2024-11-26 06:23 م

بايدن.. خطاب الوداع الاخير ولعنة غزة 

2024-08-22

بقلم: اسيا العتروس
لم يكن بامكان الرئيس الامريكي جو بايدن و هو يسلم الراية لنائبته كاميلا هاريس ويلقي خطاب الوداع بعد نحو نصف قرن من النشاط السياسي  ان يتجاهل اصوات الالاف من المتظاهرين الذين تجمعوا في شيكاغو خلال انعقاد مؤتمر الحزب الديموقراطي رافعين شعارات مؤيدة للقضية الفلسطينية و لكن ايضا تطالب صراحة بايقاف الدعم العسكري لكيان الاحتلال الاسرائيلي و تشدد على أن مرشحة الديموقراطيين كاميلا هاريس لا يمكن ان تحظى باصوات عرب و مسلمي امريكا و معهم انصار القضية الفلسطينية طالما لم تغير الادارة الامريكية سياستها في هذه الحرب ..
دعوات كان بالامكان للرئيس بايدن وهو يستعد لانهاء مسيرة سياسية طويلة ان يتجاهلها فكان رده خلال خطاب لوداع الذي استمر هذه المرة خمس و اربعين دقيقة ان “للمحتجين وجهة نظر محقة “..بايدن لم يوانى عن استحضار ما سبق و صرح به بشان الدور الامريكي ف هذه الحرب قائلا   في كلمته: “سنواصل العمل على إنهاء الحرب في غزة وإحلال السلام في الشرق الأوسط، وقمت بصياغة مقترحٍ جديدٍ للهدنة في قطاع غزة، وسنمده بالمساعدات ونخفف المعاناة عن سكانه، ونعمل على إعادة المحتجزين في القطاع إلى منازلهم.”
طبعا لم ينس بايدن ان يذكر بان  كاميلا هاريس ستكون الرئيسة السابعة والأربعين للولايات المتحدةو ان بلاده قامت بتعزيز  قوة حلف الناتو وأضافت  عضوين جديدين هما السويد وفنلندا”…و هي طبعا تصريحات  يمكن اعتبارها انها ليست من الشاذ و انهاتحفظ و لا يقاس عليها و في كل الاحوال لا يمكن ان تغير من الواقع شيئا و مع بدء العد التنازلي للانتخابات الرئاسية الامريكية في نوفمبر القادم و عودة الرئيس السابق دونالد ترامب بقوة الى المشهد في مسعى للوصول الى البيت الابيض.
هناك حقائق لا يمكن تجاهلها وهي ان غزة ستظل حاضرة في المهرجان الانتخابي الامريكي  كما ان  دماء الضحايا من نساء و اطفال و شيوخ ستظل شبحا يلاحق الديموقراطيين في هذا السباق و تذكرهم بأن اصوات انصار غزة مقابل انهاء تسليح كيان الاحتلال. والامر طبعا لا يتوقف عند عرب امريكا و مسلميها ومسيحي الشرق الاوسط الذين يناهزون الثلاثة ملايين ناخب و لكن الامر يتعلق بصحوة تخترق مختلف النخب الامريكية  و الاقليات من اصول افريقية وامريكية لاتينية وغيرها ومن طلبة و جامعيين واكاديميين وفنانين استفاقوا على وقع التوحش غير المسبوق الذي يمارسه الاحتلال على الفلسطينيين واهتزاز وسقوط الرواية الاسرائيلية  الزائفة وانتصار السردية الفلسطينية رغم كل التعتيم ورغم الاستهداف الممنهج وقتل الصحفيين و الصحفيات  على الميدان كل ذلك بهدف تزييف الحقائق و تغيير التاريخ و المراوغة و صد العالم عن رؤية حقيقة الاحتلال وعقليته الصهيونية العنصرية ..لا خلاف ان هذه التطورات تاتي فيما تقترب حرب الابادة المستمرة في غزة من نهاية عامها الاول دول مؤشر واضح عن وقف محتمل لوقف الحرب و انهاء المجازر اليومية التي ترتكب في حق اهالي غزة و التي تمتد يوما بعد يوم الى الضفة الغربية المحتلة التي تعيش بدورها حربا منسية  ..وقد بات من العبث الحديث عن حصيلة للحرب المتوحشة التي تسجل مزيد الضحايا والجرحى و الشردين و اليتامى و الثكالى و الارامل دون اعتبار لخراب و الدمار في مساحة محاصرة برا و بحرا و جو وتعد الاكثر اكتظاظا و الاكثر بؤسا و معاناة في العالم .. كل ذلك فيما تبقى مفاوضات الدوحة اشبه بالزئبق الذي يستحيل مسكه  لسبب لا يخفى على مراقب و هو ان الادارة الامريكية و هي القوة الدولية الوحيدة التي يمكن ان تؤثر على كيان الاحتلال ونتنياهو لا تريد ايقاف هذه الحرب في هذه المرحلة و لو كان لدى واشنطن رغبة في  انهاء الحرب لكانت استجابت للدعوات المتواترة منذ فترة لايقاف تسليح الكيان ومده بالقنابل الحارقة والاسلحة المحرمة دوليا والذخيرة التي يمطر بها اطفال و نساء غزة منذ اكثر من عشرة اشهر و التي تجاوزت ما اسقط على هيروشيما و نغازاكي  بعد الحرب العالمية الثانية.. ولو كانت امريكا تريد انهاء الحرب لما جعلت مجلس الامن الدولي منبرا لشرعنة جرائم ناتنياهو ..ولو كانت واشنطن و ادارة بايدن معنية بانقاذ الارواح لما صمتت على مسلسل الاغتيالات من غزة الى الضفة و سوريا وطهران.. ولو كانت معنية بوضع حد للنزيف لما منحت ناتنياهو الحصانة المطلقة لمواصلة جرائم الحرب الموثقة التي نددت بها مختلف المنظمات الدولية و الحقوقية و الانسانية.. والاكيد ايضا ان ناتنياهو ما كان يريد تحرير الرهائن وهو ليس معني بمن يموت منهم وكل ما يريده ان تستمر الحرب الى حين انتهاء السبق الانتخابي الى البيت الابيض و هو في الاثناء  يبتز الجميع جمهوريين و ديموقراطيين و كل الطبقة السياسية الامريكية تعرف ذلك و تقبل بهذا الابتزاز.
خلاصة القول أن ما عاشت على وقعه مدينة شيكاغو امس بالتوازي مع مؤتمر الديموقراطيين والدعوات لانهاء الحرب ووقف توفيرالسلاح لناتنياهو انذار صريح ومباشر لشريحة مهمة من الناخبين الامريكيين  وتاكيد على أن جزءا مهما من الرأي العام الامريكي سجل صحوة عميقة في التعاطي مع القيم الانسانية الكونية والقانون الدولية وأن جيلا جديدا في امريكا و أوروبا بات اكثر وعيا بحق الشعب الفلسطيني المشروع في الحرية و الكرامة و العدالة و انه لا معنى لكل المواثيق و دروس القانون الدولي الانساني اذا لم تطبق على ارض الواقع وفق ميزان العدالة ذاته لكل شعوب الارض ..و قد بات أهالي شيكاغو يستحضرون بين  فيتنام قبل اكثر من خمسين عاما وبين التورط لحربي غزة وأوكرانيا حاليا.
“أوقفوا الإبادة الجماعية في غزة”، و”جو مرتكب الإبادة الجماعية” ولا مساعدات امريكية لاسرائيل و”فلسطين حرة”… هي بعض الشعارات التي اطلقها المتظاهرون في شيكاغو وهي ذاتها التي رددها  المحتجون في العاصمة السياسية واشنطن خلال قمة الحلف الاطلسي الشهر الماضي.. وبين المنظمات التي تظاهرت في شيكاغو  “الصوت اليهودي من أجل السلام” الذين يعتبرون أن الناس في غزة مثل الناس في أمريكا لهم الحق في العيش بأمان…
مقابل التوحش الاسرائيلي والتخاذل السياسي هناك وعي انساني بحجم المأساة في غزة وهناك رفض مسؤول ومبرر لسياسة كيان الاحتلال و لاصوات المتطرفين هناك ممن يروجون بأن موت مليوني فلسطيني في قطاع غزة جوعا “قد يكون عادلا وأخلاقيا لإعادة الأسرى الإسرائيليين”، كما ينعق بذلك الوزيرسموتريتش.. لا أحد بامكانه اليوم أن يحدد ما ستكون عليه نهاية الحرب في غزة أو الحصيلة النهائية لمحرقة العصر والارجح أن الميدان سيحسم النتائج رغم  تفوق جيش الاحتلال عسكريا و رغم كل الدعم غيرالمسبوق الذي يحظى به من الحليف الامريكي ..ومع اقتراب حرب الابادة من عامها الاول تبقى غزة رغم جرحها النازف عنوان الصمود و الثبات في عالم جحود متخاذل ومتنكر للمستضعفين  أمام جبروت الاحتلال و تواصل غزة كشف اسوأ وأبشع ما في  العالم من ازدواجية المعايير و دوس على القيم و تواصل غزة  رسم أرقى وأنبل الملاحم الانسانية …
كاتب تونسي