2024-12-04 08:53 م

 محور فيلادلفيا ليس هو المشكلة

2024-08-22

بقلم: ناصر قنديل
 منذ بدء جولة المفاوضات الأخيرة، وخصوصاً خلال زيارة وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن الى تل أبيب وبعدها، هناك ضخ إعلامي مركز متعدّد المصادر، يريد صناعة صورة تقول إن القضية التي تعرقل التوصل الى اتفاق هي قضية تمسّك رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ببقاء جيش الاحتلال في محور فيلادلفيا، وإن بلينكن وافق على الضرورات الأمنية التي تبرر هذا التمسك لجهة التحقق من عدم وجود أنفاق عابرة للحدود نحو مصر يجري استخدامها لإدخال الأسلحة إلى غزة.
يجري بالتوازي التركيز على رفض مصري للطلب الإسرائيلي، وعلى مسعى أميركي للوساطة بين مصر والكيان، وأن الحل الوسط يقوم على بقاء قوة محدودة العدد من جيش الاحتلال لفترة لا تتعدّى ستة شهور، وبعدها تتم الاستعاضة عن هذه القوة بضمانتين، الأولى استبدال قوة الاحتلال بمراقبين أوروبيين أو أميركيين، والثانية زرع تجهيزات الكترونية متطورة بمثابة أجهزة إنذار تضمن تحقيق الهدف بالرقابة على ما يجري في هذه المنطقة. ويكتب بعض المحللين العرب ومنهم كتّاب مصريون أن هذا الحل ربما يكون مقبولاً من مصر.
واقعياً، نتعرّض جميعاً الى عملية إعداد نفسية عبر النمطية المبرمجة إعلامياً لنقتنع بأن القضية أولاً هي قضية محور فيلادلفيا، ثم نقتنع ثانياً أنها قضية بين مصر والكيان، ثم نقتنع ثالثاً أنه عندما يجري حل الخلاف على القضية يجب أن نتوقع حدوث الاتفاق، وإذا لم يحدث يجب أن نكون جاهزين نفسياً لتقبّل فكرة اتهام المقاومة ممثلة بحركة حماس مسؤوليّة فشل المفاوضات، فهل هذا صحيح؟
قبل 29 أيار يوم دخول جيش الاحتلال الى محور فيلادلفيا، كانت قد مرّت ثمانية شهور من الحرب، منها ستة شهور من التفاوض المستمرّ حول صيغة اتفاق، لم يكن محور فيلادلفيا موجوداً كبند فيها، ولم يتم التوصل إلى اتفاق رغم ذلك. وبالأصل لو كان لهذا المحور تلك الأهمية المحورية الفاصلة في الحرب أو في الاتفاق لكان جيش الاحتلال دخل إليه منذ المراحل الأولى للحرب، وكان ذلك بمتناول يده، لكنه لم يفعل إلا متأخراً.
صيغة 6 أيار التي وافقت عليها حماس ورفضها نتنياهو ولم تكن هناك أي فقرة تتصل بـ محور فيلادلفيا. ولنفترض أن نتنياهو تنازل كلياً عن طلبه بصدد محور فيلادلفيا وبقي متمسكاً بالبقاء في وسط غزة، أيّ عدم تحقيق بند الانسحاب الكامل من قطاع غزة، وبقي متمسكاً بوضع الفيتو على مَن يخرج من الأسرى الفلسطينيين ومَن لا يخرج، وإلى أين يذهب الأسرى الذين يُفرج عنهم، وبقي متمسكاً بأن البحث يدور حول هدنة ستة أسابيع تجدّد لستة أسابيع، يتم خلالها إطلاق الأسرى وبعدها ما لم يتم الاتفاق على مستقبل غزة بعد الحرب فإن العودة الى الحرب أمر حتمي. فهل هذه الطلبات تتكفل بنسف فرص الاتفاق؟ الجواب في تجربة التفاوض قبل أن يظهر البند الخاص بمحور فيلادلفيا في نصوص الاتفاقات، وكان يكفي تمسك الكيان ببند واحد من هذه البنود كي تفشل المفاوضات.
التركيز على محور فيلادلفيا مفتعل، ويراد منه ربط مستقبل التفاوض والاتفاق بهذا البند، بحيث يتم التوصل إلى اتفاق حوله، ليُقال للمقاومة إن العقدة قد تم حلها فتعالوا إلى الموافقة، وتكون البنود الجوهرية باقية لصالح كيان الاحتلال، ليتمّ تحميل المقاومة مسؤولية فشل المفاوضات، والقول إن حماس مسؤولة عن العودة الى الحرب بصورة أشدّ شراسة والى الحصار بصورة أشدّ وحشية.
كانت المقاومة منتبهة لمناورة المفاوضات بعد جولة التصعيد التي تمثلت باستهداف طهران وبيروت وقتل قادة للمقاومة، ولذلك رفضت حماس المشاركة في المفاوضات، واشترطت إعلان قبول نتنياهو بنص 2 تموز المأخوذ من نص قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2735، الذي أيّد مبادرة بايدن، وقبلت به المقاومة إطاراً للاتفاق، وعندما يوافق الكيان يبدأ البحث بخطة التنفيذ وتكون حاضرة للمشاركة إذا كان ذلك مطلوباً، وهي اليوم تدرس إعلان سقوط الوساطة الأميركية والتوجه الى مجلس الأمن الدولي ليضع يده على ملف اتفاق وقف إطلاق النار الذي دعا إليه وحدّد شروطه، ليضع له خطة تنفيذية، وهذه في صلب مهام مجلس الأمن الدولي في قضية قال إنها تمس الأمن والسلم الدوليين.