2024-12-04 09:20 م

نبوخذ نصر بالكوفيّة الفلسطينيّة

2024-08-22

بقلم: نبيه البرجي
انطلاقاً من قول رجب اردوغان لزائر عربي "اليهود يحكمون أميركا، وأميركا تحكم العالم، وهي لن تتردد في ابادتنا وابادتكم وابادة الايرانيين، من أجل أن تبقى اسرائيل". لنقول عن المفاوضات اللولبية الجارية حالياً، ان بنيامين نتنياهو يبدو وكأنه يفاوض على رأسه، فعلاً انه يفاوض على رأسه. الأميركيون يعلمون ذلك، لكنهم ماضون في تقديم الضمانات الأمنية لـ "اسرائيل". ولكن كيف لجو بايدن أو دونالد ترامب، التعهد بابقائه على عرش داود، بعدما قاد الدولة العبرية الى هذا المأزق الوجودي؟

الرجل الذي عرّى "اسرائيل" أمام الملأ تعهد لرعاياه غداة عملية طوفان الأقصى بتغيير الشرق الأوسط، وقد تغيّر فعلاً ولكن على نحو معاكس. رهانه الآن على عودة ترامب الى البيت الأبيض لاستئناف دومينو التطبيع، دون أن يدري أن هذا الأخير لا يستطيع أن يكون مثلما كان، كذلك المنطقة، كذلك العالم. اذا وصل المرشح الجمهوري الى الرئاسة، قد يستنفد سنواته الأربع وهو يواجه الأمواج المتلاطمة ان في الداخل أو في الخارج.

ثم أي ملك أو رئيس عربي يمكنه الجلوس مع زعيم "الليكود" فوق دماء أكثر من 100000 فلسطيني، لتوقيع ميثاق ابراهيم الذي هو، بكل المعايير السياسية والأخلاقية، ميثاق "يهوذا"، حتى لو هدد دونالد ترامب كعادته باسقاط عروش الحلفاء بحركة من أصبعه، دون أن يتأمل ولو قليلاً، بمدى تأثير الأداء الأسطوري للفلسطينيين على الأرض، لكن روجر كوهين، المعلق اليهودي - الأميركي واثق من عجز الدول العربية عن أن يكون لها أي دور عسكري أو ديبلوماسي.

رهان هذه الدول لا يزال اياه على محمود عباس، بسياساته (وبشخصيته) الهلامية. من غزة وصفه أحدهم أمام أحد المراسلين بـ"العربة الخربة". أليس دور العرب الآن مثل دورهم ابان غزو المغول، وحين فاض نهر دجلة بدماء العراقيين؟

مثلما ظهرت هشاشة الدولة العبرية بعد أكثر من 10 أشهر من القتال (داخل حلقة مفرغة)، ظهرت البلدان العربية أكثر هشاشة، دون أن يدرك حكامها حتى بعد كل تلك الأحداث التي هزت الدنيا ـ وهم تماثيل الشمع ـ أن التنكيل المنهجي أو التعليب المنهجي للرعايا، لا يمكن أن يضمن بقاءهم ولا بقاء دولهم.لا نتصور أننا بحاجة الى أمثلة أخرى، وجثثنا تتناثر في العراء حتى وان كنا أحياء، لكي نعلم أن القوة وحدها هي تصنع التاريخ، وتتولى ادارة التاريخ. واذا كان المال (والارادة) العصب الرئيسي في بناء القوة، كم يبدو مذهلاً أن المال جعل من كل دولة عربية معنية الدولة ـ القهرمانة في الحرملك الأميركي!!

بسياساته البهلوانية حوّل المفاوضات الى كوميديا ديبلوماسية. لاحظوا كيف يؤلف الفريق المفاوض وكيف يغيّره في كل مرة وكيف يأمره، وهو المجرد من الصلاحيات، بالذهاب وبالاياب بتلك الطريقة المكوكية، التي لا تترك مجالاً للشك أنه يفاوض لاستهلاك الوقت، ولاحتواء المواقف الدولية، ما دام الأميركيون على ذلك المستوى من الوهن في التعامل معه.

محمود عباس يستعد للذهاب الى غزة، هل من أجل أن يحكمهم هذا الرجل حطموا الأسطورة "الاسرائيلية"، ليستيقظ الفلسطينيون حتى من قبورهم، وهو خليفة من قيل أنه يريد اقامة دولة ولو على ظهر حمار، ليدفن الثورة ويدفن الانتفاضة، وحيث الحجارة وصلت الى أسوار البيت الأبيض والى كل أسوار الدنيا، تحت الثلوج والورود الاسكننافية في أوسلو؟

ما يسعى اليه بايدن بلغة البطة العرجاء، أي بقاء "اسرائيل"، شيء، وما يسعى اليه نتنياهو شيء آخر، أن يبقى هو. هذا ما أوضحته زوجته سارة "يريدوننا أن نرحل، سنرحل ونترك "اسرائيل" تحترق". هنا المفارقة التي تحمل معلقين أوروبيين على التساؤل "لماذا لا يحدث انقلاب عسكري في "اسرائيل"، ولو ريثما تجري انتخابات جديدة للكنيست"؟ الاجابة تأتي من الداخل "الجيش في حالة من الاضطراب الرهيب، قد ينشطر الى شطرين تماماً على غرار ما حدث لدى موت سليمان، لتنتهي الحروب بين مملكة "اسرائيل"، ومملكة "يهودا" بتدمير نبوخذنصر البابلي للهيكل.

هذه المرة، نبوخذنصر بالكوفية الفلسطينية، ما يثير الذعر لدى ايتامار بن غفير "كيف للأميركيين أن يرغمونا على العيش مع تلك الأهوال تحت سقف واحد"؟ توماس فريدمان قال ان نتنياهو لم يعد أكثر من جثة. أبقيَ الرأس على الكتفين أم تدحرج بين الأحذية...

المصدر: الديار اللبنانية