2024-09-12 06:57 م

السنوار.. كيف يُدير المفاوضات من الأنفاق؟

2024-08-16

بقلم: مهدي عقيل
لا شك أن اختيار يحيى السنوار لخلافة الشهيد إسماعيل هنية، على رأس حركة "حماس"، لم يكن بحسبان أحد، في الوقت الذي كانت تتجه الأنظار نحو شخصية حمساوية قريبة من كل الأطراف الفاعلة أو المؤثرة داخل الحركة، وألا تكون محسوبة بشكل صارم على جهات إقليمية معينة وأن تكون قادرة على لعب الدور الذي سيُناط بالحركة في أحلك ظرف تمر به منذ تأسيسها عام 1987 حتى يومنا هذا.

الخيار الذي سارت به قيادة “حماس” أصاب إسرائيل بصدمة كبيرة، حتى اعتبره العديد من المحللين “ردأً استراتيجياً” على اغتيال إسماعيل هنية، على اعتبار أن “أبو إبراهيم” (السنوار) هو العدو اللدود لإسرائيل ويُمثّل رأس حربة الجناح القريب جداً من إيران، وهو الذي حافظ على العلاقة معها عبر توطيد علاقته باللواء قاسم سليماني وقيادة حزب الله، فيما كان آخرون في قيادة الحركة ينخرطون في مسارات كان أكثرها نفوراً دعم الحركة للمعارضة السورية غداة اندلاع الأزمة السورية في العام 2011. زدْ على ذلك أن شخصية السنوار يغلب عليها الطابع العسكري أكثر منه السياسي، وهو القائل بعد تبوئه منصب المسؤول السياسي للحركة في غزة عام 2017، “أجبروني بهذا اللباس (المدني) لضرورة العمل السياسي”. هذا فضلاً عن أن لديه ثأره الشخصي من الاحتلال الذي رماه في السجن أكثر من مرة، وهو القائل أيضاً لأحد سجّانيه أثناء التحقيق معه في العام 1988، إثر اعتقاله الأول على خلفية تأسيس القوة العسكرية الأولى لـ”حماس” المتخصصة بمكافحة العمالة الإسرائيلية، والتي عُرفت آنذاك بـ”قوة مجد”: “سوف يأتي اليوم الذي نستبدل فيه المقاعد، بحيث أنا أكون المُحقِق وأنتَ المُحقَّق معه”، وهذا ما حصل نسبياً غداة “طوفان الأقصى”. وثمة من اعتبر انتخاب السنوار تحية للمقاومين ورسالة تشير إلى تشبث الحركة بكل مستوياتها بخيار المقاومة المسلحة، وبالتالي سيكون برنامجها السياسي مرتبطاً بالميدان (المقاومة)، ولن يكون بمقدور جهة ما على وجه الأرض أن تضغط عليها لكي تحيد عن هذا الدرب، الآن ومستقبلاً. وقال آخرون إن اختيار السنوار “هو بمثابة حل يُرضي جميع القيادات الحمساوية بعد أن استهوى هذا المنصب أكثر من قيادي فيها، فكان الاجماع على السنوار”. لكن العنصر المثير، وهو موضوع المقال، هل ثمة من نصب فخاً للحركة بدفعها لاختيار السنوار؟ يقول الكاتب الإسرائيلي في “يديعوت أحرونوت”، ميخائيل ميلشتاين، في هذا الصدد، إن اختيار السنوار “ضربة معلم، عملت عليها الدوحة في محاولة منها لإخراج السنوار من قطاع غزة إلى قطر، بذريعة أن إدارة المكتب السياسي لحماس لا يُمكن أن تجري من تحت الأنفاق وبالمراسلات المتواترة”. أثير هذا الموضوع، في الأيام الأخيرة، إثر رفض حركة حماس المشاركة في المفاوضات إلا إذا أدى اجتماع الدوحة الرباعي (قطر، مصر، الولايات المتحدة وإسرائيل) إلى موافقة الطرف الإسرائيلي على ورقة الرئيس الأميركي جو بايدن، التي وافقت عليها حماس في 24 حزيران/يونيو الماضي)، إذ طرح البعض سؤالاً مشروعاً، كيف يتابع السنوار مجريات هذه المفاوضات بكل تفاصيلها؟ من يطرح هذا السؤال لا يُدرك أن الإتصال لم يتوقف يوماً واحداً بين قيادة “حماس” في غزة وقياداتها في الخارج، وبالتحديد نائب رئيس المكتب السياسي خليل الحية الذي كان يُنسق في كل شاردة وواردة في كل جولات المفاوضات السابقة مع يحيى السنوار في الدرجة الأولى ويتلقى منه التعليمات تباعاً، وبالتالي ما ينطبق على جولة الدوحة التفاوضية التي انتهت وعلى جولة القاهرة الآتية، لا يختلف كثيراً عن سابقاتهما لناحية استمرار مرجعية القرار في ملف الأسرى والمفاوضات لمن يُمسك بالميدان على أرض غزة. هذه واحدة من الأمور التي لا يُدركها كثيرون علماً أن موضوع عدم المشاركة في المفاوضات لا ينفي حقيقة أن قيادة “حماس” في الخارج، وخليل الحية من أبرز رموزها، تتواصل من مقر إقامتها في الدوحة مع القيادتين القطرية والمصرية بمعزل عن وجودها في أروقة قاعات التفاوض أو خارجها، وينطبق ذلك على الجولة المقبلة في القاهرة، إذ أن السنوار ورفاقه في غزة حدّدوا سقفاً لا يمكن التنازل عنه: أي تسوية تحت أي مسمى كان يجب أن تلحظ وقفاً لإطلاق النار وإلا فلتستمر المعركة.. وما عدا ذلك يعني أن الحركة ستسلم الأسرى المدنيين والعسكريين للجانب الإسرائيلي وبالتالي تفقد ورقة القوة الأساسية التي تضمن من خلالها وقف الحرب وليس خافياً أن نتنياهو يراهن على تجزئة الحرب من خلال هدنة من ستة أسابيع تجعله قادرا خلالها على منع اليمين المتطرف من اسقاط حكومته (الكنيست في اجازة حتى منتصف تشرين الأول/أكتوبر المقبل) وعندما تنتهي المرحلة الأولى ويتم اطلاق عدد كبير من الأسرى، يستأنف الإسرائيليون الحرب بدعم أميركي. بكل الأحوال لا يمكن للسنوار أن يعيش حياة عادية فوق الأرض، بعد عملية “طوفان الأقصى”، وسوف تكون حياته شبيهة إلى حد كبير بحياة الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله، لكن الفرق بينهما، أن نصرالله يعيش في بيروت، فيما السنوار يعيش في غزة التي لن تخرج عن سيطرة الجيش الإسرائيلي الأمنية، بأي شكل من الأشكال، حتى لو خرج الجيش من القطاع في يوم من الأيام.. إلا إذا تمكنت حماس، في سياق معركة المفاوضات، من فرض معادلة تُقيّد من خلالها قدرة الإسرائيلي على تنفيذ اغتيالات لقادة وكوادر المقاومة بكل مسمياتها ومستوياتها.

ما عدا ذلك، يمكن طرح السؤال الآتي: هل يكون انتقال السنوار إلى عاصمة من عواصم المنطقة ضرورة لا بدّ منها أم لدى قيادة “حماس” القدرة على اتخاذ القرارات من تحت الأرض ومن فوقها على حد سواء، ثم من “قالَ إن السنوار ما زال موجوداً حتى يومنا هذا في أنفاق غزة” يسأل مسؤول لبناني كبير.

المصدر/ ١٨٠ بوست