2024-11-16 03:33 م

ما هي الخيارات الاستراتيجية لتل أبيب وواشنطن؟

2024-08-31

بقلم: ناصر قنديل
– تتزاحم التأكيدات التي انتقلت إلى صفحات الصحف الإسرائيلية حول وصول الطائرات المسيّرة للمقاومة الى الهدف المقرّر في ضاحية تل أبيب الشمالية، وإصابة مقار الوحدة 8200، ويتأكد سقوط رواية الضربة الاستباقية التي روّج لها كيان الاحتلال، سواء لمجرد أنها لم تنجح في منع الرد واستباق حدوثه، أو لجهة ما تضمنته من مبالغات كشفت كونها مجرد بروباغندا إعلامية تتحدث عن فرضية منع رد لا يشبه منهج المقاومة بالحديث عن آلاف الصواريخ الموجهة نحو تجمعات سكانية في عمق الكيان تمّ تدميرها، والمقاومة لم تكن وليست بوارد مثل هذا التفكير، وخطابها واضح لجهة منهجية الربح بالنقاط وتماثل الرد مع الاعتداء، إضافة لكون عدد الصواريخ غير قابل للتصديق أصلاً.
– هذا جعل الكلام الإسرائيلي عن عدم الرغبة بالحرب والتصعيد، ومثله الكلام عن أن الحرب مع حزب الله مؤجلة إلى المستقبل البعيد، ليس إلا اعترافاً بسحب التهديد بالحرب على لبنان من التداول حتى مع وجود الحشود الأميركية الاستثنائية في المنطقة، والعجز عن تقديمها معونة حقيقية في المواجهة مع حزب الله، كما سبق وقال رئيس أركان الجيوش الأميركية بسبب عامل الجغرافيا، فغابت طوال الأيام الماضية، رغم محاولات استرداد لغة الوعود بالحلول لمستوطني الشمال وبدء العام الدراسي، كل مفردات، إبعاد حزب الله إلى ما وراء الليطاني، وإعادة لبنان الى العصر الحجري، واعطاء مهلة اسبوعين للحل الدبلوماسي والا فان الجيش سوف يتصرّف، وهذا يعني بالحد الأدنى الضياع الاستراتيجي أو الفراغ الاستراتيجي، وفي كل الأحوال العجز الاستراتيجي.
– على الضفاف الموازية يعيش الكيان حال الترقب والقلق تجاه ما قد يحدث من جبهتي اليمن وإيران، وسقف ما تعده به التدخلات الأميركية هو تخفيض الأضرار، والواضح مما جرى على جبهة لبنان أنه معني باحتواء الردود والادعاء بالقيام بإفشالها تفادياً للدخول في منازلة حربية ليس قادراً على مجاراة تحدياتها، ومثله أميركا، بل أكثر منه تطلعاً للانتهاء من جولة التحدي، طالما أن العمليات على القوات الأميركية في سورية والعراق استمرّت ولن تقف، ولا تملك واشنطن جواباً عسكرياً في مواجهتها، بينما الكيان لا يستطيع امتلاك جواب عسكري على معضلات عملياته في قطاع غزة، ورغم رفض الذين يرون أميركا والكيان في حال قدرة وصعود التسليم بهذه الحقيقة، ويصرّون على وضع معارك الضفة الغربية في سياق هجومي، يبقى أن هذه العملية أهم تعبيرات العجز الاستراتيجي والفشل الاستراتيجي والفراغ الاستراتيجي.
– يمكن الجزم بصورة مبكرة بأن عملية اجتياح الضفة الغربية ومحاولة الحسم فيها محكوم عليها بالفشل، ولن يكون متاحاً المضي بها لزمن طويل ولا باللجوء إلى النمط المعتمد في حرب غزة، لأن قلب الكيان سوف يتوقف عن النبض في هذه الحالة ويدخل الكيان في حالة الموت السريري، لأن الضفة الغربية هي الأمن الاستراتيجي للكيان والاستيطان، وسقف ما سيصل إليه الكيان هو حرب مفتوحة بين المستوطنين وسكان المدن والمخيمات الفلسطينية توازيها حرب مفتوحة بين جيش الاحتلال والمقاومة، والعمليات الاستشهادية وراء الباب.
– لا تملك واشنطن وتل أبيب أجوبة على الأسئلة الكبرى للمعضلات الكبرى، من نوع كيف يتم عسكرياً تحقيق إنجازات على المقاومة في غزة، واستعادة الأسرى؟ وكيف يتم تعزيز الردع مع المقاومة في لبنان وإعادة المستوطنين؟ وكيف تستردّ واشنطن الردع في البحر الأحمر، وفتح الطريق أمام السفن الممنوعة من العبور؟ وثمة ثلاثة خيارات مرة، الخيار الأول هو الذهاب الى حرب شاملة فاصلة تنتهي بانتصار حاسم وساحق لأحد الطرفين، بكل ما لذلك من اعتبارات وجودية في حسابات الكيان وجدية خطر أن تتحول هذه الحرب الى الخراب الثالث الموعود، وقلق أميركي حقيقي وجدي من الانخراط في أصعب وأكبر وأعقد حروب القرن بلا طائل، وإعلان مسبق بالاستعداد لخسارة المنافسة مع روسيا والصين، والخيار الثاني هو قبول حرب استنزاف مفتوحة مستمرة يتداعى فيها وضع الكيان وقدرته على الردع، ويربح فيها محور المقاومة بالنقاط وفقاً لما يُخطط، وتدفع واشنطن ثمن التراجع المتمادي في وضع الكيان، وفي النهاية الذهاب إلى تسوية تكون كلفتها أكبر من كلفتها اليوم، أو إلى الحرب الشاملة ببنية أضعف بكثير مما هي اليوم، وأضعف بالتأكيد مما كانت عليه قبل أحد عشر شهراً، أما الخيار الثالث فهو القبول بحل تفاوضي الآن. والآن هنا هي ربما قبل او بعد الرد اليمني والرد الأيراني، وقبل او بعد اختبار سقف ما يمكن تحقيقه من أمن مستقبلي للكيان عبر حرب الضفة، ولأن الجواب النبيه في الأمرين هو قبل، والجواب الأحمق في الأمرين هو بعد، فالأرجح إذا كان هذا هو الخيار أن يكون بعد، ولكن هذا يفسر أن يضع بنيامين نتنياهو في الواجهة عناوين تفاوضية مثل مصير محور فيلادلفيا.
– الفراغ الاستراتيجي والفشل الاستراتيجي والعجز الاستراتيجي يجعل القلق الاستراتيجي يتجه نحو ما يعتبره الكيان الداخل، وهو هنا تحدي الضفة الغربية، ويجعل أضعف التفاصيل التكتيكية أهمية وأقلها حجماً تحتل المشهد، وهي هنا محور فيلادلفيا. وبدلاً من أن يصوّت الكابينت على قرار الحرب على لبنان لضمان فتح المدارس أول أيلول، واستثمار تدمير القدرة الصاروخية لحزب الله وفق رواية الضربة الاستباقية، أخذه نتنياهو للتصويت على البقاء في محور فيلادلفيا.