بقلم: فؤاد البطاينة
من أهم محددات مستقبل أي دولة واستقرارها وتنميتها هي الديمقراطية، ونقيضها هي الدكتاتورية . فالديمقراطية تنمو وتتقدم وتعظم الإيجابيات . والدكتاتورية تنمو وتتقدم وتعظم السلبيات. وعندما نتكلم عن الدكتاتوريات فهناك الوطنية وهناك غير الوطنية . الفارق بينهما كبير ولكن كلاهما يصلان في الدولة إلى الفشل .
على أن الدكتاتوريات الوطنية إن كانت تستند الى تيار جماهيري وعقائدي وكانت تواجه تحديات أو مسؤوليات داخلية جسيمة، وتحديات خارجية خطيرة ووجدت أن الديمقراطية الغربية لا تلائم ظروفها فلها ما تراه من نظام حكم ينطوي على ديمقراطية تناسبها كالصين مثلاً. بينما الدكتاتوريات غير الوطنية هي التي تتلقفها القوى الإستعمارية وتحميها وترعاها أو تصنعها وتسير سياستيها الخارجية والداخلية لخدمة مصالحها. فهي بمثابة مستعمرات بالوكالة . وهي بالضرورة تكون معزولة عن شعوبها وعن قضايا شعوبها . إلا أن النظامين الأردني وسلطة رام الله ولأسباب موضوعية هما الحاسمان السلبيان في القضية الفلسطينية ولكيان الإحتلال. فهذان النظامان هما الأساس الكافي انجازه للعدو، وباقي الدول المطبعة هي بمثابة “البونس”.
وإذا تخطينا مثال الصين واعتبرنا أن إيران دكتاتورية وطنية وليس لها خصوصية كالصين مجرد افتراض لا تقرير، فإننا لا نستطيع أن ننكر أو نتجاهل بأن النظام الإيراني الحالي قد قام وما زال نتاجاً لثورة شعبية جماهيرية عقائدية ذات استراتيجية ومشروع وطني قومي إسلامي شهدها كل العالم ، فمن حقها أن تتخذ لنفسها ديمقراطية أو نظاما سياسياً يحقق إرادة شعبها ويحمي سياساتها الإستراتيجية المتفقة مع مبادئ ثورة الشعب الإيراني .
إيران كنظام اسلامي أجندته تتعارض وتناوئ وتواجه معسكر الإستكبار العالمي، والنظام الوحيد الذي يقف في مواجهة كيان الاحتلال والصهيونية ،والوحيد لجانب دول محور المقاومة الذي يؤمن بعدم شرعية كيان الإحتلال في فلسطين ، فمثل هذا النظام يكون بالضرورة مستهدف على مدار الساعة من المعسكر الغربي والصهيونية وحلفائهم من أنظمة المنطقة. ولا زلت أعتقد بأن احباط ايران لكثير من المؤامرات والاغتيالات والأعمال التخريبية والفتن التي تصنعها أمريكا والكيان وحلفاؤهم الخليجيين ،في الداخل الإيراني لزعزعة الاستقرار في ايران سياسياً واجتماعيا يجب أن يشكل حافزاً لإعطاء أولوية للجانب الاستخباري والأمني في مواجهة التفوق الاستخباري الأمريكي . فسلامة محور المقاومة كله يعتمد على سلامة النظام الإيراني الذي أعطى درساً للأنظمة الأوروبية ولروسيا وتركيا وأنظمة الزيت العربي بأن مواجهة الصهيونية العالمية ممكناً
وما أريد قوله هنا هو أن استهدافهم لإيران لا يكون إلا من الداخل وليس من الخارج نظرا للقوة الردعية لإيران وقوى المحور. وهناك من العوامل المساعدة للعدو في اختراقاته الداخلية .فايران دولة كبيرة وفيها إثنيات وأقليات واتجاهات ومناوئين للثورة كأي بلد شبيه .وهناك معارضات مسلحة في الخارج ومعارضات سياسية للثورة الايرانية وهناك ضخ أموال أمريكية لتجنيد العملاء من هولاء. نحن نعلم بأن هناك مرجعية إيرانية عليا في القرارين العسكري والسياسي اقتضتها طبيعة الثورة الشعبية، ونعلم بذات الوقت بأن هناك انتخابات حرة لرئيس الجمهورية وحكومته ومفتوحة للجميع وخاصة لتيار ما اصطلح على تسميته بالإصلاحيين. ولكن حسب ما أفترضه يجب أن يكون رئيس الجمهورية وفريقه، محافظا كان أو اصلاحيا منسجمين مع سياسة النظام الإستراتيجية كونها مبنية على مبادئ ثورة الشعب. وأن لا تكون هناك سياستان أو خطابان، ففي هذا تضليل للشعب وفيه نوعاً من بنا سياسة جديدة تحيد عن خط الثورة.
وحيث أن حدث وحديث العالم الآن هو رد وطبيعة رد إيران ومحور المقاومة ككل ، فنحن لا ننظر الى رد المقاومة على اغتيال الشهيدين أكثر من عمل ثأري وردعي مستوجب .ولكنا ننظر أولا لوقف حرب الإبادة في غزة والذي سيعني أيضاً انتصار للمقاومة على الكيان ودول التطبيع والمعسكر الغربي واعترافهم بالمقاومة الفلسطينية وبصلابة محور المقاومة وضرورة ازالة الإحتلال. وبنفس الوقت نتطلع إلى حماية ايران وحزب الله وكل محور المقاومة وتشجيع بعض الدول الاسلامية على تجاوز جبنهم الواهم وتعديل مسارهم نحو المواجهة .وأتمنى أن تكون أخبار تزويد الباكستان لايران بما قد تحتاجه في عملية تداعيات الرد صحيحا. فالدول الإسلامية والعربية لاحظت كيف أن مجرد تهديد إيران للكيان جعل من طهران محجا لكل الطغاة وقوى الاستكبار .
وأرى من العار والخطأ الكبير أن تقبل المقاومة الفلسطينية أي دولة عربية او إسلامية كوسيط لمفاوضات مع الكيان الصهيوني. ففي هذا تشجيعاً لهذه الدول على الخيانة وتطبيعا للخيانة، وفيه أيضا منحها دورا تقدم به نفسها كحليف للكيان .فقطر على سبيل المثال التي يختلف إعلامها وتصريحاتها وفضائيتها عن مثيلها في السعودية ومصر، فإنها تلتقي معهم جميعاً في الهدف. وفي ذات السياق فإن المنطق الطبيعي واستنادا لديباجات معاهدات المطبعين مع الكيان كمصر والأردن قد ربطت أسبابها بالحل الشامل الذي يعيد الأرض لأصحابها الفلسطينيين ويعيد كافة حقوقهم غير القابلة للتصرف . ولم تنص تلك المعاهدات على حياديتها أو خيانتها وتحولها من طرف عربي الى شريك أو وسيط في خدمة الاحتلال .
تمر الأشهر وهؤلاء الأعراب يراوغون مع نتنياهو وبلينكن على صفقة تبادل أسرى وما الأمر الا توفير غطاء لمزيد من المذابح الجماعية بهدف تيئيس المقاومة وارهاب شعب غزة لاقناعه بالرحيل والهروب الى خارج فلسطين . ويحيرني تصريحات الصفدي وزير الخارجية الأردني الوطنية والمنطقية وأخرها “من يريد وقف التصعيد والمذابح حقاً عليه أولا أن يوقف الحرب” وهي تصريحات قوية وتتناقض مع سلوك النظام وتصريحاته . وبهذا أقول لو هدد الأردن بإلغاء معاهدة وادي عربة وقطع أي تعاون مع الكيان استنادا لقرار الكنيست برفض دولة فلسطينية كأكبر خطر على الأردن لصنع فرقا. بل أن مصر التي سلمت أرضها للكيان لخنق شعب غزة لو أرادت هي وخونة العرب وقف الحرب لأوقفوا تأمرهم وتعاونهم وجمدوا معاهداتهم مع العدو. فشراكة الدول العربية المطبعة للكيان في حربه ومذابحه واستمراره بالحرب، يسند الكيان بما يفوق الإسناد الأمريكي. فخطورة هذه الشراكة على القضية الفلسطينية وعلى دول التطبيع نفسها والمنطقة وعلى محور المقاومة سيبقى تحدياً ومسؤولية في ذمة الشعوب العربية.
كاتب عربي اردني
النظام الإيراني لا يحتمل حمائم..
2024-08-10