بقلم: حاتم استانبولي
السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه: ما الذي أرادته مجموعة التنسيق لأجهزة الأمن الأمريكية والإسرائيلية والعربية المشرفة على الحرب على غزة من اغتيال المناضل إسماعيل هنية ؟
اغتيال هنية في الجوهر هو اغتيال سياسي لرئيس وزراء فلسطيني سابق شرعي منتخب لم يُنهِ مدته القانونية، ويحظى باحترام شعبي فلسطيني واسع اكتسبه عبر مسيرته النضالية التي تميزت بتنوعها وشموليتها وخصوصيتها. فهو المناضل اللاجئ ابن المخيم، والأسير، والمقاتل من أجل الحرية، والقائد الحمساوي القسامي الذي يحظى بشرعية شعبية مكنته من تولي رئاسة الوزراء، والتي لو قدر لها الاستمرار لكانت مدخلاً ديمقراطياً لتداول السلطة ومنهجاً شعبياً لاستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية من خلال الإرادة الشعبية.
اغتيال هنية كان مصلحة مشتركة للعديد من الأطراف كونه القائد الفلسطيني الذي يحظى بإجماع وطني وديني إسلامي ومسيحي، وهو الذي كسر الحاجز المصطنع بين المذاهب الإسلامية على قاعدة أن القدس هي المعيار والناظم لموقف الدول والمذاهب الإسلامية.
واغتياله في إيران كان يراد منه إعادة هذا الحاجز وإحياء الصراع ما بين المذاهب من خلال التشكيك الإعلامي الذي رافق عملية الاغتيال، وتحميل إيران المسؤولية الأمنية عن عملية الاغتيال.
اغتياله كان يراد منه التلاعب في ميزان القوى الداخلي لإيران وحماس وإضعاف دورهما ومكانتهما، والضغط من أجل تمرير صفقة يعمل عليها لإخراج إسرائيل من مأزقها في رمال غزة.
الصفقة التي يراد منها تحرير الرهائن كمرحلة أولى ليعاد بعدها الاستمرار في حرب الإبادة الظالمة على الشعب الفلسطيني في غزة والضفة لإخضاعه للقبول بالأمر الواقع والتخلي عن حقوقه التاريخية والسياسية والاجتماعية والقانونية والإنسانية، وإنهاء الملاحقات القانونية الدولية بحق قادة إسرائيل السياسيين والعسكريين ورعاتهم الأمريكيين والألمان والفرنسيين والبريطانيين والإيطاليين الذين دعموا عملية الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني.
اغتياله يراد منه توسيع نطاق الحرب كفرصة لتوجيه ضربة شاملة وقاصمة لجميع فصائل وقوى المقاومة المنتشرة، لفرض هيمنة شاملة ومطلقة وحاسمة على المنطقة، لإعطاء أريحية سياسية لدول معاهدة أبراهام للمضي في اتفاقياتها السياسية وإجبار نظام المملكة السعودية على الانضمام إليها.
كل الحديث الذي يدور عن عدم توسيع نطاق الحرب هو ذر للرماد في العيون لإضفاء أجواء عامة أن الذي يريد توسيع دائرة الصراع هو محور المقاومة، في حين أن الحرب قائمة منذ العدوان الصهيوني البربري على غزة، واغتيال هنية وشكر هو حلقة في سياقها.
محور أبراهام بكل أطرافه وداعميه يريد إنهاء حالة الاستنزاف التي يعاني منها سياسياً وعسكرياً وأمنياً وشعبياً، وهو الذي يطالب الولايات المتحدة بضرورة إنهاء المهمة عسكرياً بعد الفشل الإسرائيلي المرير في غزة، هذا الفشل الذي يقوض مساعي محور اتفاقية أبراهام ويضعه في مأزق سياسي وشعبي.
بايدن، بعد أن تحرر من متطلبات ترشحه، يسعى إلى تهيئة الأجواء والشروط من أجل نجاح مرشحته من خلال تغطية الأعمال الإسرائيلية القذرة، بل يعمل بلا حرج لدعمها عسكرياً من خلال الحزمة الجديدة التي أقرتها وزارة الخارجية الأمريكية بـ 20 مليار دولار، ورافقها إلغاء العقوبات عن الوحدات العسكرية الإسرائيلية التي تمارس الجرائم ضد الفلسطينيين، بل أوغلت في رفع الحظر عن توريد الأسلحة الفتاكة من قنابل 2000 رطل التي يستخدمها الجيش الإسرائيلي في إبادة أحياء كاملة بمن فيها من مدنيين في غزة، ومرشح أن يستخدمها في كل من لبنان والعراق و سوريا وإيران.
حشد كل هذه القوة العسكرية الأمريكية والغربية في المنطقة ليس للردع بل للهجوم والتصفية حتى لو تطلب الأمر استعمال أسلحة محرمة دولياً بعد أن كشفت عملية الإبادة في غزة تواطؤ المنظومات القانونية والإنسانية والسياسية والشعبية التي وصلت إلى مرحلة تغطية الإبادة الجماعية في غزة، التي تشكل فرصة لتوسيع الإبادة الجماعية عبر عمليات استئصال ممنهجة لتقويض كامل لمحور المقاومة.
استمرار الاستنزاف الشامل سياسياً وعسكرياً وأمنياً واقتصادياً لمحور أبراهام، وتفويت الفرصة على بايدن لإعطاء مكسب عسكري لمصلحة مرشحته الانتخابية، هو الموقف الأصح. كون المعركة القائمة هي معركة يتم احتسابها بالنقاط، والولايات المتحدة وحلفاؤها وتابعوها يريدون إنهاءها بالضربة القاضية للخروج من المأزق الشامل.
أما الخصوصية الإسرائيلية لاغتيال المناضل إسماعيل هنية، فهي تسعى إلى إنهاء القائد اللاجئ الذي تمسك بشعار عودته، وهو جوهر قضية المخيم الفلسطيني الذي يسعى جيش الاحتلال إلى إنهاء وجوده المادي وكل ما يرتبط به من قادة ومؤسسات تعليمية ودولية وصحية وحياتية، لأنه يشكل الدليل المادي على عدم شرعية وقانونية وجوده ويقوض أسس استمراره. وبما أن غزة تملك أكبر وأوسع مخيم لجوء، فإن هذا الكيان الإحلالي يرى فيها نقيضاً وجودياً له، فهو يريد أن ينهي الإنسان الفلسطيني الغزاوي وكل ما يتعلق بإمكانيات وجوده واستمراره.
هذه المواجهة القائمة منذ مائة عام لن تنتهي إلا بزوال أسبابها وهو الاحتلال الصهيوني الإحلالي البغيض.
المقاومة يجب ألا تستعجل وألا تخضع لابتزاز السفهاء. بالضرورة يجب أن تخوض معاركها بمسؤولية عالية تحافظ فيها دائماً على شروط استمرار قوتها وظروف حياة استمرار حاضنتها الشعبية، والمطلوب اليقظة الدائمة من مخططات تقويض القلعة من الداخل كما حصل في تجربة حركة فتح.