2024-11-28 01:27 م

إسماعيل هنية: الإغتيال الناجح.. والهدف الفاشل!

2024-08-10

بقلم: مهدي عقيل


لم يكن في حساب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، عندما قرّر اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، إسماعيل هنية، تحقيق صورة نصر ما وحسب، إنما أراد من هذا الاغتيال اصطياد عدة عصافير بمقذوفٍ واحد، لكن فاته أن أحد تلك العصافير سيجعل السحر ينقلب على الساحر.

لا شك أن اغتيال إسماعيل هنية هو صيدٌ ثمينٌ، برغم أنه شخصية سياسية على رأس حركة سياسية تتحرك علناً بين العواصم، وكان يمكن تصفيته في أي وقت ومكان (الدوحة أو القاهرة أو أنقرة)؛ غير أن الهدف الرئيسي من وراء قتله، وتحديداً في طهران، هو الأهم. لماذا طهران؟ كانت تنقلات إسماعيل هنية منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، محصورة بين أنقرة والدوحة والقاهرة وطهران، في ظل إجراءات أمنية غير استثنائية، إذ درجت العادة أن لا يفارقه حارسه الشخصي ولا يتخلى عن هاتفيه الخلويين للتواصل مع قيادات الحركة ومع ثلة من المسؤولين، عربياً وإسلامياً ودولياً.. كان يُمكن للإسرائيليين أن يغتالوا هنية في أي من العواصم المذكورة أعلاه باستثناء طهران، ولكن ثمة حسابات تجعل المهمة مكلفة سياسياً ومن شأنها أن ترتد بوابل من المشاكل على الكيان العبري، كون تلك العواصم تُصنَّف من ضمن العواصم الصديقة لتل أبيب، وتساهم في المفاوضات الهادفة لوقف إطلاق النار. فيبقى الخيار الأنجع والذي يعود بفوائد كثيرة على إسرائيل أن يحصل الاستهداف على أرض طهران.. وهذا الأمر يُذكّرنا بعشرات العمليات التي كان بامكان إسرائيل انجازها ولكنها كانت تعدل عن التنفيذ في آخر لحظة لأسباب سياسية أو أمنية إلخ.. وعلى سبيل المثال لا الحصر، وضع “الموساد” الإسرائيلي خطة لتفجير قيادة منظمة التحرير الفلسطينية على منصة الاحتفال بعيد انطلاقة الثورة الفلسطينية في نهاية العام 1981 في الملعب البلدي لبيروت (الطريق الجديدة) وتم زرع العبوات ولم يكن ينقص إلا كبس زر التفجير من المجموعة التي كانت على الأرض بمحاذاة الملعب، قبل أن يسأل مناحيم بيغن (رئيس وزراء إسرائيل حينذاك) عمن سيكون جالساً في المنصة إلى جانب القيادة الفلسطينية وعلى رأسها ياسر عرفات وجورج حبش ونايف حواتمة، فكان الجواب أن السفير السوفياتي في بيروت ألكسندر سولداتوف هو أبرز الحاضرين، فسارع بيغن إلى إعطاء الأمر بوقف العملية فوراً، مخافة أن يؤدي مقتل سولداتوف إلى أزمة كبرى في العلاقات الإسرائيلية السوفياتية!

ما هو الهدف الإسرائيلي من وراء هذا الاغتيال على أرض طهران؟ 1-   اغتيال هنية (أبو العبد) في طهران شكّل ضربة كبيرة للأمن القومي الإيراني، خصوصاً أن الهدف كان ضيفاً مُكرّماً، ويقيم في مبنى مخصص للضيوف الكبار يُدعى “إيثار” (مضافات الحرس الثوري في شمال طهران)، في حي الزعفرانية، وتحت حماية مشددة من الحرس الثوري. وبالتالي، وبصرف النظر عن طريقة الاغتيال، يعتبر ذلك خرقاً أمنياً خطيراً للأمن للقومي كما للسيادة والهيبة الإيرانيين. 2-   استهداف هنية في طهران، يُراد من خلاله توجيه رسالة إلى قيادة حماس، مفادها أن إيران ليست مكاناً آمناً لها إذا أرادت اعتمادها مقراً لها بدلاً من قطر، لا سيما بعد سلسلة من الضغوط التي مُورست على قيادة الحركة لإبعادها إلى بلد آخر. 3-   ثمة اعتقاد إسرائيلي بأن اسماعيل هنية هو أحد أبرز الذين يقفون حجر عثرة أمام إتمام صفقة الأسرى بالشروط الإسرائيلية، وبالتالي يؤدي شطبه إلى استبداله بشخصية حمساوية براغماتية بعيدة عن إيران؛ ذلك أن المعروف عن “أبو العبد” أنه أحد أبرز الشخصيات الحمساوية القريبة من طهران.

ربما أصاب الإسرائيليون في حسابات البندين الأولين المذكورين أعلاه، لكن في البند الأخير كانت بانتظارهم مفاجأة من العيار الثقيل، فالآتي (يحيى السنوار) ليس معادياً للنظام السوري ولا لحزب الله أو إيران بل معروف عنه تحفظه على دور رموز حمساوية مثل خالد مشعل البعيد عن طهران، وكان رأس حربة المواجهة ضد النظام السوري في بداية الحرب السورية عام 2011، والتي غادرها حينها بعدما احتضنته وزملائه لأكثر من عشر سنوات، ومن ثم استقر في اسطنبول ثم الدوحة حتى يومنا هذا؛ وحسبما صرّح القيادي الحمساوي موسى أبو مرزوق لقناة RT الروسية، عرضت قيادة الحركة على خالد مشعل المنصب الشاغر لكنه اعتذر. رحل إسماعيل هنية وحلّ مكانه صانع كوابيس إسرائيل، وعقدة حياة نتنياهو الذي أخرجه بنفسه من السجن في العام 2011، من ضمن صفقة الجندي جلعاد شاليط، مهندس وقائد عملية “طوفان الأقصى”، يحيى السنوار. وهكذا أتى من لم يكن يخطر إسمه ببال الطاقم السياسي والأمني الإسرائيلي، وبدلاً من العودة بحماس إلى التقارب مع محور الاعتدال العربي والإسلامي، توطّدت علاقاتها بقائدة محور المقاومة (إيران)، التي شيَّعت هنية بموكب مهيب، يُعتبر الرابع بعد تشييع الإمام الخميني (1989)، والجنرال قاسم سليماني (2020) والرئيس إبراهيم رئيسي (2024). وأمّ صلاة الجنازة عليه مرشد الجمهورية السيد علي خامنئي. هذا كان جزء بسيط من الرد، إلى أن تم اختيار السنوار، ليُنغّص على نتنياهو فرحته وغبطته بالاغتيال، وربما جعله يتمنى لو لم يقدم على فعلته هذه.. حاله كحال حزب الله الذي صار ولّادة قيادات وشهداء من بعد اغتيال القادة الشيخ راغب حرب والسيد عباس الموسوي وعماد مغنية.. وغيرهم آلاف الشهداء.

وإذا كانت طهران تعتبر نفسها معنية بالثأر لمقتل هنية في قلبها، هل يوجد على جدول أعمال حركة حماس برنامج آخر يُمكن أن يجعلنا نشهد ولو “ميني 7 أكتوبر” في الآتي من الأيام؟

المصدر: ١٨٠ بوست