بقلم: نبيه البرجي
كنا ونبقى، حتى الرمق الأخير مع المقاومة ومع سيد المقاومة، لأننا ندرك، مثلما أدرك ميشال شيحا وموريس الجميّل وميشال ادة وحتى شارل مالك وحتى كميل شمعون، حين كان "فتى العروبة الأغرّ"، ما هي "اسرائيل" والى أين يمكن أن تصل بلبنان بتلك اللوثة التوراتية التي هي لوثة البرابرة.
لكننا الآن في ذروة الخوف على المقاومة، حين يتسنى ل "الاسرائيليين" أن يعرفوا، وقبلهم الأميركيون، من هو فؤاد شكر وأين يقيم، وهو الذي عرف بالدماغ الفذ الذي تنبعث منه النيران كما قالت وكالة "بلومبرغ"، بعدما كانت قد اغتالت قائدين من النوع اياه، هما عماد مغنية ومصطفى بدر الدين على الأرض السورية.
نعلم كيف يتنقل قادة المقاومة وكيف يقيمون، دون أن يتركوا أي ثغرة تنفذ منها الأجهزة المعادية، أو أكثر أجهزة الرصد والتجسس تطوراً. ما حدث مساء الثلاثاء أصابنا بالصدمة، لنشعر أن هذا قطعاً ليس وقت القتال ضد "اسرائيل"، التي تمكنت من اغتيال تلك النخبة من القادة الميدانيين ومن التقنيين ومن القادة المخططين.
الآن وبالصوت العالي، خائفون على السيد حسن نصرالله عقب استهداف قائد على ذلك المستوى في الموقع وفي المهمة، ليتزامن ذلك مع صدمتنا الأخرى من الآفات البنيوية، ان في المؤسسة العسكرية أو في المؤسسة الأمنية الايرانية، وقد ثابرت القيادات هناك على التهديد بازالة "الكيان الغاصب " من الوجود، فاذا بـ "الاسرائيليين" يخترقون حتى مفاعلاتها النووية، واغتيال من كان يدعى بـ "أبو القنبلة النووية الايرانية" محسن فخري زادة، بعدما كان بنيامين نتنياهو قد ذكر اسمه قبل اغتياله بأشهر.
أكثر من أن تكون الصدمة الكبرى، الفضيحة الكبرى حين يتم اغتيال اسماعيل هنية بغارة جوية ، وهو المحاط بحماية أركان الجمهورية. أيمكن أن نستوعب ما حدث وخلال ساعات، بين ضاحية بيروت ووسط طهران؟
اننا حائرون، واننا مصدومون. لذلك نقول كرهائن لذلك الوضع، بضرورة اعادة النظر باشياء كثيرة، وبضرورة أن نسأل الى أين يمكن أن تمضي بنا تلك السياسات، حين تستطيع "اسرائيل"، وفي ذروة الاستنفار داخل المقاومة، أن تستهدف فؤاد شكر في منطقة تعتبر قلعتها الحصينة، وأن تقتل اسماعيل هنية لا في غزة ولا في الدوحة، وانما في ذلك المكان "الآمن" الذي يثير، وكما تردد وسائل اعلامه، الذعر لدى "ذئاب أورشليم".
اذا كانت ايران وهي قائدة المحور، عاجزة عن حماية اسماعيل هنية وهو في عقر دارها، كيف لها أن تحمي لبنان وسوريا والعراق واليمن، وحيث امتدادها الجيوسياسي والايديولوجي، وهي الدول التي تعاني من أزمات ومن تصدعات داخلية قاتلة؟
أمام تلك الصدمات، لا تجدي التبريرات ولا التهديدات، ناهيك بصيحات أئمة المساجد الذي يعتبرون أنهم بالصراخ يزعزعون حجارة الهيكل، في حين أننا منخورون حتى العظم، مخترقون حتى العظم، تائهون حتى العظم. من تراه لا يشكو من الفوضى، لا سيما الفوضى الأخلاقية، داخل البيئة الحاضنة، وهي البيئة المقاتلة المستباحة لأكلة لحوم البشر، وللصوص الماء والكهرباء. هؤلاء الذين يبكون على الحسين، كنموذج لكبرياء الموقف ولكبرياء الدم، ثم يعتدون على الطرقات وعلى الأرصفة، ويطلقون رصاص الابتهاج حتى لولادة دجاجة...
لقد انتهى بنا الأمر الى هذه الحال، ويفترض أن نصرخ قبل فوات الأوان (وقد فات الأوان)، لنقول اننا بحاجة الى عصا المقاومة لا عبر الخط الأزرق حيث الصراع المؤجل، ولا عصا الدولة وهي التي نشرت كوليرا الفساد وكوليرا التفرقة لنبدو الدول داخل اللادولة، والمجتمعات داخل اللامجتمع، والمواطنين داخل اللاوطن.
أي حرب ضد "اسرائيل" اذا كنا وسط تلك الأهوال، وضحايا تلك الأهوال، وقد استشرى الجشع والاستئثار وحتى الكراهية في ذروة المظاهر الدينية، لتكون الكلمة الأولى والأخيرة للقتلة وللصوص ولقطّاع الطرق.
لهذا نقول للسيد ان البيئة الحاضنة، كما أي بيئة لبنانية أخرى، في خطر الانزلاق الى الجحيم، وهذا هو رهان "اسرائيل"، لينزلق لبنان الى الجحيم. أملنا الكبير بكَ أن تضرب ، أجل اضرب أيها السيد، ومن الأعلى الى الأدنى.
البيئة اياها بحاجة الى تنظيف الضمائر، والى تنظيف القلوب، والى تنظيف الأيدي، وبالقوة التي تعيد البهاء للمقاومة ولأهل المقاومة، قبل أن تقع الواقعة هذا اذا لم تكن قد وقعت فعلاً...
الرد الذي نرجوه داخل لبنان لا داخل "اسرائيل". هل ترتسم على وجوهكم علامات التعجب؟!