بقلم: ابراهيم نصرالله
على شاطئ البحرِ كلَّ مساءٍ، وقبلَ الغروب قليلًا
نرى فتياتٍ بعُمْر ابتساماتهنَّ الجميلةِ قرب المياهْ.
يتهجّينَ في الموتِ اسمَ الحياةْ.
ويُحصِينَ أحياءَ ما بعدَ كلّ الحروبِ الأخيرةِ
أسماءَ من قُتِلوا نائمينَ فلم يعرفوا الموتَ
أسماءَ من سَهِروا ليردُّوه عن غدِهم والصغارِ،
بما يملكونَ.. ولو بالصّلاةْ!
ثم يكتُبنَ فوق الرّمال عناوينَ كنَّ حَلمنَ بها دائمًا
مُدنًا أو بلادًا قصائدَ أشْهَرَ ممّنْ كَتَبْ.
لم تعِشْ أيَّ يوم حبيسةَ هذي الجرائدِ أو ما يُشابهها أو حبيسةَ هذي الكُتُبْ.
وتُدندِنُ أصغرُهنَّ كلامًا يُشيرُ إلى لحنِ أغنيةٍ من بلادٍ بعيدةْ
فلا هي لحنٌ.. ولا اكتملتْ.. مثل أيِّ قصيدةْ
الظلامُ على شاطئ البحرِ أكثرُ صمتًا
وفي الصمتِ يبدو الغموضُ هنا شاسعًا مثل حرَبْ..
لا ترى في النهايات إلّا البدايةَ ثانيةً، فهي لا تنتهي وهيَ
أوسعُ من كلِّ حُلْم رأيْنَ ومن كلِّ حبٍّ وفرصةِ حُبّ.
انتبهي ستقولُ فتاةٌ لِمَنْ دندَنتْ، ثمَّ قنديلُ بحرْ
وتَشُدُّ يدَيها على صدرها
وهي تسألُها: هل هنالكَ في الموتِ حزنٌ وقَهَرْ؟!
… …
على شاطئ البحر كلَّ صباحٍ
نرى فتْيةً يركضونَ على الرَّملِ، يسّابقونْ
يجمعون الخُطى،
وبقايا الأحاديثِ؛ ما قالَهُ إخوةٌ، أمهاتٌ، وما قالت الرّيحُ للأُفْقِ جَهْرًا
وما قالتِ العاشقاتُ الصغيراتُ للورْدِ سِرًّا
وما قالَ كلُّ الذين إلى الآنَ ما استُشهِدُوا، صدفةً،
وكذلك كـلُّ الذين هنا سوف يُستَشهَدُونْ.
ونرى ولدًا لم يعد اسمُهُ في سجلِّ المواليدِ
يسألُ: هل مِتُّ أمْ أنني لم أكنْ؟
ويجيبُ فتىً: بعد أن ينتهي كلُّ هذا سنسألُ مَن ظلَّ حيًّا، وإنْ نسيَ الحيُّ، قد يتذْكّرُكَ الميتون.
على شاطئ البحر تبكي النوارسُ
وهي تَراهم إلى ما قد تبقّى هنا من بيوتٍ، إلى جانبِ البحر،
في حُلْمِهم، يرجِعُونْ.
مرةً، مرّتين، ثلاثًا، وألفًا، ثلاثين ألفًا..
وهم يحلمونْ…
أنهم لم يزالوا على الأرض أحياءَ من ربّهم يُرزَقُونْ
… …
على شاطئ البحر كلَّ صباح وكلَّ ظلامْ
نرى وطنًا باتّساع جراحاتِ أطفاله، في القيامةِ يمشي وحيدًا هناكْ.
بين طُهْر البراءةِ في دمِهِ وجُنونِ الطّغاةْ.
يُردِّدُ أسماءَ أبنائهِ واحدًا واحدًا
ويُفتّشُ عن أيِّ اسم يُسمِّي به البحرَ، والطيرَ،
والدِّينَ، والرّوحَ، والأنبياءَ، المساجدَ في الأرضِ،
كلَّ الكنائس، كلَّ المعابد،
والأولياءَ التّقاةَ الجُناةْ.
الدُّعاةَ الغُزاةَ،
القُضاةَ النُّهاةَ الوُشاةَ،
الوُلاةَ الزُّناةْ.
وعن أيِّ اسم يُسمِّي به الحكماءَ، القساوسةَ العقلاءَ، السّماءَ،
الثوابَ، العقابَ، الجريمةَ،
هذي الحروبَ،
وهذا السَّلامَ الأخيرَ على الأرض،
ليلَ الضّميرِ، الأئمةَ، والرّؤساءَ، الشرائعَ، والغَيبَ،
واسمًا لطفل تعلَّقَ بالدّعوات لتنجو ذراعٌ له.. لا ذراعانِ،
واسمًا لهذا المماتِ العظيم
واسمًا قريبًا لشِبه النّجاةْ..
على شاطئ البحر كلَّ مساء وكل صباح.
نرى فتياتٍ، نرى فتيةً يركضون على الرَّمل قربَ المياهْ
يتهجَّون في الموتِ اِسمَ الحياةْ
المصدر: القدس العربي