2024-11-26 08:20 م

والله يا أمّي.. صرتُ أخجل من عروبتي..

2024-08-07

بقلم: زهير حليم أندراوس
ما من شكّ بأنّ حرب الإبادة الجماعيّة التي تقوم دولة الاحتلال الإسرائيليّ بتنفيذها في قطاع غزّة ضدّ الشعب العربيّ الفلسطينيّ هي الحرب الأمريكيّة بامتياز، ولولا دعم واشنطن العسكريّ والسياسيّ والدبلوماسيّ للحبيبة الربيبة، إسرائيل، لما كانت قد بدأت الحرب أصلاً، لأنّ أيّ عملٍ عدوانيٍّ ضدّ الأمّة العربيّة بشكلٍ عامٍ، وضدّ الفلسطينيين على نحوٍ خاصٍّ، يأتي ضمن المخطط الشيطانيّ الأمريكيّ للهيمنة على الناطقين بالضاد وإفقارهم وإذلالهم، لذا فإنّ مَنْ يُعوِّل على واشنطن لا يُعوَّل عليه، ولا غُضاضة في هذا السياق من العودة إلى المارِد العربيّ المُرتحِل-الباقي، جمال عبد الناصر، الذي أرسى مقولته المأثورة: “إذا احتلّ العدوّ أرضك، فليس صعبًا استردادها، أمّا إذا احتلّ عقلك، فقد استعبدك للأبد”.
***
المؤسف، المُخجِل والمُريب أنّ أنظمةً عربيّةً وإسلاميّةً لا تلتزِم الحياد في الصراع الدائر حاليًا، وفي الماضي، ووفق كلّ المؤشرات في المستقبل، بلْ على العكس من ذلك، تصطّف إلى جانب رأس الأفعى، أمريكا، وتؤكِّد للأسف الشديد مقولة أفلاطون من قبل الميلاد، الذي أكّد أنّه “لو أمطرت السماء حريّةً لرأيت بعض العبيد يحملون المظلات”، ولا نتجنّى على أحدٍ إذا لجأنا للمفكّر والفيلسوف الألمانيّ هيغل في جدلية العبد والسيّد، “مَنْ ظهر أولاً وَمَنْ أوجد مَنْ؟ العبد أمْ السيّد. هل السيّد مَنْ صنع العبد نتيجة لسلوكه العبوديّ أمْ العبد مَنْ صنع السيّد نتيجة لاستبداده؟”، هذا باختصارٍ شديدٍ لُبّ جدلية الفيلسوف هيغل، التي حاول سبر غورها في كتابه “ظواهرية الروح” الصادر عام 1807. والسؤال الذي يُستنبط ممّا ذُكر: هل ستبقى جدلية استسلام أوْ عبودية أنظمة عربيّة وإسلاميّة قائمة أيضًا بلا نتيجة كما هي جدلية البيضة والدجاجة البيزنطيّة؟ وهل ستبقى العبودية والعرب رفاق درب وتاريخ طويل لا ينفصلان؟ سؤال لم تتّم الإجابة عليه حتى اللحظة، علمًا أنّه قد قيل إنّ عبوديتهم، أوْ تبعيتهم للغرب، جاءت من استبداد السيّد، وفي حالتنا الإمبرياليّة وموبقاتها، منذ أنْ تمّ غزو الوطن العربيّ ثقافيًا وبإرهاب الأسلحة الفتاكّة، وللتنويه فقط لم نُطالِب من هذه الأنظمة إرسال جيوشها للدفاع عن فلسطين، بل أنْ تؤازر فلسطين ولو من باب الضريبة الكلاميّة.

ad

***
والآن بعد أنْ غاب الثلج وبان المرج، بات الغبار ينقشِع عن الدور الذي تقوم به أنظمةً عربيّةً وإسلاميّة منذ انطلاق العدوان البربريّ والهمجيّ ضدّ قطاع غزّة، هذا العدوان، الذي دفع أحرار العالم إلى مقاضاة إسرائيل في محكمة الجنايات الدوليّة في لاهاي بتهم ارتكاب جرائم حرب، وللمُفارقة فإنّه تمّ تأسيس هذه المحكمة لمقاضاة النازيين على أفعالهم الشنيعة والمرفوضة، جملةً وتفصيلاً، ضدّ اليهود وآخرين قبل وخلال الحرب العالميّة الثانيّة، ولكن هذه المحكمة، بفضل جنوب إفريقيا، غير العربيّة وغير المسلمة، ستقوم بإصدار أوامر اعتقال ضدّ رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو ووزير حربه، يوآف غالانط، في حين يقوم رئيس هيئة الأركان العامّة في جيش الاحتلال، الجنرال هرتسي هليفي، بعقد اجتماعٍ مع قادة جيوش السعوديّة والإمارات والبحرين ومصر والأردن، في لقاءٍ عقد تحت رعاية قائد القيادة المركزيّة الأمريكيّة، في حزيران (يونيو) الماضي، في المنامة، بعيدًا عن الأضواء، في محاولةٍ لمنع إحراج الدول العربيّة المشاركة، على خلفية العدوان الصهيونيّ على قطاع غزة.
***
مُضافًا إلى ما ذُكِر أعلاه، فإنّ واشنطن استغلّت قواعدها العسكريّة في عددٍ من الدول العربيّة وأقامت جسرًا بريًّا لنقل الأسلحة لدولة الاحتلال بهدف القضاء على الشعب العربيّ الفلسطينيّ، الذي بقي وحده يُدافِع عمّا تبقّى من كرامةٍ للعرب والمُسلمين، كما أنّ الأنظمة الوظيفيّة العربيّة والإسلاميّة، تقوم بتنفيذ أوامر واشنطن وتُشارِك في الدفاع عن الكيان من هجوم إيران وحزب الله المُرتقَب، أيْ أنّ المُعادلة باتت أكثر من واضحةً: الأنظمة التي تدور في فلك واشنطن، كانت وما زالت وستبقى على استعدادٍ لفعل أيّ شيءٍ من أجل إرضاء الولايات المُتحدّة وإسرائيل، اللتين تستغلّان “البعبع” أوْ الفزاعة الإيرانيّة لإخافتهم من القضاء عليهم، ولم تتوقّف الأمور عند هذا الحدّ، فقد نقلت هيئة البثّ الإسرائيليّة الرسميّة (كان) في الـ 24 من شهر تموز (يوليو) الماضي، عن مسؤولٍ عربيٍّ بارزٍ قوله إنّ “السعوديّة والإمارات ترغبان في القضاء بشكلٍ كاملٍ على حركة (حماس)”، طبقًا لأقواله، بكلماتٍ أخرى، فإنّ أنظمة عربيّة وإسلاميّة رجعيّة واستبداديّة تستغِّل العدوان الأمريكيّ-الإسرائيليّ على قطاع غزّة لتنفيذ أجنداتٍ دخيلةٍ على الأمّة العربيّة، أوْ بالأحرى الشعوب العربيّة، التي تُحكَم بالحديد والنار من قبل أنظمةٍ تابعةٍ لألّد أعداء أمّتنا، لا تعرف ما هي الديمقراطيّة، ولا تريد أنْ تعلم ما هي حقوق الإنسان، وهذا طبعًا لا يعفي الشعوب العربيّة، التي نقولها بألم وحسرةٍ شديديْن لم ترتقِ لمُستوى الحدث، أوْ للمجزرة الفلسطينيّة التي تُنفّذ منذ حوالي عشرة أشهرٍ، ونُشدّد على أنّ العدوان لا يستهدِف (حماس) فقط، بل الكلّ الفلسطينيّ.
***
لا أدري ولا أريد أنْ أعلم كيف يشعر المواطن العاديّ في الوطن العربيّ عندما يُشاهِد المظاهرات المُندّدّة بإسرائيل وأمريكا تنطلِق بمئات الآلاف في العواصم الغربيّة، في واشنطن وفي لندن (مرابط خيلنا) وفي أماكن أخرى، وفي الوقت عينه يُتابِع عن كثبٍ كيف يقوم الحاكم هذا أوْ ذاك في “بلاد العرب أوطاني” بالتواطؤ مع الإمبرياليّة والصهيونيّة والرجعيّة لإبادة الشعب الفلسطينيّ الـ “شقيق”، الذي انتفض ضدّ الغبن والظلم والاحتلال، وأصبح يُقدِّم عشرات آلاف الشهداء من أجل قضيته العادلة للتحرر من نير الاحتلال، كباقي شعوب العالم، فهل الشعور بات منكفئًا كثلج سيبيريا في الوطن العربيّ؟ وهل التضامن مع “الإخوة” الفلسطينيين بات عملةً نادرةً وشعارًا رنانًا وفضفاضًا من المحيط الهادِر إلى الخليج الثائِر؟
***
نعم صحيح، قولوا ما شئتم، ردِّدوا ما طاب ويطيب لكم، فنحن من رحم الأمّة العربيّة انطلقنا إلى النور، وإلى اللحد سننتقِل، والموت حقٌّ، عربًا وفلسطينيين، ولكن، والله يا أمّي الحبيبة، وأنتِ التي انتقلتِ للأخدار السماوية قبل 12 عامًا، أعتذِر، وأقول لكِ بخجلٍ ووجلٍ وبالفم الملآن: لقد وصل السيل الزبى، طفح الكيل، وبثُّ أخجل من عروبتي، فهل هذه خطيئةً مميتةً أمْ عرضيّةً؟