2024-11-05 08:58 م

الرئيس أردوغان دقّ الجرس وأشعل الضوء الأحمر.. 

2024-09-09

بقلم: كمال خلف
عندما يقول الرئيس التركي رجب طيب اردوغان “إسرائيل لن تتوقف في غزة، بل ستحتل رام الله أيضا إن استمرت بهذا الشكل، وستضع مناطق أخرى نصب عينيها إلى أن يأتي الدور على دول أخرى في المنطقة مثل لبنان وسوريا ودول أخرى” والأخطر عندما يقول ان هذا التوسع الإسرائيلي سوف يصل الى تركية “سيطمعون في أراضي وطننا بين (نهري) دجلة والفرات”.
هذا يعني ان تركيا اشتعل عندها الضوء الأحمر، وباتت على قناعة ان ما تقوم به إسرائيل ليس محاولات لاستعادة الرهائن فحسب او اخضاع حماس والقضاء عليها ولا احتلالا طويل الاجل لغزة، انما تحركات استراتيجية تهدف الى حداث تغيرات في خارطة الشرق الأوسط والعبث بالحدود والوجود السكاني وخارطة السيطرة والنفوذ. وقد كان قادة إسرائيل ومن بينهم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو قد اعلنوا بداية الحرب ومن الشهر الأول لها في أكتوبر العام الماضي ان هدف الحرب هو تغير وجه الشرق الأوسط. واذا كانت هذه القناعة قد باتت في ذهن قادة تركيا وعبر عنها الرئيس اردوغان بكلمات واضحة لا لبس فيها، فان هذه القناعة لابد انها باتت موجودة في اذهان قادة المنطقة في الإقليم وبعض أصحاب القرار في الدول العربية. وقد عبر وزير خارجية الأردن ” ايمن الصفدي ” قبل أيام خلال مؤتمر صحفي جمعه بنظيرته الألمانية التي تجول في المنطقة، عن هذه الهواجس، عندما قال ان مشروع تهجير السكان الفلسطينيين من الضفة الغربية تعتبره عمان اعلان حرب عليها. وهذه اقسى لغة يستخدمها بيان اردني منذ توقيع اتفاق وداي عربة بين الأردن وإسرائيل مطلع تسعينيات القرن الماضي.
اللافت ان الرئيس اردوغان ربط بين تسريع وإنجاز المصالحة وتحسين العلاقات مع مصر وسورية، وبين التصدي لاطماع ومشاريع إسرائيل في المنطقة، وكان قد استقبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في انقرة، بالتزامن مع ما تواجهه مصر من تحدي الاستفزاز الإسرائيلي على حدودها، وتجاهل نتنياهو اتفاقية السلام الموقع مع القاهرة عام 1979، وملحق الحدود على محور فيلادلفيا بين شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة الموقع عام 2005 بعد الانسحاب الإسرائيلي من القطاع. ولم تكتفي إسرائيل بتجاهل الاتفاقية وخرقها بل حمل نتنياهو مصر مسؤولية تهريب الأسلحة من الحدود، وهو ما اثار غضب القاهرة. واذا كان الرئيس اردوغان تجاوز الخلافات العميقة مع مصر، وسنوات كان الداعم فيها للمعارضة المصرية والشق الاخواني منها على وجه التحديد، فان مهمة المصالحة مع سورية تبدو اصعب واعقد، اذ مازالت القوات التركية تحتل مناطق واسعة من الشمال السوري، وتدعم فصائل مسلحة مازالت ترفع شعار اسقاط النظام، وحكومة مؤقته تدير مناطق الشمال بعيدا عن سيطرة الدولة السورية. وحسب التصريحات الصادرة من انقرة، فان الرئيس اردوغان يرغب في تجاوز الخلافات وإعادة ما انقطع مع دمشق، وقد جير هذه الرغبة مؤخرا لصالح دعوته للتعاون وتشكيل جبهة من الدول الإسلامية للتصدي لمشاريع التوسع الإسرائيلية في المنطقة، وسياسة حسم الصراع التي ذهبت اليها حكومة بنيامين نتنياهو.
خوف اردوغان على سورية ولبنان من إسرائيل مشروع وفي محله، ودعوته للتضامن بين دول المنطقة الإسلامية يقظة ونداء يستحق التوقف عنده والعمل من اجله بسرعة وجدية، لكن السؤال الذي طرأ بالاذهان بعد هذه الدعوة التركية، هو لماذا شاركت تركية مع بعض الدول الإسلامية والعربية بقيادة الولايات المتحدة في تدمير سورية واضعافها واشغال جيشها عن مهمة التصدي لإسرائيل الى القتال داخل الحدود مع جماعات وفصائل اغلبها متطرف من اجل الحفاظ على وحدة سورية، وقد ظهر بعد عقد من الزمن ان هذا المشروع صب في نهاية المطاف لمصلحة إسرائيل ومشروعاتها في تصفية القضية الفلسطينية ومحاولة تنفيذ خطط على حساب دول المنطقة ؟ هذا السؤال لابد ان يوجه الى تركية، مع مد اليد لها لوضع حد لإسرائيل وتصحيح خطايا السياسات السابقة، فتركية دولة جارة كبيرة ومهمة، وتشبيك علاقتها مع مصر وايران وسورية والعراق يمكن ان يحدث فرقا كبيرا في عملية إدارة الإقليم، وتجنب اثار الضعف الظاهر في الإدارة الامريكية، والذي يؤدي الى عربدة إسرائيل في المنطقة قتلا وتدميرا وانتهاكا لكل القوانين الدولية.
حتى اللحظة لم ترد إسرائيل على تصريحات الرئيس اردوغان، مع العلم ان كلامه يحمل رؤية استراتيجية تتطلب من دول المنطقة والعربية منها على وجه الخصوص إعادة الحسابات ومراجعة الخطاب، وبناء سياسات جديدة تنسجم مع مستجدات كبيرة وغير عادية تشهدها المنطقة.
خاصة ان قادة إسرائيل المتطرفين والإرهابيين يعنون تماما ما يقولون. ألم يقل نتنياهو وهو يقف امام خارطة فلسطين كلها ان هذه إسرائيل ترون انها صغيرة جدا، واصغر الدول في العالم، والم يقل قبله دونالد ترامب اثناء الحملة الانتخابية وهو يغازل اللوبي الصهيوني في أمريكا ان إسرائيل صغيرة، وانها بحاجة لان تتوسع وهذا التوسع على حساب من؟ وكيف؟
وفي المرة الماضية التي انتقد فيها اردوغان إسرائيل، كيف رد عليه قادة إسرائيل المتطرفون؟ الم يهددوه بمصير “صدام حسين” أي اسقاط النظام في تركية وقتله. وهذا طبعا اعتراف إسرائيلي “مر مرورا في زحمة الاحداث” بان إسرائيل من يقف خلف غزو العراق 2003 واحتلال بغداد وقتل الرئيس السابق صدام حسين لانه قصف تل ابيب بالصواريخ.
كلام الرئيس اردوغان يجب ان يتحول الى برنامج عمل فورا، وعلى دول المنطقة ان تتكاتف وان تتجاهل الولايات المتحدة واكاذيبها، لان المعضلة ليست مفاوضات وقف النهار في غزة التي ما زالنا نتلهى بها وننتظر نتائجها بينما الجميع يعلم ان إسرائيل لا تريدها وتعطلها. وأول خطوات برنامج العمل هي انسحاب تركية من سورية فورا، والتعاون مع الحكومة السورية لإعادة وحدة وقوة سورية، ومد اليد للبنان وتقويته ودعمه ودعم مقاومته في وجه أطماع إسرائيل وهزيمتها في جنوب لبنان حتى لا تفكر في غزو لبنان بالكامل.
اردوغان دق الجرس بكلام مهم، وعلينا ان نتحول نحو العمل.
كاتب وإعلامي فلسطيني

المصدر: رأي اليوم