بقلم: عدنان نصار
ما كان ضمن التوقعات في مسلسل الإغتيالات لقادة فلسطينيين، حدث في ليل بعملية إجرامية غادرة مدبرة لرئيس حركة المقاومة الفلسطينية نفذت بأيدي إسرائيلية، ورعاية أمريكية.
فعلها الاحتلال الاسرائيلي، ونفذ جريمته على أرض إيران بإغتيال هنية، وقبلها بساعات قصف طائرات الاحتلال لمواقع في بيروت ..بعد أن قصف الاحتلال نفسه ملعب كرة قدم في مجدل شمس.. وأصبح اللعب الاسرائيلي يمضي قدما على المكشوف دون رادع حقيقي لهذه الجرائم الصهيونية المتنمردة التي حولت غزة إلى شلالات دم أيضا برعاية أمريكية.
إغتيال اسماعيل هنية القائد السياسي لحماس يقع في دائرة الغدر والمكر الصهيوني، فهو ليس قائدا عسكريا حتى يأخذ إحتياطاته الأمنية أكثر من القادة العسكريين لحركة حماس المستهدفين من قبل الاحتلال..، لذلك جاءت عملية إغتيال هنية ضمن توقعات الدائرة الأسهل بالنسبة للكيان الذي تمرغت سمعته في وحل غزة منذ عدوانه عليها ما بعد السابع من أكتوبر الماضي.. الحالة الصهيونية الاحتلالية المهزومة والمأزومة في نزال غزة، دفعها للبحث عن نصر زائف خارج نطاق تمرغها في غزة وهزيمتها على يد المقاومة الفلسطينية.
توقعات الإغتيال من قبل الإحتلال لم تتوقف، بل تعدت المألوف في تحليلات عسكرية متعددة أشارت منذ عدة أشهر إلى لجوء الإحتلال إلى هذا النوع من الجرائم الغادرة والسهلة نسبيا بالنسبة للذهنية العسكرية والسياسية الصهيونية التي لاقت الويل في غزة .
اغتيال الشهيد اسماعيل هنية، هدفه الأول إيجاد مساحة من النصر الزائف لمجلس حرب العدو، لإعادة هيبته المفقودة في الداخل الفلسطيني المحتل، وتعزيز مسيرة المدعوق نتنياهو السياسية في تحقيق مصالحه السياسية والشخصية، وإخراجه من دائرة الحضيض والهزيمة قدر الممكن، عبر عمليات الاغتيالات لقادة سياسيين فلسطينيين.
إيران كانت مكان التنفيذ للإغتيال، فهل كان هناك إختراق بشري أو تقني ما لتحديد مكان إقامة هنيه في طهران سهل عملية التنفيذ؟ هذا السؤال الذي يجيء على ألسنة متعددة لا نمتلك الإجابة المعلوماتية عليه، وتبقى اي إجابة ضمن دائرة التحليلات والاجتهادات، غير أن الشيء المؤكد والوحيد ان بصمات التنفيذ تمت بأيدي إسرائيلية ورعاية أمريكية.
لم تمر القضية الفلسطينية عبر مسارها بهذا الزخم الإعلامي والسياسي، كما هي الآن، ويعود الفضل بذلك لصمود الشعب الفلسطيني بكل تفرعاته وفصائله المقاتلة، وفي المقام الأول حركة حماس في غزة التي تنازل العدو منذ عشرة شهور، دون أن يقدم العالم الغربي ولا العربي اي دعم حقيقي لهذا النزال مع العدو، بقدر ما كان بارعا في المؤتمرات والبيانات والإدانات والإستنكارات.. وهذا في ضوء تقدير حجم العدوان والنزال مع العدو بهذه الكيفية وحجم الدم الفلسطيني المراق في غزة يعتبر من المواقف الغربية والعربية المخجلة .
بعد إغتيال الشهيد هنية وقبله العديد من القادة الفلسطينيين : منذ الشهيد خليل الوزير، إلى اسماعيل هنية وما بينهما من قادة كثر تم تصفيتهم بأيدي إسرائيلية، وهذا يعني أن الاحتلال الاسرائيلي لن يكف عن هذا الأسلوب الغادر، وهو بذلك يسعى إلى إنهاء الوجود الفلسطيني ولا يبحث عن حلول “عادلة” ..فالمحتل اصلا لا يعترف بقيم العدالة ولا بقيم الإنسانية .
القضية الفلسطينية، تمر بأخطر مسار في تاريخها النضالي والوجودي، والإنقسام الفلسطيني – الفلسطيني عزز هذا المسار في خطورة القضية نتيجة لخلافات نعتقد انها غير مبررة داخل فصائل منطمة التحرير الفلسطينية المطلوب منها التوحد وتوحيد صف كل فصائل المقاومة الفلسطينية السياسية والعسكرية لوقف هذه الخطورة التي تهدد عمليا الوجود الفلسطيني تمهيدا وفق وجهة نظر الإحتلال لتصفية القضية وفق أحلام الصهيونية المريضة ..وعمليا، على أرض الواقع السياسي لم يعد لاتفاق “أوسلو” أي قيمة أو معنى مطلقا، وخاصة في ظل تصريحات الاحتلال الاسرائيلي برفضه إقامة دولة فلسطينية التي بنيت على أساسها اتفاقية “أوسلو” عديمة الفائدة وعقيمة للمنتج السياسي الفلسطيني.
إغتيال هنية في إيران، تحمل رسالة اسرائيلية – أمريكية واضحة إلى محور المقاومة في غزة ولبنان واليمن، وهي رسائل تحمل في مضامينها “قوة الاحتلال” ودعم أمريكا له ..فلولا الدعم الأمريكي للاحتلال لم وصلت اسرائيل إلى هذا المستوى من التنمرد والإجرام، وإطلاق يدها وطائراتها في كل إتجاه..ولعل اغتيال هنية في العاصمة الإيرانية فجر الأربعاء هو دليل إطلاق يد الاحتلال بمباركة امريكية.
يبدو أن سلسلة الاغتيالات ستستمر، في حسابات السياسة الصهيونية، ظنا منها انها الأسهل في تصفية الوجود الفلسطيني ..نتحدث عن وجود فلسطيني وليست القضية فقط، وهذا ما يسعى اليه الاحتلال بكل غدره ومكره، تمهيدا لمحاولات تمرير مخططات صهيونية قادمة نشمل إحداثيات جغرافية عربية غير الأرض الفلسطينية، وهذه السناريوهات المعشعشة في الذهنية الصهيونية الاحتلالية تشغلهم ليل نهار .. ولعل طوفان الاقصى الذي جاء في السابع من أكتوبر الماضي، هو جزء من نزال لوقف هذا المخطط الصهيوني الذي فعليا يشكل خطورة حقيقية للوطن العربي.
لن يكون الشهيد اسماعيل هنية آخر شهداء فلسطين، وهي شهادة نالها بعد أن هيأ نفسه لها منذ أمد بعيد، مثل كل القيادات الفلسطينية التي تمسكت بثوابت الموقف الفلسطيني، ورفضت تحويل القضية إلى سلعة للمساومة .. واغتيال هنية الذي أعلن قبل استشهاده ان يكون الثالث من آب هو اليوم الفلسطيني العالمي عبر دعوته لشعوب العالم التظاهر أمميا بإسم فلسطين ..موقف أعلن عنه هنيه ومضى شهيدا، وربما سيكون يوم الطوفان الأممي شعبيا دعما لفلسطين القضية والهوية والوجود.
وأظن، ان إغتيال هنية سيشكل إمتداد للمقاومة الفلسطينية بكل فلسطين، ويقفز النزال إلى الضفة الغربية بشكل أقوى مما هو عليه الآن، بعد توسع رقعة الإجرام الصهيوني في غزة وعموم فلسطين ..وإغتيال هنية سيجر المنطقة إلى نزالات أخرى في غير جغرافية عربية سواء على الصعيد السياسي أو الفعل المقاوم لردع الإحتلال عن جرائمه القذرة.
“إسرائيل” هي المسؤولة عن اغتيال الشهيد هنية ..بل ووصلت الوقاحة والسفالة أن ينشر المكتب الصحفي للحكومة الاسرائيلية صورة للشهيد هنية وكتب جنبها :”تم التخلص منه”..
هنية، رجل السياسة الفلسطينية، وشيخ الحكمة والمرونة والثبات “يتخلص منه” الاحتلال ..وهذا يدفع بالضرورة إلى عودة الصف الفلسطيني بكل فصائله للوحدة والتوحد وركل اتفاقية أوسلو بأقدام المقاومين .!!
كاتب وصحفي اردني..
المصدر/ رأي اليوم