تصدرت أعمال الشغب العنصرية الأخيرة ضد المسلمين والمهاجرين في بريطانيا عناوين الصحف العالمية، لتوصف بأنها الأعنف منذ 13 عامًا، ومع ذلك، هناك جانب لم يركز عليه أحد تقريبًا، وهو كيف يحاول المؤثرون من أقصى اليمين الذين حركوا الاحتجاجات العنيفة ربط قضية معاداة المهاجرين بـ”إسرائيل”، وكيف أن معظمهم من المأجورين للدفاع عن الحرب الإسرائيلية على غزة.
الفتيل الذي أشعل العنصرية
ما شهدته بريطانيا مؤخرًا من “عنصرية متفشية” ليس سوى مثالًا على كيف أشعلت وسائل التواصل الاجتماعي والكراهية اليمينية المتطرفة العنف في جميع أنحاء بريطانيا، في أعقاب هجوم وقع في 29 يوليو/تموز الماضي، وأسفر عن مقتل 3 فتيات صغيرات وإصابة 8 أطفال آخرين واثنين من البالغين في ساوثبورت بشمال إنجلترا.
حسابات يمينية على منصات التواصل استغلت الحدث، وأججت الأوضاع بزعم أن المشتبه به الرئيسي كان مهاجرًا ومسلمًا متطرفًا، وصل إلى بريطانيا بشكل غير قانوني في قارب.
انتشر هذا الخبر الكاذب بسرعة على وسائل التواصل الاجتماعي، ما أثار احتجاجات عنيفة ضد المسلمين في ساوثبورت، وهاجم المتظاهرون المناهضون للمسلمين مسجدًا محليًا، وأشعلوا النيران في المركبات، وألقوا الحجارة على الشرطة، وأصيب أكثر من 50 ضابط شرطة في الاشتباكات.
وعلى الرغم من تأكيد الشرطة لاحقًا أن الحادث لم يكن مرتبطًا بالإرهاب، وتحديد هوية المشتبه به على أنه شاب مراهق في الـ17 من عمره، ليس مسلمًا ولا حتى مهاجرًا، ولد في بريطانيا لأبوين مسيحيين من رواندا، انتشرت الاحتجاجات في أكثر من 20 مدينة بجميع أنحاء بريطانيا، وشملت هجمات عنصرية على المسلمين والبريطانيين الآسيويين والبريطانيين السود.
وتعرضت فنادق المهاجرين للهجوم، وتم اقتحام المتاجر وإشعال النار في السيارات، وامتدت الممارسات العنصرية لتشمل مقبرة إسلامية في بورنلي، حيث دنس متظاهرون شواهد بعض القبور بالطلاء، وهو ما أدى إلى تعزيز شعور الخوف والقلق في أوساط ما يناهز 4 ملايين مسلم في بريطانيا.
ووصف العديد من المحتجين أنفسهم بأنهم “وطنيون مهتمون بارتفاع مستويات الهجرة”، وهذا سرد يغذيه زعيم حزب “إصلاح بريطانيا” اليميني المناهض للهجرة نايجل فاراج الذي فاز حزبه بـ4 ملايين صوت و4 مقاعد في البرلمان في الانتخابات العامة لعام 2024.
ورغم أن المشاعر المعادية للمسلمين والعرب كانت مرتفعة منذ بدأت حرب الغرب على الإرهاب، خاصة في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/أيلول، فإن حدة هذا الخطاب خفتت قليلًا على مدى السنوات القليلة الماضية، ومع ذلك، تصاعد الخطاب المعادي للإسلام بشكل غير مسبوق في أعقاب هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
وفقًا لمجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير)، كان عدد الشكاوى الواردة بشأن الحوادث المعادية للإسلام في عام 2023 – التي جاءت معظمها بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول – هو الأكبر على الإطلاق في تاريخ مجموعة الحقوق المدنية للمسلمين الأمريكيين أو الاجانب الممتد على مدار 30 عامًا. ووفقًا للإحصاءات المقدمة لهذا العام، ارتفعت الحوادث المعادية للإسلام بنسبة بلغت 70% في النصف الأول من عام 2024.
وفي المملكة المتحدة، كان ارتفاع معدلات الإسلاموفوبيا أسوأ بكثير حيث تشير بيانات “وحدة الاستجابة للإسلاموفوبيا IRU”، وهي منظمة خيرية مقرها لندن، إلى ارتفاع حالات الكراهية التي سُجلت ضد المسلمين في البلاد بنسبة تزيد على 300% خلال الأشهر التي تلت السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
ما تخبرنا به هذه البيانات هو أن هناك زيادة كبيرة في المشاعر المعادية للمسلمين، التي ترتبط ارتباطًا مباشرًا بالتغطية المتعلقة بالعدوان الإسرائيلي على غزة، سواء كان ذلك في وسائل الإعلام المؤسساتية المتحيزة أم على وسائل التواصل الاجتماعي التي يبدو أن غالبية الآراء المتشددة اليوم تتشكل عليها.
من يقف وراء هذا التحريض؟
مجموعات عديدة من اليمين المتطرف شاركت في أعمال الشغب أو روجت لها على وسائل التواصل، مثل الحركة البريطانية، وهي مجموعة من النازيين الجدد، ومجموعة البديل الوطني الفاشية التي تستخدم العنف، وتحاول تأجيج هذه المواجهات.
ثالث المنظمات الرئيسية التي تنسب لليمين المتطرف هي رابطة الدفاع الإنجليزية، وهي حركة عنصرية معادية للمسلمين والمهاجرين، من أبرز مؤسسيها ستيفن كريستوفر ياكسلي لينون، الذي غير اسمه الحقيقي إلى تومي روبنسون، أحد أبرز نشطاء اليمين المتطرف الموالين لـ”إسرائيل” والمعادين للإسلام.
يُتهم روبنسون بلعب دور مهم في التحريض على العنف القائم في بريطانيا، فقد استقطبت مظاهرة له ضمت العديد من أنصار “إسرائيل” حشدًا من نحو 20 ألف شخص في لندن قبل أيام قليلة من بدء أعمال الشغب، لكن روابط روبنسون بـ”إسرائيل” أعمق بكثير من اللافتات المرفوعة في مسيراته.
ساهم اليمينيون المتطرفون بما في ذلك روبنسون، في نشر اسم مزيف للمشتبه به، مدعيًا أنه طالب لجوء، رغم التشكيك في هذه المعلومات المضللة حتى على التلفزيون الإسرائيلي، لكن روبنسون ضاعف جهوده، وألقى بظلاله مرة أخرى على الحقيقة، وعمد إلى الترويج لذلك وكأنه دليل على وجود مشكلة مع طالبي اللجوء المسلمين في بريطانيا، ما أدى إلى المزيد من الاستقطاب، ومن ثم ضمان تضليل الجمهور الإسرائيلي أيضًا.
وبعد إثارة التوترات، وربط الحادث المروع بالهجرة غير الشرعية والحث على القيام بشيء حيال ذلك، سارع أمثال تومي روبنسون إلى النأي بأنفسهم عن العنف على الإنترنت، ولكنهم برروا أعمال الشغب، فلم تكن النقطة الأولى التي أثارها في مقطع الفيديو الذي تناول فيه أعمال الشغب تتعلق بالهجرة غير الشرعية، بل بحركة حماس.
وقدَّم روبنسون التفسير التالي لغضب بلطجيته وأعمال الشغب العنصرية المناهضة للمسلمين: “لماذا الناس غاضبون؟ سأخبرك لماذا هم غاضبون، لأن حماس سُمح لها بالسيطرة على لندن. الاستيلاء على عاصمتنا. كل أسبوع تُرفع أعلام داعش وحماس. تدعو إلى الجهاد. الشرطة لم تفعل شيئًا. بدلًا من ذلك ألقت القبض علي” وأضاف: “إن تصرفاتك في الأسابيع الثلاثة الماضية أو منذ السابع من أكتوبر، خلقت الآلاف من تومي روبنسون”.
هناك أيضًا سبب يدفع روبنسون إلى محاولة الإيحاء بأن أعمال الشغب تحدث بسبب استيلاء حماس على لندن، وهو ما يعني به المحتجين السلميين المؤيدين للفلسطينيين، لأن هذا في الواقع لا علاقة له بالسبب وراء حدوث أعمال الشغب العنصرية على الإطلاق.
ومن خلال إضافة المعلومات المضللة المنتشرة عبر حسابات وسائل التواصل الاجتماعي اليمينية المتطرفة بأن المحتجين المؤيدين للفلسطينيين جميعهم من حماس وأنهم كانوا يحملون أيضًا أعلام داعش، فإن هذا يصب الوقود إلى النار، ويساعد في توجيه الكراهية نحو الفلسطينيين ودعم “إسرائيل”.
على خطى المنظمات الإرهابية الصهيونية
ليس من المستغرب أن يتم التحريض على أعمال العنف التي تشهدها بريطانيا، وأن تصدر هذه التصريحات العنصرية عن رجل لطالما اعتبر نفسه صهيونيًا، ويعمل لصالح “إسرائيل” كجزء من حركة الإسلاموفوبيا “المناهضة للجهاد” التي أنشأتها دولة الاحتلال، إذ صرح في وقت سابق بأنه “سيكون في الخطوط الأمامية للقتال من أجل إسرائيل”، ولكن لماذا يعتبر روبنسون مهووسًا بجعل كل قضية تتعلق بـ”إسرائيل” والسابع من أكتوبر/تشرين الأول؟
اكتسب روبنسون شهرة واسعة عندما شارك عام 2009 في تأسيس رابطة الدفاع الإنجليزية (EDL) اليمينية العنصرية المتطرفة والمعادية للإسلام بشكل صريح، والمعروفة بأعمال العنف والشغب والمسيرات العنصرية ضد المسلمين والمهاجرين، وقاد المجموعة حتى عام 2013.
بعد عامين من تأسيسها تم تسمية المنظمة باسم رابطة الدفاع الإنجليزية واليهودية، استنادًا إلى رابطة الدفاع اليهودية، وهي منظمة إرهابية صهيونية أسسها الحاخام مائير كاهانا في الولايات المتحدة على أيديولوجية يمينية متطرفة عام 1968، وكانت جزءًا رئيسيًا من أعمال البلطجة العنيفة المعادية للإسلام في شوارع بريطانيا على مدى العقد الماضي.
ومع ذلك، لم يُذكر إلا القليل عن المؤسس المشارك لرابطة الدفاع الإنجليزية، وهو بول راي، الذي عمل لصالح المخابرات الإسرائيلية، حيث قام بالتسلل والتجسس على حركة التضامن الدولية المؤيدة للفلسطينيين (ISM)، التي كانت الأمريكية راشيل كوري التي قتلت بجرافة إسرائيلية عضوًا فيها، وقدم المعلومات التي جمعها عن أعضائها إلى العديد من وكالات الاستخبارات.
في سلسلة تغريدات نُشرت على موقع إكس (تويتر سابقًا)، يكشف مغني الراب الشهير البريطاني من أصل عراقي كريم دينيس المعروف باسمه الفني “لوكي”، بالتفصيل علاقة رابطة الدفاع الإنجليزية بالحركة الصهيونية، مشيرًا إلى أن “رابطة الدفاع الإنجليزية مسجلة في سجل الشركات (موقع الحكومة البريطانية) عن طريق الجندية السابقة في جيش الاحتلال الإسرائيلي روبرتا مور”.
ووفقًا لمغني الراب الشهير المعروف بمواقفه الداعمة للقضية الفلسطينية، والذي تعرض لهجوم من جماعات اللوبي البريطانية الموالية لـ”إسرائيل”، كانت مور تخضع لتدريب عسكري في إحدى المستوطنات الإسرائيلية، وتتولى رئاسة الوحدة اليهودية في رابطة الدفاع الإنجليزية، التي كان عدد أعضائها نحو 100 عضو.
ولسنوات طويلة، نظَّمت رابطة الدفاع الإنجليزية تظاهرة داعمة لـ”إسرائيل” بالتعاون مع الاتحاد الصهيوني، وظهرت مور في صورة مع النائب السابق لرئيسه جوناثان هوفمان، وعندما سُئلت مور عما إذا كانت رابطة الدفاع الإنجليزية تستغل الحركة الصهيونية، ردت قائلة: “إذا كان هناك أي شيء، فهو أننا نستغلهم”.
في فبراير/شباط 2013، غيَّرت روبرتا مور اسم رابطة الدفاع الإنجليزية على الموقع الرسمي لسجل الشركات البريطانية إلى رابطة الدفاع اليهودية في المملكة المتحدة، واستخدمت شعار حركة كاهانا، وهي جماعة إرهابية أخرى، وظهرت روبرتا في صورة لها إلى جانب عضو الكنيست الإسرائيلي السابق موشيه فيجلين ورئيس الفرع الكندي لرابطة الدفاع اليهودية مائير وينشتاين.
كانت رابطة الدفاع اليهودية محظورة كمنظمة إرهابية في الولايات المتحدة، ويُفهم على نطاق واسع أنها الجناح المسلح لحركة “كاخ” الإسرائيلية اليمينية المتطرفة التي تأسست عام 1971 في “إسرائيل”، وهي من أشهر الجماعات المتطرفة التي تنادي بهدم المسجد الأقصى، وتتبع لعضو الكنيست الإسرائيلي السابق اليميني المتطرف الحاخام الأمريكي مائير كاهانا.
وعرفت كاخ بأفكارها العنصرية وسلوكها العنيف ضد الشعب الفلسطيني ودعوتها لطرد الفلسطينيين من الأراضي المحتلة وإيمانها بأفضلية اليهود على غيرهم، وشكلت مجموعات مسلحة للاعتداء على قرى الفلسطينيين وتخريب ممتلكاتهم، كما تبنت عمليات قتل بحقهم، وأنتجت حركات وشخصيات متطرفة أخرى من أبرزها وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، الذي انضم إليها في الـ16 من عمره، وأسس حزبًا متطرفًا يدعى “عوتسما يهوديت”.
وعندما تشكلت رابطة الدفاع الإنجليزية لأول مرة، كان أحد المتحدثين الرئيسيين في مسيراتهم هو أيضًا المدرب العسكري الإسرائيلي السابق والحاخام اليهودي الأمريكي المتطرف ناخوم شيفرين، الذي وُصف بأنه أحد كبار الناشطين في احتجاجات حركة حزب الشاي “تي بي إم” التي ظهرت في المشهد السياسي الأمريكي عام 2009.
عنصرية بتمويل إسرائيلي
كشف تحقيق لصحيفة “الغارديان” البريطانية أن الناشط اليميني المتطرف يتلقى دعمًا من مجموعة واسعة من الجهات والأفراد خارج بريطانيا بما في ذلك مراكز أبحاث أمريكية ويمينيون أستراليون ومتصيدون روس.
ووفقًا للتحقيق، فإن أحد مصادر التمويل هو الملياردير الأمريكي في مجال التكنولوجيا روبرت شيلمان الذي كان – حتى وقت قريب – مديرًا لمنظمة أصدقاء قوات الدفاع الإسرائيلية، وموَّل السياسيين اليمينيين المتطرفين الهولنديين مثل النائب الهولندي المعروف بعدائه للإسلام خيرت فيلدرز.
ويمول شيلمان أيضًا مشروعات كثيرة مناهضة للإسلام، بما في ذلك مركز “هوروويتز Horowitz” الذي يُوصف بأنه “شبكة من المشروعات التي تمنح الأصوات المعادية للمسلمين والأيديولوجيات الراديكالية منصة لنشر الكراهية والتضليل الإعلامي”، كما يمول العديد من قنوات البروباغندا السياسية مثل موقع الأخبار اليميني الكندي “ريبل نيوز Rebel News”.
وبتمويل من شيلمان، دفع “ريبل نيوز” لروبنسون راتبًا قدره 5 آلاف جنيه إسترليني شهريًا، لكن صحيفة “تايمز” البريطانية تحدثت إلى زميلة سابقة عملت عن كثب إلى جانب روبنسون، تدعى لوسي براون، وقالت إن شيلمان ساعد في دفع راتب روبنسون الذي يصل إلى 5 أرقام شهريًا للعمل هناك.
بالإضافة إلى ذلك، حصل صحفي “ريبل نيوز” على أموال من منظمة أخرى مؤيدة لـ”إسرائيل”، حيث اعترفت مؤسسة الفكر المسماة منتدى الشرق الأوسط، بتنظيم مسيرة يمينية متطرفة مؤيدة لروبنسون في لندن، ودفع 60 ألف دولار على الأقل كنفقات قانونية بعد اعتقاله بتهمة ازدراء المحكمة في عام 2018، لبثه مقطع فيديو مباشر على فيسبوك للمتهمين المتورطين في عصابة التحرش الجنسي، منتهكًا حظر التغطية الإعلامية للمحاكمة، ومع ذلك، قضى شهرين فقط من عقوبته البالغة 13 شهرًا.
مدير مركز الأبحاث المحافظ المؤيد لـ”إسرائيل” هو جريج رومان، وهو موظف سابق في الحكومة الإسرائيلية ومنسق سابق للأنشطة في الضفة الغربية لوزارة الدفاع الإسرائيلية، وقد صرح بأنهم يساعدون روبنسون من خلال تمويل دفاعه القانوني، وممارسة الضغوط الخارجية على الحكومة البريطانية من أجل سلامته، وتنظيم المسيرات لدعمه.
كان روبنسون – وربما لا يزال – يتلقى التمويل من منظمات مؤيدة لـ”إسرائيل” ومعادية للمسلمين، ففي عام 2016، سافر إلى “إسرائيل” في جولة عسكرية، وظهر على دبابة إسرائيلية وهو يحمل بندقية وارتدى قميصًا مكتوبًا عليه جيش الدفاع الإسرائيلي، في الضفة الغربية، بل وقام أيضًا بزيارة مخيم للاجئين في بيت لحم.
على الرغم من هذه الجولة التي قال عنها إنه “استفاد كثيرًا من التجول حول هذا المكان”، فقد أطلق مؤخرًا على فلسطين “المدينة المليئة بالطفيليات والإرهابيين الإسلاميين المتأصلين”، وكتب فوق ملصق يحمل علم فلسطين: “اللعنة على فلسطين” و”هل تحبهم؟ اذهب إلى الجحيم وادعمهم”.
ووفقًا لأستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة بريستول الإنجليزية ديفيد مولر، فإن روبنسون يعد جزءًا من برنامج المؤثرين عبر الإنترنت الذي تموله “إسرائيل”، ويظهر كضيف دائم على شاشات القنوات الإسرائيلية والغربية المؤيدة للاحتلال بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، للترويج للدعاية الصهيونية، التي تعتبر التصدي للاحتجاجات المؤيدة لفلسطين وزرع الإسلاموفوبيا هدفين مهمين ومترابطين.
وبذلك، يكفي أن نقول إن روبنسون لديه تاريخ طويل في تلقي الأموال من الصهاينة، بالإضافة إلى حقيقة أن اليمينيين المتطرفين مرتبطون بشكل مباشر برابطة الدفاع الإنجليزية العنصرية، وليس من المستغرب إذًا أن يلجأ إلى استخدام خطاب معاد للفلسطينيين لا علاقة له بالموضوع في تعليقاته على أعمال الشغب التي ساعد في تشجيعها، في حين يستمر في تبريرها، على الرغم من حرصه على عدم تأييد العنف.
شبكة يمينية معادية للمسلمين
إذا نظرنا أيضًا إلى مجموعة الشخصيات اليمينية المتطرفة الأخرى التي ظهرت مؤخرًا على نطاق واسع في أعقاب السابع من أكتوبر/تشرين الأول، ما أثار مشاعر معادية للمسلمين، فسوف نجد أنهم يعملون دائمًا على ربط “إسرائيل” بأي نقاط معادية للمهاجرين يتبنونها.
ولنتأمل هنا على سبيل المثال الكاتب البريطاني اليميني المشهور بدعمه للاحتلال الإسرائيلي دوغلاس موراي، الذي ظهر من العدم ليقدم دعاية معدة بعناية عن الشرق الأوسط والمسلمين وطالبي اللجوء وما يسمى بـ”القيم الغربية”، ومن مؤلفاته كتاب “الحرب على الغرب”.
سافر موراي إلى “إسرائيل” التي يعتبرها “مثالًا يجب أن تحتذي به بقية دول العالم الديمقراطية”، وأصبح مدافعًا بارزًا عن الإبادة الجماعية التي ارتكبتها في غزة، في حين كان يروج لخدع الدعاية التي روجت لها “إسرائيل” في السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
في فبراير/شباط الماضي، رفض موظفو مسارح نيماكس بلندن العمل على نشاط جمع تمويلات كان يعتزم موراي تنظيمه لصالح جنود جيش الاحتلال، رغم تعهد إدارة المسارح لهم بـ3 أضعاف الأجر، وبدلًا من ذلك، اتهمه متظاهرون أمام المسرح بتمويل الإبادة.
إذا أخذنا آخرين، مثل كاتي هوبكنز، وهي شخصية يمينية متطرفة ومذيعة معروفة بوصف المهاجرين بـ”الصراصير” و”الحشرات” في الصحف الوطنية، نجد أنهم أيضًا يربطون رسائلهم المناهضة للإسلام والهجرة بنقاط نقاش مؤيدة لـ”إسرائيل”.
إلى جانب روبنسون، كانت هوبكنز واحدة من الشخصيات الرئيسية التي ساهمت في بدء أعمال الشغب العنصرية، وكانت تستخدم حساباتها على وسائل التواصل الاجتماعي التي يتابعها أكثر من مليوني شخص للمساعدة في نشر المعلومات المضللة وحشد المسيرات العنصرية، ولا يزال مقطع الفيديو الذي أطلقت فيه اسمًا عربيًا على قاتل الأطفال في ساوثبورت منشورًا على الإنترنت.
مثل روبنسون، كانت هوبكنز زميلة في “ريبل نيوز”، وواحدة من الذين اصطحبتهم وسيلة الإعلام اليمينية الكندية الممولة من شيلمان، في رحلة مدفوعة إلى “إسرائيل”، ونشرت صورًا لها وهي ترتدي زي جيش الاحتلال الإسرائيلي، ووصفت رحلتها بكلمات عنصرية: “كل ما أستطيع سماعه هو نداء الصلاة، أشعر كأنني أتعرض للتعذيب في زنزانة على يد تنظيم القاعدة”.
وتدير كاتي مجموعة أخرى معادية للمسلمين تسمى مركز ديفيد هورويتز للحرية، وتتحدث بانتظام في الفعاليات التي ينظمها المركز، وتتلقى أجرًا مقابل إلقاء خطابات عنصرية ساخرة بعد العشاء ونشر الكراهية ضد المسلمين، ففي إحداها تقول بسخرية: “على عكس أصدقائي المسلمين الذين لديهم 15 طفلًا تحت سن الثالثة، أنا أمزح، أنا أمزح، ليس لدي أي أصدقاء مسلمين”.
بخلاف هؤلاء الذين يبعدون آلاف الكيلومترات عن “إسرائيل”، اتُهم نائب رئيس بلدية القدس، أرييه كينج، بمحاولة إثارة أعمال شغب وتوترات اليمين المتطرف في بريطانيا بعد نشره مرارًا وتكرارًا في الأيام الأخيرة صورًا ومقاطع فيديو تغذي الكراهية وتسيء إلى المجتمع الإسلامي في بريطانيا، مدعيًا أن مقاتلي حماس الذين قتلوا مدنيين إسرائيليين في 7 أكتوبر/تشرين الأول مدعومون من المسلمين في بريطانيا.
كينج، مؤسس منظمة استيطانية تسمى “صندوق أرض إسرائيل”، صاحب تاريخ طويل من الكراهية ضد المسلمين، ومعروف بعمله على توطين الإسرائيليين بشكل غير قانوني في القدس الشرقية المحتلة وطرد العائلات الفلسطينية من حي الشيخ جراح، واتهمه المنتقدون على نطاق واسع بالعنصرية، وقد رد على اتهام بأنه كان يحاول إثارة حرب عرقية، مدعيًا أنه كان يحاول إنقاذ إنجلترا من الحركة الإسلامية المتطرفة.
وبينما كانت الهجمات العنصرية والمناهضة للمسلمين تجتاح المدن والبلدات في أنحاء مختلفة من المدن البريطانية، نشر كينج صورة كاريكاتورية تُظهر رجلًا أسمر اللون ذا مظهر مسلم ولحية وقلنسوة يحتضن ضابط شرطة بريطاني أبيض، يضع ذراعيه حول المسلم، قال الشرطي: “معًا سنجعل هذا البلد ملكك”، وكان المسلم يقول: “شكرًا لك على كونك ضعيفًا جدًا”.
وبشكل عام، تحولت السياسة الإسرائيلية تحت قيادة رؤساء مثل بنيامين نتنياهو إلى اليمين بشكل أكبر من خلال تشكيل تحالفات مع شخصيات اليمين المتطرف على مستوى العالم، وهذا يشمل العلاقات مع زعماء مثل رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان والرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الذين تعرضوا أيضًا لانتقادات بسبب آرائهم عن الإسلام والهجرة.
لا شيء يحدث بالصدفة
السؤال الآن: ما الذي يربط “إسرائيل” بمثيري العنف العنصري الأخير في بريطانيا؟ تكمن الإجابة في شبكة عالمية من السياسيين المناهضين للمسلمين والمؤيدين لـ”إسرائيل” ومراكز البحوث والأثرياء الذين يمولون نشاطًا مناهضًا للمسلمين في جميع أنحاء أوروبا والولايات المتحدة، ويروجون لشخصيات اليمين المتطرف الرائدة في بريطانيا التي تشوه سمعة المسلمين والمهاجرين غير البيض، تمامًا مثل القادة الإسرائيليين الذين شوهوا سمعة الفلسطينيين الذين هم أيضًا مسلمون.
كما أن شخصيات مثل تومي روبنسون وكيتي هوبكنز لم يحرضوا ويحشدوا للعنف العنصري الأخير فحسب، بل كانوا أيضًا يحرضون ضد المسلمين والمهاجرين لعقود من الزمن، وهذا التوجه هو جزء من اتجاه أوسع، حيث يرى اليمين المتطرف في أوروبا “إسرائيل” كمدافع عن الحضارة الغربية ضد التهديدات الإسلامية المزعومة.
ويعتبر روبنسون نفسه من أشد المؤيدين لـ”إسرائيل”، ويؤيد السياسة الإسرائيلية، ففي عام 2004، بدأ طريقه في الحزب الوطني البريطاني الفاشي، الذي تشكل من حزب الجبهة الوطنية البريطانية التي بدأ في الظهور سبعينيات القرن الماضي من أقصى اليمين وتأثر بالفكر الفاشي، وتبنى الترويج لأفكار مناهضة للهجرة والتعددية الثقافية، كما ترأس الفرع البريطاني لحركة أوروبيون وطنيون ضد أسلمة الغرب (بيغيدا) المعادية للإسلام، التي تأسست في ألمانيا.
كانت كلتا الحركتين معاديتين للسامية وعنصريتين بشدة، لكنهما أقرب إلى أيديولوجيات الفاشية مثل النازية، والآن أصبحت الكراهية ضد المسلمين والمهاجرين هي الأجندة الأساسية لهذه المجموعات، وجعلتهم معاداتهم للإسلام حلفاء طبيعيين لأيديولوجيات أخرى مثل الصهيونية في “إسرائيل” أو القومية الهندوسية في الهند.
لذا فإن الحرب في غزة واحتلال فلسطين والموجة الأخيرة من العنف العنصري في بريطانيا مرتبطة بشبكة من المنظمات المؤيدة لـ”إسرائيل” والمعادية للمسلمين، التي تروج للكراهية ضد المسلمين في بريطانيا بينما تدعم التطهير العرقي والاحتلال العسكري للمسلمين في فلسطين.
لا شيء من كل هذا يحدث بالصدفة، فالدور الذي تلعبه “إسرائيل” في دعم هذه الشخصيات المعادية للإسلام أو استخدام المؤثرين من اليمين المتطرف لتبني نقاط حوار معادية للفلسطينيين، هو جزء من حملة طويلة لإثارة الكراهية ضد المسلمين وطالبي اللجوء مع ربط هذه الكراهية بدعم “إسرائيل”.
وفي حين أن أعمال الشغب العنصرية في بريطانيا قد لا تكون ناجمة بشكل مباشر عن تمويل اللوبي الصهيوني لشخصيات اليمين المتطرف، فإن هؤلاء الأفراد موجودون بسبب الدعم المالي الكبير الذي يتلقونه في المقام الأول.
وهنا يمكن القول إن إثارة مشاعر الإسلاموفوبيا بين الناس الذين يتسمون بالفعل بالعنصرية الواضحة، وتوجيه هذا الغضب نحو الفلسطينيين، هو جزء واضح من أجندة معينة، وعلى الرغم من الروابط الواضحة بين اليمين المتطرف و”إسرائيل”، فإن هناك صمتًا شبه كامل في وسائل الإعلام الرسمية فيما يتعلق بهذه القضية.
ومع استمرار الحرب في غزة، من المتوقع أن تستمر التعبئة اليمينية المتطرفة في بريطانيا التي ستحتاج الآن إلى معالجة المعلومات المضللة المنتشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي والكراهية اليمينية المتطرفة التي أدت إلى اندلاع أسوأ اضطرابات في البلاد منذ أكثر من عقد من الزمان.