2024-11-16 12:25 م

غزة - الضفّة: «الحبل السُّرّي» لا ينقطع

2024-08-30

بقلم: يوسف فارس
تقود العودة إلى المشهد الميداني الذي كان قائماً في الأراضي الفلسطينية المحتلة، قبل السابع من أكتوبر، إلى نتيجة مفادها أن المحرّك الأساسيّ لكل ما يحدث منذ عام كامل في قطاع غزة، كان المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية، والذي أصابته حالة من السعار مع تقلّد حكومة «حسم الصراع» الإسرائيلية الحالية زمام المشهد. طوال عامين من تجدّد خلايا المقاومة في الضفة، بدءاً من «كتيبة جنين» في المخيم، إلى مجموعات «عرين الأسود» في نابلس، ثم «كتائب طوباس» و«كتائب طولكرم» و«كتائب أريحا»، شكّلت تلك الظاهرة التي لم يُقِم جيش الاحتلال لها وزناً في بداية الأمر، التحدّي الموضوعي الذي يعترض طريق المشروع الاستيطاني. ثم سرعان ما أضحت هذه المجموعات التي قوبلت باحتضان كامل من المقاومة في غزة، المشروع الوليد، الذي سُخّرت لأجله كل القدرات. وفي ما بعد تحوّلت إلى أداة مقايضة وابتزاز، بعدما ربط جيش الاحتلال استمرار تدفّق المساعدات المالية القطرية إلى القطاع، والتي كانت تُمرّر بشكل شهري من خلال السفير القطري، محمد العمادي، برفع يد المقاومة عن دعم الضفة.وحينما استطاعت المقاومة تفعيل أدوات عطّلت ذلك المسعى، وأجبرت جيش الاحتلال على شراء المزيد من الهدوء، أعلن الأخير أن ثمن مواصلة التحريض وإدارة المشهد في الضفة من القطاع، سيكون إعادة تفعيل سياسة الاغتيالات. وقد دفعت «سرايا القدس»، الذراع العسكرية لحركة «الجهاد الإسلامي» ثمن مواقفها باغتيال ستة من أعضاء مجلسها العسكري في جولتين قتاليتين هما «وحدة الساحات» في آب 2022، ثم «ثأر الأحرار» في أيار 2023. وقضى في تينك الجولتين، كل من القادة: تيسير الجعبري وخالد منصور، ثم خليل البهتيني وطارق عز الدين وجهاد غنّام وإياد الحسني، علماً أن بعض هؤلاء كانوا يمثّلون أهم القادة الفاعلين في ملف الضفة. وبدا مفهوماً، أن هذا النوع من عمليات الاغتيال، والتي تقود إلى أيام محدودة من القتال، سيتحوّل إلى نموذج مغرٍ للاحتلال، سيتم تطبيقه بعد الانتهاء من «الجهاد الإسلامي»، على قادة حركة «حماس»، التي تمتلك مخزوناً بشرياً من القادة العسكريين، الذين هم من الأسرى المحررين في صفقة «وفاء الأحرار»، وينشطون من القطاع في إدارة المشهد في الضفة.
وبعيداً عن التكتيك وخطورة منحى الاستنزاف، صار واضحاً أن الحكومة الإسرائيلية التي تقرّر سياساتها الأحزابُ اليمنية الأكثر تشدداً في إسرائيل، تمضي في مسار الحسم الناجز للملفات المعلّقة في الضفة المحتلة. وكان رئيس المكتب السياسي لـ«حماس»، يحيى السنوار، قد أعلن، في خطاب الانطلاقة عام 2022 والذي حمل شعار «آتون بطوفان هادر»، أن «تقدير جهاز استخبارات القسام يؤكد أننا في ظل الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة سنكون في خلال عام 2023 أمام استحقاقات كبرى». وإزاء ما تقدم، تؤكد العملية العسكرية الكبيرة التي يشنها جيش العدو على مدن ومخيمات شمال الضفة، بغرض استئصال خلايا المقاومة وإزالة تهديدها الذي تضاعف عقب هجوم تل أبيب الأخير، أن جيش الاحتلال الذي تتسبّب حربه المستمرة في قطاع غزة منذ 11 شهراً بخسائر اقتصادية وبشرية كبرى، ماضٍ في طريق «حسم الصراع»، وخصوصاً في الضفة، التي ليست في أدبيات الصهيونية سوى «يهودا والسامرة» التي لا تقوم دولة إسرائيل من دون السيطرة الكلية عليها. وفيما يخوض رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، حربه الفاصلة على كل الوجود الفلسطيني، وتبذل المقاومة كل طاقتها للمحافظة على حضورها القادر على استدامة الصراع، تعيش المؤسسة الرسمية الفلسطينية في الضفة حالة من الانفصال الكلي عن الواقع، إذ لم تجترح، لا خلال العدوان المستمر على القطاع، ولا حتى مع انتقال النار إلى الضفة، أيّ موقف يمكن أن يصنع فارقاً في المشهد.
المصدر: الاخبار اللبنانية