بقلم: وليد عبد الحي
أصدرت الولايات المتحدة ومصر وقطر بيانا جديدا حول الوضع في غزة نص على:
أ- العمل على ابرام اتفاق لوقف اطلاق النار والافراج عن الاسرى
ب- التأكيد على عدم قبول اعذار لمزيد من التأجيل
ت- استعداد الدول الثلاث لتقديم مقترح “نهائي” لتسوية الأمور المتعلقة بالتنفيذ.
ث- اعتبار المبادئ التي طرحها الرئيس بايدن في 31 مايو وصوت عليها مجلس الامن هي مرجعية هذا البيان.
وهنا لا بد من تحليل خلفيات هذا البيان المريب إلى حد كبير، وهو ما يكشفه التصور التالي:
أولا: لحظة اصدار البيان: أن يصدر إعلان البيان الآن ليس منفصلا عن حالة القلق والشلل التي تهيمن على المجتمع والدولة الإسرائيلية انتظارا لتنفيذ محور المقاومة تهديده بالرد على الاغتيال لقادته، والهدف هنا هو امتصاص حالة الاحتقان تحت أمل مساعدة اسرائيل على الاسترخاء من حالة التوتر العالية جدا والشلل الذي اصاب مطاراتها وموانئها ومصانعها ناهيك عن القلق المجتمعي ، وهو ما تؤكده كل وسائل الاعلام الاسرائيلي وتصريحات مسؤولي هذا الكيان.
وتؤكد كل الشواهد ان رد محور المقاومة قادم لا محالة لان مصداقية المقاومة محليا واقليميا ودوليا رهن التنفيذ.. وهو ما تقتنع به واشنطن وتل أبيب، فكان لا بد من خطوة للجم الرد.
أما الهدف الآخر للبيان فهو دفع محور المقاومة لتأجيل رده ،مما قد يفتح المجال امام الولايات المتحدة وإسرائيل لخلق ظروف تجعل رد المحور على الاغتيال اكثر تعقيدا سياسيا وعسكريا، فمن يريد وقف القتال- كما يزعم البيان- لا يرسل اساطيله الى المنطقة ولا يبدأ عمليات قصف في العراق وينشر قواته التي تزيد عن 45 الف في المنطقة ناهيك عن عشرات القواعد العسكرية المنتشرة في كل المشرق العربي تقريبا، كما لا يستنفر مصانعه لتزويد إسرائيل بآخر تكنولوجيا القنابل المروعة .
أن تأكيد محور المقاومة بشكل لا لُبس فيه على الرد لا يمكن منعه من منظور امريكي إلا بحشد قوة رادعة وتمكين إسرائيل من مواصلة الحرب أملا في تحقيق أهدافها المتعثرة، فالبيان يستهدف ادخال المقاومة في “نفق التفاوض” الذي لا طائل تحته ،وهو ما يكشفه تاريخ التفاوض مع إسرائيل ، لقد مضى على بيان بايدن بخصوص وقف اطلاق النار وعلى قرار مجلس الامن أكثر من 77 يوما، فمن الذي استغل الشهرين وقام باغتيالاته مستغلا الوهم الذي صنعه بيان بايدن الذي يستند له البيان الثلاثي ؟
ذلك يعني ان البيان ليس إلا اسفنجة لامتصاص الاحتقان، وهو موقف امريكي اسرائيلي لا دور لمصر او قطر فيه إلا من باب ” دبلوماسية الإنابة”(Proxy Diplomacy) المعروف لا أكثر… وهكذا فان الموقف الامريكي هو المزاوجة بين أداتين هما: حشد قوة عسكرية لردع المقاومة( الترهيب) من ناحية، وتوظيف دبلوماسية الاسفنجة ( الترغيب) من ناحية ثانية.
ثانيا: يؤكد البيان على عدم قبول الاعذار لمزيد من التأجيل، وهنا نطرح التساؤل التالي: لقد اعلنت المقاومة في اكثر من مناسبة قبولها بالمقترحات لوقف اطلاق النار، ولكني اتحدى أي اعلامي او دبلوماسي بأن يدلنا على تصريح واحد (واحد فقط) من نيتنياهو باستعداده لوقف القتال ، فهو يصر جهارا نهارا على “النصر المطلق” بالقضاء على المقاومة والافراج عن الرهائن وتحديد مستقبل غزة ودون تحديد أي افق لتسوية الصراع.
إن مظهر البيان الثلاثي يشير كما لو أنه موجه لنيتنياهو، بينما هو في الحقيقة يستهدف المقاومة، فإذا ردت المقاومة على اغتيال قادتها سيخرج علينا الاعلام الامريكي واعلام سوق عكاظ ليقول لنا ما يلي:
-إذا ردت المقاومة ولم تنخدع بالبيان سيقولون انكم اضعتم فرصة التسوية التي تضمنها البيان الثلاثي.
أما إذا انتظرت المقاومة وتم تأجيل الرد سيتم منح فرصة لنيتنياهو لمواصلة السعي لتحقيق “النصر المطلق” وستفقد المقاومة مبرر الرد إذا تغيرت الظروف العامة بفعل النشاطات الامريكية والعربية في اتجاه الصراع ، ثم الاعتماد على قصر عمر الذاكرة الشعبية التي تنتظر الرد، وتعميم حالة الياس الشعبي وإدخال المقاومة في خانة فقدان المصداقية.
ثالثا: ينص البيان على استعداد الدول الثلاث لتقديم مقترح نهائي لتسوية الامور المتعلقة بالتنفيذ، وهنا نقول:
أ- ان القول باستعداد ” الدول الثلاث ” هو نص منتفخ ومتورم، فالنص هو نص امريكي خالص ، اما ساعي البريد ووكيل الإنابة فيكفيه أنه وُضع مع الولايات المتحدة في نفس السطر لا أكثر، وهو ما يُشبع اوهام “الدور” الدولي الإقليمي وإثبات الولاء للسيد.
ب- الدعوة للاستعداد لقبول مقترح نهائي هي حقيقة دور الاسفنجة، فهو لا يريد الالتزام بشيء ، ولكنه يدعوك للانتظار ، والانتظار يعني منح نيتنياهو فرصة مواصلة الذبح الى حين بلورة مقترح نهائي قد لا يأتي اصلا او إذا أتى فلن يكون أكثر قابلية للتنفيذ من أوسلو او الاقرار بالوصاية الهاشمية على المقدسات او الافراج عن الاسرى الفلسطينيين ثم اعادة اعتقالهم بعد ان يصل الاسير الاسرائيلي الى اسرائيل…الخ.
ت- اما موضوع التنفيذ..فالتنفيذ يتم بعد مرحلة الاتفاق، والاتفاق قد يستغرق شهورا، وبعدها سنذهب للتنفيذ ،ولكن مراحل التنفيذ وآلياته وأزمانه ستسغرق وقتا ، وستبدأ اسرائيل مماحكاتها بتفسير المفاهيم والدلالات..وهنا يكون طي صفحة الرد من محور المقاومة قد تكرس وذوى وضاع في مسامات الاسفنجة.
رابعا: لماذا تغاضى البيان عن موضوع “انسحاب قوات الاحتلال من غزة”، وتغاضى عن موضوع ممرات العبور وموضوعات المساعدات، ان الاسرى الاسرائيليين هم “جوهر الموقف الاسرائيلي”، فالنص على الافراج عنهم يتصدر كل مطلب ونص امريكي، بينما الحقوق الفلسطينية هي حقوق ” نتفاوض عليها” ، ثم سنتفاوض مع من ؟ مع الولايات المتحدة واسرائيل، اما “النادل” فيجلس في ركن منفصل ينتظر “الخدمة”، فالحديث عن الدول الثلاث يذكر بقول عمر بن الخطاب: لست بالخب ولكن الخب لا يخدعني.”.
على المقاومة أن تعمل على اساس أن هذا البيان “الاسفنجة” وكأنه لم يصدر، وعليها ان تعمل على اطالة حالة التوتر في المجتمع والحكومة الاسرائيلية وجعله في اقصى درجاته ، ولا بد ان تعلن المقاومة بمشاركة ايرانية في بيان منفصل عن ” طرح مشروع قرار في مجلس الامن تحت الفصل السابع(وهذا امر في غاية الاهمية) وتوافق عليه الدول الدائمة العضوية يدعو لوقف دائم(ضروري دائم) والانسحاب الاسرائيلي خلال مدة ” محددة وبدقة ” ليكون ذلك مدخلا لموضوع الاسرى من الطرفين(لا من طرف واحد هو اسرائيل) ، وعلى بيان المقاومة في موضوع الرد ان يكون نصا ملتبسا وقابل للتأويل ليبقى الباب مفتوحا امام هذا التأويل في حالة لم يتم التنفيذ، ولتعزيز هذا الموقف لا بد لمحور المقاومة من تصعيد عملياته بقدر محسوب ، مع استمرار الاعلان من المحور ان موضوع الرد على الاغتيال قائم ولا جدال فيه مالم تتم الاستجابة لقرار مجلس الامن المقترح (تحت الفصل السابع تحديدا) وكأن البيان الثلاثي المذكور لم يصدر.
المصدر: المركز الفلسطيني للاعلام