2024-11-26 06:33 م

الضربة الكبرى لا الحرب الكبرى

2024-08-04

بقلم: نبيه البرجي
يفترض أن يعلو صوت حقيقي، لا صوت فولكلوري، ويزعزع حتى عظام تيودور هرتزل، في وجه أولئك البرابرة الذين لا يخططون لابادة الفلسطينيين فحسب، ولا لابادة اللبنانيين فحسب، وانما لابادة البشرية ان بالقتل أو بالعبودية، ما داموا "شعب الله المختار" الذي عليه أن يسود كل الأمم، ويسود كل الأزمنة.

أمام المشهد الراهن، ماذا نقول لايران، باعتبارها القوة الكبرى في فريق الممانعة، وقد أمعن "الاسرائيليون" في توجيه الضربات القاتلة لها . من تخريب المفاعلات النووية الى اشعال المحطات الكهربائية، ومن اغتيال العالم النووي الفذ محسن فخري زادة، والاغارة على كبار المستشارين العسكريين الايرانيين في سوريا، الى اغتيال اسماعيل هنية لتكون الصدمة الكبرى والفضيحة الكبرى.

نقول لها انها تدرك دون شك، مدى حساسية وضع المقاومة في لبنان، وحيث الهلهلة السياسية والهلهلة الطائفية، فضلاً عن الهلهلة الاقتصادية والمالية في ذروتها . كما تدرك أي نوع من أعداء الداخل، سواء بوجوههم أم بأقنعتهم، يراهنون على سقوطها (وهم أهل السيادة) لتكون الدولة ـ الفهرمانة للهيكل أو للبلاط.

على ايران التي ضربت في عقر دارها أن تضرب في عقر دار "اسرائيل" . هي الدولة القادرة والتي يقتضي أن تكون بنظامها الحديدي على مستوى عال من التماسك ومن التراص، بعدما أذهلتنا الاختراقات المتلاحقة لها، لا أن تهدد بصواريخ المقاومة في لبنان، ولا أن تكون الناطقة باسم المقاومة في لبنان، كما درج على ذلك بعض المسؤولين، دون اي اعتبار للحساسيات اللبنانية الهائلة.

أجل، ايران التي ينبغي أن تضرب، لا أن تندد أو تَدين أو تهدد . ولكن لنعترف أنه بالرغم من الهشاشة التي أظهرتها "اسرائيل" في الحرب على غزة، فان الظروف الراهنة ليست ظروف الحرب الكبرى، لادراكنا مدى التداعيات الأبوكاليبتية للحرب، لا سيما على لبنان الذي هاجس المؤسسة اليهودية ازالته من الخارطة.

هل هي صلاحية بعثة ايران لدى الأمم المتحدة لـ "تتوقع" أن تضرب المقاومة في لبنان العمق "الاسرائيلي" ؟ وهذا سر عسكري، ويندرج في الاطار الاستراتيجي لهذه المقاومة. حتماً اذا اندلعت الحرب سيتدخل الأميركيون للدفاع عن "وديعتهم المقدسة" في الشرق الأوسط . ترانا نستطيع الرهان على الروس والصينيين لمؤازرتنا، وهم الذين على بيّنة من حساسية الشرق الأوسط لأمنهم الاستراتيجي، كما لمصالحهم الاستراتيجية ؟

ثمة صوت آخر، ومن قيادة الحرس الثوري، قال قبل أشهر "اذا ما اعتدت "اسرائيل" على ايران، فان أبواب جهنم ستفتح عليها لأن حزب الله يمتلك 100000 صاروخ" . أهي صواريخ لتحمي لبنان أم لحماية ايران، التي طالما هددت بازالة الدولة العبرية من الوجود.

أكثر من ذلك، كنتُ على احدى الشاشات حين تم الاتصال بمسؤول ايراني . بالحرف الواحد قال بـ "أذرع ايران في المنطقة" . آنذاك رديتُ بمنتهى العصبية، ولقناعتي بكبرياء المقاومة وبقضية المقاومة، التي كم بذلت من الدماء ومن الدموع لاعادة الأرض الى أهل الأرض، دون أن ينفي أحد ما قدمته الجمهورية الاسلامية لدحر الاحتلال من جنوب لبنان، بل من كل لبنان، وسواء لأغراض جيوسياسية أم لأغراض ايديولوجية . ولكن من لا يعلم أن في مثل هذه الحروب الأولوية للرجال ولعزيمة الرجال، لا للصواريخ ولا للبنادق.

بطبيعة الحال، منطق الدولة غير منطق المقاومة، وقد أثنينا كثيراً على الأداء البراغماتي لطهران في التعامل مع العالم . ذاك العالم الذي يعاني من فوضى استراتيجية لا نظير لها، منذ أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها. الآن يفترض أكثر من اي وقت مضى، أن نأخذ برباعية السيد حسن نصرالله في كلمته الأخيرة "الغضب، العقل، الحكمة، الشجاعة".

بالتأكيد، نحن في أيام كبرى . الاتصالات على قدم وساق كيلا تتفلت الأمور، في منطقة قال فيها هيرودوت منذ 2500 عام، أنها تقع على خط الزلازل . الانفجار الكبير لن يكون في أي حال لمصلحة أحد . لكن المشكلة أن "الاسرائيليين" الذين يستشعرون وللمرة الأولى أنهم داخل "مأزق البقاء "، لم يتمكنوا من خلع ذلك المجنون عن عرشه . متى كان البديل أقل جنوناً، وأقل بربرية؟

ليست ساعة الحرب الكبرى ، ساعة الضربة الكبرى . الأدمغة لا الأعصاب هي التي يفترض أن "تشتغل" الآن . في معلوماتنا انها تشتغل ...


الديار اللبنانية