بقلم: نبيه البرجي
أياً يكن ذاك الذي قال "اليوم التالي لنا". هذا كلام لا ينطق به حتى الأنبياء، وحتى الأباطرة. ما بالك بديكة الشاشات والساحات ولوحات الاعلانات التي نرى عليها بين الحين والآخر، مفاتن راقصات ومغنيات، هذا الزمان الذي يستشري فيه أساقفة النار. هؤلاء الذين يرون في أنفسهم أنصاف الآلهة، لنسأل في طريقة ادارتهم للطوائف وعجزهم عن ادارة الأزمات، اذا كانوا أنصاف البشر؟
بل من نحن وماذا فعلنا؟ وأين هي صرختنا كألواح خشبية يجثم فوقها ذلك النوع من القادة، بثقافة التفاهة وبشعارات العتابا والميجانا، وبهذا الكرنفال (كرنفال الدمى) أو ذاك ؟ ليقل لنا صانع "اليوم التالي" ما اذا لم يكن من تلك الثلة المبعثرة على رقعة الشطرنج. لا خطط ولا استراتيجيات، جمهورية على شاكلة "بوسطات" أيام زمان "سيري فعين الله ترعاك".
نحن الذين نتأرجح بين المستنقع السياسي والمستنقع الطائفي، حين نكون معلّبين غرائزياً، مبرمجين غرائزياً الى ذلك الحد، لنهلل للذين اقتادونا الى قعر القرن. من تراه يتصور أن باستطاعة تلك الأوليغراشيا الرثة، أن تبني دولة قابلة للحياة. لاحظوا أي نوع من المرشحين نطرح لملء الفراغ في القصر ، ملء الفراغ بالفراغ، ومكافحة الفساد بالفساد....
هذه آفة الشرق الأوسط الذي سبق وذكرنا وصف برنارد لويس له بـ "العربة العتيقة التي تجرها آلهة مجنونة". أي آلهة هؤلاء ؟ انظروا الى وجوههم والى ظهورهم، والى ما يفعلونه على الأرض وتحت الأرض. رؤوس مستهلكة في أسواق الأمم وفي اسواق القبائل، ليرى فينا الآخرون العكازات الخشبية التي اما أنها تدق على باب الهيكل، وعليها يراهن بنيامين نتنياهو لتفكيك لبنان، أو في حضرة البلاط، وعليها يراهن من يدفعون التاريخ الى الوراء، التاريخ الذي يعرف كيف يجر القادة الذين خرجوا للتو من سروال هولاكو أو من سروال كاليغولا الى الهاوية.
كم هو عبقري من قال "اليوم التالي لنا"، حين لا يعرف حتى جو بايدن ووراءه دونالد ترامب ولا فلاديمير بوتين ولا شي جين بينغ، ما يمكن أن تأتي به الساعة التالية، وربما الدقيقة التالية.
هذا الا اذا كان، وكما علمتنا الأيام يوم الأزقة ويوم الأقبية (التي تلقى فيها الجثث)، ويوم الخنادق التي نحفرها لتكون قبورنا، لا قبور من يريد بتكشيرة البرابرة، الانقضاض علينا بتلك الايديولوجيا التي لا تليق البتة بالكائنات البشرية. حتى إن ألبرت اينشتاين حين زار حائط المبكى، وشاهد تلك الطقوس المجنونة، استغرب "كيف يمكن أن يكون هناك مكان لهؤلاء القردة"؟
الى أين يذهب بالمسيحيين مَن يطرح نفسه وصياً بالدم أو بالكلمة أو بالموقف عليهم. مسيحيو الاشعاع لا مسيحيو الظلمات. ليس بتلك اللغة، لغة الفريق (لا لغة الشريك أو الشقيق)، يعود الألق الى لبنان الذي نعيد ونذكّر بقول السفير الفرنسي السابق رينيه آلا عنه انه "ينتج اللبنانيين"، لا لبنان الذي يتقيأ ذلك النوع من اللبنانيين الذين يتأرجحون بين جاذبية الصومعة وجاذبية الزنزانة. المسيحيون من هم على خطى السيد المسيح، يضعون الله لا الساتر الترابي بينهم وبين الآخرين.
هذه لوثة قيادات أخرى لا تعرف أن تضع في الصفوف الأمامية، سوى من يفترض وضعهم على الرف. قد نكون دون أن ندري الى أين تذهب بنا الرياح الهوجاء، أمام البلقنة. خرائط أخرى وعروش أخرى ودول أخرى، بعدما دعانا رجل الدولة الفرنسي دومينيك دو فيلبان الى التوقف عن "بلقنة السماء"، فيما نحن غافلون عن "بلقنة الأرض"، لكأننا لسنا أمام المغول الجدد ان ترعرعوا في كهف "يهوه" أو ترعرعوا في كهوف تورا بورا.
يا رجل، من أنتَ (أجل من أنتَ ؟) لتقول، بوجود ذلك الحشد من الياقات الفاخرة، ولا يمكن قطعاً وصفهم بالغربان بالياقات البيضاء، لأنهم أهلنا ولأننا أهلهم، ونقول مثلما قال تيار دو شاردان "أيها السيد أضئ طريقي بالآخر والى الآخر". حتى إننا عاجزون عن أن يكون هذا اليوم يومنا. ماذا فعلنا سوى التأجيج الطائفي والتأجيج السياسي، ليكون اليوم التالي يومنا. كفى المسيحيين، بذلك التراث الفذ، تفتتاً وتشتتاً، وهم الأكثر أهلية لاخراجنا من ذاك الشتات الداخلي.
يبقى علينا، ونحن نأكل لحم بعضنا بعضا، أن نسأل الناصري "أيها السيد كيف الانتقال من طريق الجلجلة الى القيامة؟ لعله يجيب "ليس بأولئك الفرّيسيين، ملوك الطوائف، تصلون الى القيامة"!!
المصدر: الديار اللبنانية