2024-11-30 02:38 ص

“الأعور الدجال” موجودٌ بيننا ليس شخصًا بل نهجًا

2024-08-22

بقلم: كمال خلف
فلسطين ان لم تكن قضية عربية، وقد تم الاستيلاء عليها في لحظة من الزمن تكالبت فيها القوى الاستعمارية على المنطقة وقسمتها إربا، فهي قضية اسلامية ومسيحية معا، لأنها ارض المقدسات والقبلة الأولى ومسرى النبي، ومهد السيد المسيح وقيامته، وان لم تكن قضية مقدسات، فهي قضية عدالة إنسانية لشعب تمارس ضده المجازر والتهجير والظلم والاعتقالات والتنكيل منذ اكثر من سبعين عاما. أينما وليت وجهك امامك قضية يصعب عليك الا ان تناصرها ان كنت بشرا سويا.
المشهد اليوم في فلسطين في غزة والضفة واضح لجهة ان هناك شعب يباد على الهواء مباشرة، بأطفاله ونسائه وشيوخه وشبابه وبيوته، ومقاومة بإمكانات محدودة تحاول ان توقف هذه المذبحة وان تحرر هذا الشعب ليقرر مصيره اسوة بكل شعوب الأرض. هذه هي القصة باختصار وكلمات بسيطة.
هذا المشهد يجعلك تفترض فورا ان الشعوب العربية والأنظمة والنخب السياسية والثقافية والعلماء والمشايخ وأجهزة الاعلام العربية ستكون موحدة نصرة لإخوتهم كأضعف الايمان، على اعتبار ان النظرة الواقعية لا تتأمل دخول الجيوش العربية بحرب لإنقاذ الشعب العربي في فلسطين، كما لا تتجرأ الأنظمة على مناهضة الولايات المتحدة والدول الغربية اذ لا بد من الاعتراف ان المنطقة العربية برمتها واقعة تحت الاحتلال غير المباشر ومصادرة القرار المستقل.
لكن الواقع اليوم صادم، ويبعث على الذهول لجهة حجم الاختراق والتبعية وتدجين المجتمعات واستعمال كل وسائل الضغط على نبض الشارع العربي لسلخه عن قضاياه وتحويله الى مجموعات من السذج والحمقى.
لقد نجحت الولايات المتحدة والدول الغربية في تشويه الهوية العربية، والذات العربية والفكر العربي، حتى وصلت الى المعتقدات الدينية، او هكذا يبدو لأي متابع لما يقال وينشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الاعلام، وما يتفوه به من يسوقونهم لنا باعتبارهم نخبا وقادة راي ومعلقين وعلماء اجلاء وصحفيين ومحللين.. والخ. اشدد على عبارة “”هكذا يبدو “” لان اغلب الشعوب في الدول العربية ممنوعة من ابداء رأيها، او نشر ما تؤمن به عبر وسائل التواصل، ومن يفعل يعتقل او يفقد وظيفته، لذلك يبقى المرجل يغلي بصمت حتى يقضي الله امرا كان مفعولا، بالمقابل يتصدر الشاشات والمنصات أدوات تخدم خطابا معينا موجها تفرضه على الجمهور والراي العام، خطاب يدافع عن إسرائيل ويجرم الضحية، وهو خطاب مأجور ومعلب ومصمم، يتلاعب بعقول بعض البسطاء الذين يرددون ما يسمعون بدون تدقيق او تحقيق او محاكمة منطقية، خطاب هدفه فرملة الاندفاع العربي نحو نصرة اهل غزة، وحرف انظاره عن عجز الأنظمة وتبعيتها واستسلامها وعمالتها، وخدمة الولايات المتحدة في بقاء نفوذها واحتلالها لمعظم الأرض العربية، وتبرير التطبيع الرخيص مع إسرائيل على حساب مصالح الشعوب ودماء اخوتهم ومقدساتهم التي تنتهك امام اعينهم.
وسأورد في هذا المقال عينة صغيرة من هذا الكم الهائل من التضليل اليومي الذي يجلد به المواطن العربي، ويتأثر به البعض ويشرع بترديده كأنه الحقيقة المطلقة.
لا يكاد يمر يوم وانت تقلب في هاتفك او تجول على القنوات العربية، الا وتسمع العبارة التالية ” حزب الله الشيعي ” ذراع ايران في المنطقة، وهو ينفذ اجندة ايران، وتدعمه ايران، وقتل اهل السنة في سورية.
وهنا نطرح على هذا التضليل الأسئلة التالية: هل مذهب حزب الله هو سبب التحريض عليه؟ بمعنى هل لو كانت حزب الله سنيا او مسيحيا او غير ذلك، هل تتغير تلك الاوصاف ؟ الجواب لا قطعا، لان حركة حماس، والجهاد، والجماعة الإسلامية في لبنان حركات سنية، يمارس ضدها التحريض والتشويه، اذا الحملات موجه نحو الهدف وليس المذهب. وماذا لو كان حزب الله الشيعي مواليا للولايات المتحدة وإسرائيل؟ هل سنرى كل هذا التحريض؟
ثم ان سورية كانت حليفا وداعما لحزب الله، وقتاله في سورية امر طبيعي ومتوقع خاصة ان دول عربية وإقليمية كانت طرفا في الصراع، ودفعت دولة واحدة فقط من اجل تمويل اسقاط النظام في سورية ١٣٧ مليارا، باعتراف وزير خارجيتها بالصوت والصورة، بينما طلب احد المسؤولين ٢٠٠٠ مليار لاسقاط دمشق وحدها، وهذا أيضا موثق. ألم تتشكل غرف عمليات للمخابرات البريطانية والأمريكية والتركية وبمشاركة بعض الدول العربية وإسرائيل في الأردن وتركية لاسقاط النظام في سورية. اذا تكرار هذه المقولة عن تدخل حزب الله في سورية تضليل، ولو فتح الصندوق الأسود للحرب في سورية ستتكشف فضائح وحجم الجريمة التي ارتكبت بحق بلد عربي وشعبه.
واليوم يجري ترويج مقولات ” ماذا استفادت حماس من ٧ أكتوبر ؟ وحماس دمرت غزة ؟ و غزة كانت امنة قبل ٧ أكتوبر ؟
هذا التضليل والضخ وشيطنة حماس، كله له هدف واحد فقط، انقاذ إسرائيل، وتبرير المجازر والابادة التي ترتكبها بحق أبناء غزة، هذه أوامر الولايات المتحدة وأجهزة استخباراتها.
 في الضفة لم تحصل عملية ٧ أكتوبر، وإسرائيل رفعت منسوب القتل وتدمير البيوت ومصادرة الأراضي والاعتقال اضعاف. في القدس لا وجود الا لمصلين وإسرائيل تقتحم وتدنس وتعتقل وتقتل وتتوعد بهدم المسجد الأقصى.
السابع في أكتوبر في غزة هو ردة فعل وليس فعل، ردة فعل على الحصار والتجويع والقتل، إسرائيل شنت خمس حروب على غزة قبل ٧ أكتوبر، إسرائيل قتلت العشرات من المتظاهرين السلميين امام السياج قبل ٧ أكتوبر. عملية ٧ أكتوبر كانت صرخة مظلوم في وجه ظلم وقتل مستمر لم يتوقف. في انتفاضة غزة عام ١٩٨٧ كان أطفال غزة يلقون الحجارة فقط علـى قوات الاحتلال، قتلت إسرائيل مئات الأطفال، واعلن رابين سياسية تكسر العظام. لكن التضليل مستمر، والمال العربي ينهال بسخاء على هذا التضليل بكل اسف.
نأتي الى ايران ومقولات رائجة  اين الرد الإيراني ؟ وان حصل مسرحية متفق عليها، وأين ايران التي تدعي ان صواريخها تدمر إسرائيل ؟ وهناك مقوله رائجة أخرى أصبحت شبه حقيقة في الاذهان من تكرارها ” ايران قالت انها تحتل اربع عواصم عربية “”. هذه الجملة تحديدا لن تجدها في أي تصريح لأي مسؤول إيراني على الاطلاق، هي تماما مثل التصريح المنسوب للرئيس الراحل ” جمال عبد الناصر ” سنرمي اليهود في البحر ” وهي جملة إسرائيلية المنشأ لن تجدها في أي خطاب لعبد الناصر.
والحقيقة ان الولايات المتحدة هي من تحتل المنطقة العربية، القواعد الامريكية منتشرة من المحيط الى الخليج. الولايات المتحدة غزت العراق ومدمرته وقتلت مليوني عراقي ونهبت نفطه واثاره وحضارته، ساعدت إسرائيل في كل مجازرها، احتلت شرق سورية ونهبت النفط والغاز وجوعت الشعب السوري بحصار خانق، قصف وحاصرت ليبيا، ثم تدخلت لاسقاط النظام فيه بالقوة.. والشواهد كثيرة. عن أي احتلال إيراني نتحدث ؟؟ ثم ان الصراع في جوهره واصله هو بين العرب وإسرائيل، ليس على حد علمنا ان إسرائيل تحتل ارض إيرانية، بينما تحتل فلسطين والجولان وجنوب لبنان، هي ارض عربية، على عاتق الدول العربية أولا مسؤولية تحريرها وردع إسرائيل عن اطماعها ومشاريعها وليس ايران. اذا تقدمت ايران للتصدي للمهمة التي عجرنا عنها واجبنا ان نقف معها، لا ان نشن حرب شتائم وفتاوى وتشويه ضدها، بينما نبرر لإسرائيل عدوانها.
هذه عينة صغيرة جدا من التضليل اليومي المستمر، والمواطن العربي ضحية لهذا الكم من الشحن والكذب والتحريض وقلب الحقائق، من اجل ان يحول نظره عن الاستبداد وعن بيع الأوطان والارتهان للخارج، ونهب قوت أولاده. الشعوب العربية رغم كل هذا نبضها حي، الأغلبية الصامتة المقموعة لن تبقى كذلك. اليوم او غدا او بعد أعوام ستكتشف حجم التظليل والتلاعب بمصيرها، وستصحح المسار ولا ريب في ذلك.
كاتب واعلامي فلسطيني