامة البؤر الاستيطانية العشوائية من دون تصاريح. ووفقاً لتيرنر، «ثمة أكثر من 100 مزرعة وبؤرة استيطانية عشوائية صغيرة داخل مراعي الفلسطينيين. ولا يتم إنفاذ (القانون، على) البناء غير المرخص لدى اليهود، بتشجيع من سموتريتش». ومن جهتها، تتصرّف «شرطة يهودا والسامرة وفقاً لسياسة (وزير الأمن القومي، إيتمار) بن غفير؛ إذ تمتنع عن إيقاف العنف والإرهاب اليهوديين. وإذا اعتُقل مستوطن يُسرّح على الفور».
والواقع أن كلّ ما تقدّم «لن يساعدنا في جلسات المحكمة ضدنا في لاهاي»، بحسب تيرنر، وهو ما يتقاطع مع ما نقله برنياع عن مسؤولين أمنيين إسرائيليين، عبّروا عن تخوفهم من «تأثير الإجراءات الكهانية (الإرهاب المستمد من عقيدة الراف مئير كهانا، مؤسس حركة «كاخ» الإرهابية) في الضفة على تصاعد الإرهاب (عمليات المقاومة)، ومن حكم قد يصدر عن المحكمتين الدوليتين في لاهاي». ووفقاً لبرنياع، فإن ما يحدث في الضفة «يبدو ذريعة مريحة لإصدار مذكرات توقيف لوزراء في الحكومة، من بينهم رئيسها»، كما أن «الإدارة الأميركية قلقة من التغييرات التي تحدث في الضفة، بما لا يقل عن قلقها من الجمود في غزة. وما يحدث في الضفة لا يبقى في الضفة».
وجدّد سموتريتش، أمس، في منشور على «إكس»، دفاعه عن ما يقوم به في الضفة، قائلاً إن «مهمة حياتي هي بناء أرض إسرائيل وإحباط إقامة دولة فلسطينية من شأنها أن تعرض دولة إسرائيل للخطر. الأمر ليس سياسياً، بل وطني ووجودي. ولهذا السبب أخذت على عاتقي، بالإضافة إلى منصب وزير المالية، مسؤولية القضايا المدنية في يهودا والسامرة». وأضاف «(أنني) سأواصل العمل بكل قوتي حتى يتمتع نصف مليون مستوطن يقيمون في الجبهة وتحت النار، بحقوق كل مواطن في إسرائيل، وترسيخ الوقائع التي تمنع قيام دولة إرهابية فلسطينية، تكون (...) قاعدة أمامية إيرانية للمذبحة القادمة في كفار سابا ورعنانا ووسط البلاد بأكمله».

المصدر: الاخبار اللبنانية