2024-09-12 07:04 م

القائد القادم في قطار بعد منتصف ليل الأمــة!

2024-08-16

بقلم: خالـد شــحام
في هدير طاحونة التاريخ تتوالد الأمم المستضعفة  في تلازم تام مع  تلك المستكبرة  وذلك كجزء من  ابتلاء الاستخلاف في الأرض و قوانين الطبيعة ، في أوج الطاحونة  تركب الأمم المستكبرة فَرحَةَ الزمان وتظن نفسها هي الغالبة والباقية في كازينو التاريخ والجغرافيا متناسية سنن الكون وقوانين الخالق في خلقه ، عقب استنفاذ كل أفعال الاستكبار من القتل والنهب والاحتلال وإنكار إنسانية الطرف الآخر تتطور ذروة الحبكات حيث  يرتقي الاستضعاف إلى مستوى متجاوز ويُستَولد منه فنٌ يمزج السخرية بالاستحمار ، يصبح الضعيف هنا  نوعا من مادة التسلية والتهليس في عين المستكبر ، هذا ما يجري اليوم على ساحة التحركات الدولية الغربية و العربية التي تلعب تمثيلية وقف العدوان على غزة فيما هي لا تقيم أي اعتبار لأي شعوب عربية أو إسلامية ، بل على النقيض حيث تحولنا جميعا إلى مدعاة للسخرية ومهازل الزمان .
 عندما يتم تعيين الصهيوني هوكشتاين للبحث في (السلام ) مع الجبهة اللبنانية فليست هذه سوى سخرية ، وعندما يأتينا امثال بلينكن وسوليفان إلى عواصم الهزار والنكات في ألف زيارة ويعلنون بصراحة أنهم يأتون بصفتهم اليهودية أو الصهيونية فهذه ليست سخرية فحسب بل تحولنا إلى سذج وأغبياء ، وعندما تتحرك القارة الأمريكية والأوروبية للضحك على ذقن ايران للدخول في سكوت وقبول للإهانة فهذه سخرية من نفس الكأس ، وعندما تعلن الإدارة الأمريكية عن (إصرارها ) على إكمال المفاوضات الضاحكة واستدعاء  الوسطاء الضاحكين  ومئات الاجتماعات الضاحكة  لوقف العدوان على غزة دون أية نتائج  فهذه سخرية موازية لا تقل خطورة عن قتل الأبرياء في غزة .
ضمن برنامج السخرية والتهليس لا يكاد يمضي يوم أو ساعة حتى تخرج علينا الأخبار بعقد اجتماع أو قمة أو مؤتمر ويكلل عنوانه الأساسي بالمطالبة بوقف ( الحرب ) في غزة فتخفق قلوبنا وترهف أسماعنا لنكتشف  بعد قليل بأننا قد تعرضنا لجرعة جديدة من السخرية ، يمكنكم تعداد مثل هذه التصريحات طيلة الشهر الواحد بالعشرات ،  مساء الثلاثاء بثت الجزيرة الكلمة النهائية لمجلس الأمن حول مجزرة مدرسة التابعين ، كانت السيدة الأنيقة تتقيأ الكلمات الميتة بعناية وكأنها روبوت اسرائيلي مبرمج بالذكاء الصناعي يروي السردية الصهيونية  ضمن قالب عديم الطعم والمعنى والنكهة ، الحقيقة أن السيدة الأنيقة والناطقين الرسميين وينضم إليهم الفريق الأمريكي والفريق العربي ليسوا إلا السيد أفيخاي أدرعي بحلل مختلفة وألسنة متنوعة  يقدمون النصوص  الساخرة كإهانة أخرى للخاسرين ، عندما تصل الأمور إلى هذه النقطة فعليكم أن تعلموا ان مكانة الأمة العربية والإسلامية في نظر هؤلاء تحولت إلى الحجم الصفري ولم يعد يهم لا مظاهرات ولا تصريحات ولا حكام ولا شعوب ، السؤال هنا من يوقف عدوان الموت ومن يوقف حرب السخرية علينا جميعا ؟
في مثل هذه اللحظات الفارقة ومن بين مسننات الألم والظلم والمعاناة تجود طاحونة  التاريخ بإفلات حصاة صغيرة من قلبها ، حجر صغير اسمه القائد ، القائد العظيم الذي تتغير بين يديه كل المعطيات والمعاني وتتحول بين يديه كل الخامات إلى مقدرات ، ليوقف حرب الاستحمار وتشعر معه بأن وجه الساخرين امتقع وانقلب إلى وجه المتعكرين ، قائد يأتي به الزمان في قطار بعد منتصف ليل الأمة ، وعادة يأتي عند الخامسة فجرا ومن حوله غرباء لا يتكلمون ، غرباء عن ضياع الشعوب وغرباء عن وحشة الأيام وسكينة الهزيمة ، هذا القائد الفريد هو العنصر المضاف إلى الأمة المهزومة الذليلة اليائسة ليتفاعل بعنف شديد مع كل المكونات ويقذف ببعضها خارج الإناء وقد يتسبب في كسره.
نحن امام مرحلة ولادة جديدة لانكشاف القيادة العربية الإسلامية الصحيحة ، نواتها تبدأ من غزة أرض الحدث الجديد ، قيادة ستتبعها قيادات لا قبل لكم بها ولا قبل للعالم بها سوف تتسبب بإحداث تداعيات أكبر بكثير مما تتخيلون ، لهذا السبب الاجتماعي تحرص البرامج الاستعمارية على احباط مولد الشخصيات القيادية في الداخل العربي ، ولهذا السبب لا بد من  قمع كل مفكر وكل شخصية مؤثرة في العالم العربي ودفن الشخصيات الطليعية الصاعدة لمنع تشكل نواة القيادة وإجهاض التطور السيكولوجي الحاضن لتكوين جنين القيادة ، إن صناعة القائد في الداخل هي صناعة المستقبل الذي لا يُراد له ان يكون .
خلال الأسبوع الماضي كانت بصمات القائد يحيى السنوار تضع نفسها بقوة في الإطار الجاري للمشهد ، تفاصيل صغيرة لكنها ذات دلالات كبيرة لمن يفهم  ويدرك ويربط  ، والمسألة هنا ليست شخصية بقدر ما هي تَكوُن نواةٍ مركزية صانعة للحدث بقراراتها  وليست تابعة له  :
إعلان حركة حماس عن مبدأ الإلتزام بنص اتفاقية 2 تموز التي تمت الموافقة عليها سابقا وعدم اكتراثها بأية مفاوضات عبثية مكوكية دون أسس ثابتة ، هذا بالحرف الواحد يعني بأن حماس لن تقبل بأية مفاوضات أو نصوص لإيقاف العدوان تنطوي على الغش والخداع حتى لو أفضى ذلك الى استمرار القتال ، لم يكن مثل هذا القرار ممكنا لولا الشخصية الحاضرة .
لقد فاجأنا أبو عبيدة بإعلانه عن قتل أسير وجرح إثنتين على يد الحراس الشخصيين في حادثة فريدة من نوعها ، هذه الرسالة الجديدة للداخل الصهيوني ولقيادات العدو تعني بأن الإبقاء على الأسرى في حالة سليمة كنقطة محرجة وضاغطة على المقاومة الفلسطينية لم تعد شيئا ثابتا في ظل القتل والمجازر المتواصلين وتعني بأن أسراكم ينطبق عليهم ما ينطبق على الشعب الفلسطيني الذي تقصفونه كل يوم.
إن إطلاق صاروخين من طراز M90 في يوم الثلاثاء الماضي باتجاه يافا من قلب خان يونس حيث يصول العدو و يجول كان يمثل المندوب الغائب عن اجتماعات التفاوض التي رفضت المقاومة حضورها بعزة وإباء في اجتماعات الدوحة، إنها رسالة  نارية تحمل بصمة القائد بأن مفاوضاتنا لا تستند إلى الضعف وبأن قابلية ضرب القلب الكيان هي شيء في متناول المقاومة ، لقد كان  تعمد نشر الفيديو المتعلق بإطلاق الصاروخين بهذا الوضوح رسالة  لكل المريدين بأن عملية الاطلاق لا تتطلب أية تجهيزات معقدة او مكشوفة  وبأن هذه الأسلحة لا تزال بحوزة المقاومة الفلسطينية وأن لها اليد الطولى في الضرب في أي وقت.
إن الرسالة الايحائية الأهم التي تكونت بفعل حضور القائد السنوار هو سلسلة التصريحات والاندفاعات التفريغية للقناعات بعبثية الحرب على غزة ، لقد شهدنا خلال أسبوعين تصريحات وازنة ومقالات هامة من شخصيات وسياسيين غربيين وصهاينة أعلنوا بكل وضوح أن الكيان الصهيوني ذاهب بقدميه نحو حافة الهاوية السياسية والوجودية بسبب سياسات خرقاء يقودها حفنة من المجانين في الكيان الصهيوني والولايات المتحدة وهذه التصريحات ليست نوعا من التزييف بل هي حقائق ميدانية ، إن صلابة المقاومة التي تُوجَت باختيار السنوار رئيسا وقائدا للحركة عززت قناعات عدد كبير من حلف العداوة بأنهم يواجهون شعبا صلبا جدا لا يستسلم ، خاصة بعد قتال بأثقل الأسلحة ضد المقاومة لم يفض إلى شيءٍ جادٍ وحقيقي في الميدان .
ما الذي نحن بصدده الان وكيف أعيد ترتيب الأوراق وقطع اللعب ؟
إن الحسابات المقروءة تشير إلى ترجيح كبير بأن الأمريكان ليسوا في وضعية تسمح لهم بفتح حرب متعددة الجبهات بسبب اضطرابات الداخل والخارج وهنا أشير بكم إلى قراءة ومتابعة قراءات الإعلامي الأستاذ كمال خلف المميزة والتي يتضح معناها أكثر كل يوم .
لقد فشل الاجتياح البري لغـزة فشلا ذريعا وتحولت دعاية (النصر الشامل ) للمجرم نتانياهو إلى عبارة تندر وتسخيف ، لم ينل العدو إلا خسارات فادحة في جنوده وآلياته والدليل المثبت هو مقاطع الفيديو المصورة لضربات المقاومة الجديدة المبتكرة التي تحقق اصابات موجعة وقاتلة لهذا العدو في كل غزة ، يعزز ذلك إعلان جيشه عن العدد الهائل من الاصابات في صفوفه ، والذي يعكس قناعة الجهاز العسكري بفشل المعركة ، هذا هو العامل الأساسي في السيناريو الذي يجري .
لا نعلم بالضبط ما هي نوعية الحرب التي يمكن للكيان الصهيوني أن يقوم بها في ظل الوضعية المزرية التي يعاني منها ! جيش فاشل منهك ومصائب من كل حدب وصوب وتحالفات سريعة سياسية وعسكرية تتشكل ضده ، داخلٌ بدء بالتذمر من طول هذا العدوان واستنزاف معنوي واقتصادي فادح ، إنه أضعف بكثير من أن يتحمل أية حالة حربية بالمعنى الحقيقي ، كل ما يمكن تقديمه هو استعراضات جوفاء لن تغير شيئا من الواقع .
لقد تبين أن تروي الثأر لدماء الشهيدين هنية وشكر وميناء الحديدة أكثر فائدة وأكثر حكمة من التسرع بتوجيه ضربات عسكرية محدودة ، ربما تحمل الأيام القادمة قطافا أكثر قيمة وأطول فاعلية من الثأر العسكري ، وبالنسبة للحضور الامريكي والغربي والتدفقات العسكرية فهي رسالة واضحة تماما إلى بوتين قبل ايران .
إن مصدر القلق الحقيقي للعدو يتمثل مرحليا في حزب الله الذي انتقل من المشاركة المحدودة في بداية العدوان إلى تصدر مركز الكابوس الاسرائيلي الذي لاتوجد طريقة لإزالته إلا بخسائر هائلة قد تفضي إلى نهاية (اسرائيل) ، الحرب النفسية التي يلعبها حزب الله  بإطلاقه سلسلة المفاجآت والتي كان آخرها (المدينة الصاروخية ) تحت الأرض تؤكد للعدو بأنه لم يكن يعلم شيئا عن مستوى المواجهة .
كل المعطيات الآنية تؤكد أن اقتراب الدخول في صفقة إنهاء للحرب تقف على الأبواب حتى مع الألاعيب التي تجري والمماطلات التي ستفضي إلى الاعتراف بالهزيمة الصهيونية الكاملة ، لكن ذلك ليس إلا مرحلة الهدوء التي تسبق العاصفة الكبيرة والأخيرة القادمة .
كاتب عربي فلسطيني

المصدر: رأي اليوم