بقلم: نبيه البرجي
أن تكون أميركياً أو لا تكون. أي لا مكان لكَ في هذه الدنيا ولا في الآخرة، بعدما أوحى الينا جون بولتون بأن بلاده تمسك بمفاتيح العالم الآخر. ولطالما قالت لكل عربي "أن تكون اسرائيلياً أو لا تكون"...
كيف يمكن أن نقنع الأميركيين بأننا مأخوذين بالتفاعل الفذ بين الثقافات وبين الأجناس فيها، كاختزال ديناميكي للعالم، وبتقدمها التكنولوجي الذي أحدث ثورة في مسار الأزمنة وفي مسار الأمم. حتى أن اسلوب الحياة (Lifestyle ) بات اسلوب المتسكع، الحافي القدمين في كلكوتا، وأسلوب المثري ـ العربي ـ على شواطئ الكوت دازور، واسلوب عامل التنظيفات في اديس ابابا.
لكنها الكرة الأرضية. أيها السادة الأميركيون. حضارات وديانات وتضاريس تاريخية وايديولوجية، حتى أن الفيلسوف الكاثوليكي غبرييل مارسيل لاحظ أن أبناء السيد آدم والسيدة حواء، يشغلون الله أكثر مما يشغله باقي الكون، الذي لا يعلم أحد أين يبدأ وأين ينتهي.
هكذا تقول الاستراتيجية الأميركية (استراتيجية وحيد القرن). لا أحد غير الولايات المتحدة ليس فقط في قيادة العالم، وانما في الوجود في كل مكان من العالم. باحثون كثيرون تحدثوا عن "الديانة الأميركية"، والى حد الشكوى من "كوننا لا نستطيع الفصل بين صلاحيات الله وصلاحيات أميركا في ادارة البشرية". لعلنا نسأل اذا كانت أميركا وراء هبوط آدم من الجنة ؟ ثم لماذا الكلام فقط عن هبوط آدم دون ذكر حواء، مع أن معلموماتنا تقول أنه كان يحملها على ظهره...
كنا كتبنا عن "عبقرية الغباء". أثارت ذهولنا ردات الفعل العاصفة على زيارة فلاديمير بوتين لبيونغ يانغ ولقائه كيم جونغ ـ أون، مع أن دونالد ترامب وفي ذروة عهده، التقى الزعيم الكوري الشمالي لقاء الصديق القديم، لا لقاء من يهدد بضرب واشنطن بالصواريخ النووية، حتى أن الكلام جرى عن رقصة التانغو بين الرجلين، ليبقى الاستغراب كيف يمكن لأمبراطورية لا نظير لها في التاريخ سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وتكنولوجياً، أن تفكر بطريقة الحانوتي الصغير(Le petit boutiquier ) .
ولكن ألم يقل توماس كاراكو، كبير الباحثين في مركز الدراسات الاستراتيجية في نيويورك، انه دعا المرة تلو المرة الى الخروج من "ثقافة الكاوبوي"، والا "سنصل الى تلك اللحظة التي تسقط فيها عن احصنتنا" ؟ مثلما ينتج التاريخ الأمبراطوريات لا يلبث أن يتقيأها.
فيكتور تشا، رئيس مركز الدراسات الاستراتيجي والدولية، اعتبر أن الزيارة "تشكل أكبر تهديد للأمن القومي الأميركي"، ليضيف أن العلاقة بين موسكو وبيونغ يانغ " تقوّض أمن أوروبا وآسيا والولايات المتحدة". لم يذكر مثلاً كندا واوستراليا.
جون كيربي، منسق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأميركي, صرح بأن بلاده فوجئت بالزيارة، كما لو أن بوتين زار المريخ بالقطار، لنشير الى أن جو بايدن زار 21 دولة خلال ولايته، وعقد حلفاً مع كل من بريطانيا واوستراليا (أوكوس) للالتفاف حول الصين، دون أن تقاجئ تحركاته أياً من دول "المعسكر الآخر" التي قد تكون بعدد أصابع اليد، خلافاً لذلك الكوكتيل الدولي الذي يستقطب غالبية بلدان العالم.
هل كان يفترض بالرئيس الروسي الذي تعاني بلاده من حصار الولايات المتحدة لها، أن تقف الى جانبها في حصار كوريا الشمالية؟
بوتين أهدى مضيفه "خنجر الأميرال"، ليرى بعض المعلقين الأميركيين في ذلك اشارة رمزية الى كون الاتفاق العسكري بين روسيا وكوريا الشمالية خنجراً في الخاصرة الأميركية، لأنه كضربة للقوس الآسيوي الذي أنشأته واشنطن في الشرق الآسيوي. هدية أخرى، ليموزين روسية لكيم جونغ ـ أون كعاشق للسيارات، وهو العاشق للصواريخ أيضاً.
في كل الأحوال الاتفاق بين موسكو وبيونغ يانغ رد على الزحف الأميركي الحثيث على البلدان الآسيوية لحصار الجانب الآسيوي من روسيا كدولة أوراسية.
ما أزعج الأميركيين أكثر التغطية الاعلامية الصينية الكثيفة للزيارة ونتائجها. ما حدث لمصلحة شي جين بينغ، الذي ينظر بعين صفراء الى التمدد الأميركي، وان كانت المصالح الاقتصادية تفرض عليه ابقاء الأبواب والقنوات مفتوحة مع واشنطن.
عالم لم يعد ممكناً أن يقوده وحيد القرن...
المصدر: الديار اللبنانية